قاسم طفيلي في حديث خاص: التعاون الصيني العربي يجب أن يخرج من القوالب المتحجرة ويكتسب ديناميكية وحركة تعاونية شعبية
موقع الصين بعيون عربية ـ
بكين – محمود سعد دياب:
تستند العلاقات بين الدول العربية والصين، إلى حقيقة تاريخية تمتد في عمق التاريخ إلى مئات السنين، وصخرة ثابتة تتمثل في أن العرب يشكلون ثلث دول مبادرة الحزام والطريق، ورغم هذه الحقائق إلا أن مستوى التعاون لم يصل حتى الآن إلى المستوى المطلوب، خصوصًا أن العرب يمكنهم القيام بدور محوري ليس فقط على مستوى التبادل التجاري أو الاستثمارات الصينية بالدول العربية والعكس، ولكن أيضًا على مستوى الشراكات الاستثمارية في الدول الأخرى.
ليس حكرًا على الصين
قاسم طفيلي رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية، خص موقع “الصين بعيون عربية” بحوار مطول عن مستقبل التعاون بين الصين والدول العربية، قال فيه إن الرئيس شي جين بينج ذكر أكثر من مرة أن الصين خلقت مناخاً استثمارياً للعالم كله، ما يعني أن المشروعات ليست حكرًا على الصين وحدها، موضحًا أن الصين والدول العربية بإمكانهما توسيع أفاق التعاون بصورة أكبر بأن يدخلا مشروعات مشتركة في دول أخرى مثل إيطاليا التي دخلت مع الصين في مشروعات زراعية في بنجلاديش، وألمانيا التي شاركت مقاطعة شاندونج في مشروعات مماثلة بدولة سريلانكا، مضيفًا أن العرب بإمكانهم مشاركة الصين بمشروعات أخرى في إفريقيا القارة البكر الغنية بالموارد والمتعطشة للمشروعات التنموية.
قوالب متحجرة
وأضاف أن التعاون بين الجانبين يجب أن يكون خارج القوالب المتحجرة، وأن الصين مثلا تسعى لمحاربة سوسة النخيل، تلك الآفة التي تؤثر بالسلب على محاصيل التمور، متسائلا: لماذا لا تقوم الدول المنتجة للتمور مثل مصر ودول الخليج بإبرام تعاون مع الصين في هذا المجال بما يعود بالنفع على الجانبين، مؤكدًا أن العرب يجب أن يبادروا بتحقيق استفادة حقيقية من العلاقات مع التنين الصيني.
خارج الإطار الرسمي
وبخصوص منتدى التعاون العربي الصيني، المقرر أن تنطلق فعالياته خلال العام المقبل في العاصمة الأردنية عمان، قال قاسم طفيلي إن الواقع يفرض تحديات على الجانب العربي يحتاج منه أن يحدد أولويات ما يريده من الجانب الصيني بالنسبة لكل دولة على حدة، موضحًا أن من يقوم بذلك الدور يجب أن يكون خارج الإطار الرسمي حتى يكون أكثر ديناميكية وتطوراً على أكثر من صعيد، بما يؤمن علاقات مشتركة طويلة الأمد وإنجازات على جميع المستويات في مجالات متعددة، بمعنى أنه من الظلم أن نمنحه لجامعة الدول العربية المثقلة بالهموم والمشاكل، مضيفًا أن الأمر ينطبق أيضًا على معرض الصين والدول العربية الذي تحتضنه مدينة ينتشوان بمقاطعة نينغشيا كل عام.
طابع شعبي
واقترح رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية، أن يأخذ التعاون طابعاً أكثر شعبية في التنفيذ وإشراك منظمات المجتمع المدني الممثلة في جمعيات رجال الأعمال والأكاديميين، بحيث لا يكون التعاون مجرد اجتماعات تعقد وبنود تناقش بدون آلية حقيقية للتنفيذ على الأرض، مطالبًا بأن يأخذ منتدى التعاون العربي ومعرض الصين والدول العربية أبعاداً مختلفة أكبر .
مشهد شي وماكرون
وأشار إلى أن كل الدول تبحث عن مصلحتها، موضحًا أن مشهد تناول الرئيس الصيني شي جين بينج مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون النبيذ الفرنسي في افتتاح معرض شانغهاي للاستيراد نوفمبر 2019، هو مجرد ترويج للنبيذ الفرنسي في الأسواق الصينية، مؤكدًا أن العرب يمكنهم فعل ذلك والبحث عن مصلحتهم بما يتوافق مع المصالح الصينية خصوصًا وأن ذلك المعرض هو أهم منصة للنفاذ إلى السوق الصيني، من واقع مقولة شي الشهيرة “تعاون رابح رابح”، مضيفًا أن المعرض شهد مشاركة كبيرة من الدول الأوربية لأنها تدرك حجم السوق الصيني، فيما لا تزال المشاركة العربية تحتاج إلى تنسيق الجهود، رغم أن عدد الشركات العربية كان أكبر من العام الماضي إلا أنها ينقصها معرفة كيفية دخول السوق، لأنه أمر ليس سهلا وله متطلبات أولها أن البضائع لا بد أن يكون لها قيمة ونوعية جيدة .
معضلة المصدرين العرب
وأكد طفيلي أن عدم الدراية الكافية بكيفية دخول السوق الصيني بشكل آمن بما يحقق أرباحاً ومكاسب، هي المعضلة التي تواجه كل المصدرين العرب، مطالبًا بضرورة أن يقوم اتحاد الغرف التجارية العربية، بتنظيم دورات تدريبية وتعريفية للمصدرين العرب بالسوق الصيني قبل المعرض، بهدف تعزيز دخول البضائع العربية للصين استعدادًا للنسخة الثالثة من المعرض نوفمبر 2020، وأيضًا مراسلة الشركات المشاركة ومعرفة رأيها ومناقشة المشاكل وكيفية الخروج منها، وشرح الشروط والأدوات التي يحتاجها المصدّر العربي لدخول أكبر سوق استهلاكي في العالم على صعيد المواصفات، مثل وضع ملصق على المنتج باللغتين الصينية والإنجليزية يعطي معلومات عنه وفقًا للمواصفات الصينية، بحيث تخرج خارج الإطار الحكومي ويحصل الحراك التجاري على بعض الديناميكية .
مشاركة تعاونية
وأوضح قاسم طفيلي رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية، أن هناك نقصاً في المشاركة العربية بالمعارض الأخرى خصوصًا معارض السلع الغذائية، مشيرًا إلى أن هناك معارض بها قسم كامل لزيت الزيتون على سبيل المثال لا توجد بها شركة عربية واحدة، مطالبًا بضرورة ألا تقتصر المشاركة العربية على معرض شانغهاي فقط، وأن تكون هناك أجندة للمشاركة في المعارض المتخصصة في كل مجال. مشددًا على ضرورة خلق وتشجيع الروح التعاونية بين المصدرين خصوصًا صغار المنتجين لسبب مهم هو أن كلفة دخول السوق بشكل جماعي منظم ستوزع على الجميع، وستكون أقل من كلفة دخول كل شركة بمفردها، ضاربًا مثالاً بنجاح مصر في النفاذ بالبرتقال إلى السوق بفضل التنظيم الجيد ووجود كميات ونوعيات جيدة.
جمعية للمصدرين العرب
وطالب بضرورة أن يتم تدشين جمعية تضم تحت مظلتها جميع المصدرين العرب إلى الصين، بما يوحد الجهود ويقلل الكلفة مثلما تقوم به الغرف التجارية وجمعيات المجتمع المدني الإسبانية والإيطالية والفرنسية، في منتجات النبيذ وزيت الزيتون والمأكولات، حيث يتم تشييد جناح كبير عليه علم الدولة في المعارض المختلفة، أو إقامة مهرجانات باسم كل دولة يتم الترويج لها بشكل جيدة على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وتتخصص تلك المهرجانات في سلعة معينة بتخفيضات مغرية بحيث تبني الشركات الصغيرة من تلك الدولة سمعة لها في السوق الصيني تنمو مع الوقت وتحقق الفائدة للجميع، مؤكدًا أن اتحاد الغرف التجارية العربية هو المنوط به تنظيم مثل تلك التجربة الثرية والمفيدة فضلا عن اتحادات الغرف بالدول العربية وجمعيات رجال الأعمال.
استثمار من جانب واحد
وشدد طفيلي على ضرورة ألا يكون الاستثمار بين الصين والدول العربية من جانب واحد، موضحًا أن الاعتقاد السائد عند البعض أن الصين كثاني أقوى دولة في العالم، يجب عليها أن تستثمر أموالها في الدول العربية، في حين أن المنطق يقول إن مبدأ تبادل المنفعة يقتضي أن تكون تلك الاستثمارات متبادلة، مطالبًا صناديق الاستثمار العربية ورجال الأعمال بألا يهملوا إمكانيات وفرص الاستثمار في الصين، مؤكدًا أن السوق الصينية واعد ومليء بالفرص للشركات العربية، خصوصًا بعد النهضة الشاملة التي شهدتها البلاد في مختلف المجالات.
اهتمام عربي خجول
وأضاف أن هناك شركات عربية اقتنصت بعض الفرص، مثل شركة إعمار الإماراتية التي حصلت على أعمال إنشائية في مطار بكين داشينج الجديد، مشيرًا إلى أن معرض شانغهاي للاستيراد الأخير كشف عن اهتمام متزايد من المستثمرين العرب في استهداف الصين كمحفظة استثمارية، ورغبتهم في الاستفادة من التطور في الصين بمختلف المجالات، موضحًا أن المعرض استضاف منتدى التمويل الدولي بمشاركة بنوك صينية وأجنبية منها من مصر والإمارات والسعودية والبحرين فيما كانت الكويت ضيف الشرف، وأن مؤسسة التمويل الكويتية المعنية بالاستثمار الخارجي أبدت اهتمامًا بالسوق الصيني وفتح استثمارات فيه، خصوصًا في المجالات التي طرحت للمناقشة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية والبنوك الرقمية.
وطالب في ختام حديثه، بأن يناقش منتدى التعاون القادم في مدينة عمان الأردنية، الاستثمارات المتبادلة بين الصين والدول العربية من خلال سياسة الصين الانفتاحية التي تخلق فرصا واعدة أمام المستثمرين العرب، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات استثمارية أو بنوكا، والسعي لخلق مناطق صناعية حرة بالدول العربية.