الإنسانية في مواجهة “كورونا”
موقع الصين بعيون عربية ـ
ماجدة ريا:
أن تكون إنساناً يعني أن تحمل في داخلك المشاعر الإنسانية بكل معانيها النبيلة المملوءة ببذور حب الخير لجميع البشر.
أن تكون مواطناً صالحاً في بلد يحمي هذه المواطنة فهذا يعني أن تساند بلدك في وقت المحنة.
هناك… في الصين حيث فتك فيروس كورونا نتلمس ونتعلم كيف تكون المسؤولية بين المسؤول والوطن، بين المواطن والمسؤول، بين المواطن وأخيه المواطن، نماذج مشرّفة للبشرية في كيفية التعاطي أوقات المحن.
إن متابعة بعض الأخبار الواردة من الصين عبر قناة الصين الفضائية (CGTN) تجعل المرء يقف مندهشاً أمام ما يراه من القدرة الفائقة والإرادة القوية في مواجهة هذه الأزمة الإنسانية، ولا تملك إلاّ أن تتحرّك مشاعرك تجاه ما يحدث، وقد تصاب بالألم مرّتين، مرّة وأنتَ تشاطرهم مشاعر المعاناة التي يعيشونها، ومرة أخرى بكمية الافتراءات التي يرميها الإعلام المعادي مستغلاً الأزمة الإنسانية لتحقيق مآربه الدنيئة.
ممرضة شابة تعمل في مستشفى الطب الرابع التابع لكلية الطب بجامعة تشجيانغ تلتقي حبيبها بعد 11 يوماً من العمل الشاق لمكافحة فيروس كورونا في أجنحة منعزلة، التقيا من خلف الزجاج، وتحدثا إلى بعضهما البعض بشكل صامت، بعد أن كانا قد تواعدا سابقاً على الزواج في عيد الحب، أخبرها أنه بمجرد انتهاء الوباء وخروجك من المستشفى سنتزوج فوراً.
هو الحب والأمل والتفاؤل الذي يحيا به الصينيون في هذه الأيام العصيبة التي يمرّون بها، وكلّهم ثقة بتجاوز هذه المحنة.
والدليل على هذه القوة في المواجهة فيديو انتشر من مستشفى مؤقت في مدينة ووهان ـ مركز الفيروس ـ وفيه المرضى يرقصون ويقومون بالحركات الرياضية في غرفهم ويمشون أيضاً، ويشاركهم في ذلك الأطباء والممرضون، فهم يعتبرون أن تحسّن الحالة النفسية يساعد على الشفاء، كما أنهم يقرأون الكتب، هؤلاء أشخاص يفترض أنّهم مصابون بفيروس قاتل، ومع ذلك تجدهم مقبلين على الحياة بكل تحد، ويواجهون ما يعانونه بكل صبر وثبات، وهذا فعلاً ما يساعدهم على التقدّم لتخطّي هذه الصعوبات بدلاً من الانزواء في خانة اليأس القاتل الذي يمكن أن يعجّل في القضاء على حياة من يصاب بهذا الفيروس اللعين.
ولعل هذه عيّنة من العيّنات الموجودة هناك والتي تشير إلى تلك الروح الجميلة التي يتمتّع بها هؤلاء الأفراد، إضافة إلى روح التضامن والتعاون فيما بين الجميع. ولذا شهدنا حالات شفاء من هذا المرض، فقد تحدثوا عن رجل كبير في السن تعافى وعن طفل صغير نجا، وهي الحالات الأضعف أمام هذا الفيروس، لأن سن الشباب يكون أكثر مقاومة وقابلية للشفاء.
لقد شفي الكثيرون من المرض وما زال البحث جارياً عن علاجات تنقذ الجميع، وعن لقاح يمنع تفشّيه بين الناس.
لم تتوقف الحياة في الصين كما يعتقد البعض، رغم ظروف العزل والحجر، وما زال الصينيون يعيشون حياتهم، وإن بطريقة مختلفة، فهم أهل الابتكار والإبداع ويستطيعون التماشي مع الصعوبات التي تعترضهم، ويوجدون لها الحلول، فقد شاهدت مقطعاً يُظهر كيف يتسوق الناس عن بعد، من خلال وضع جسر بلاستيكي توضع الأغراض المشتراة عليه وتسحب نحو المشتري، في المصاعد وضعت أعواد تنظيف الأسنان كي يستعملها الأشخاص بدلاً من لمس الأزرار بأصابعهم، الدراسة بسبب توقف المدارس والجامعات يتابعونها من خلال مشاهدة البث الحي الذي يقوم به المعلمون بشكل يومي..
ما يذهلك هو القدرة على التنظيم والتي تقابَل بقدرة عالية من الأفراد على الالتزام بكل التوجيهات والتدابير التي تتخذها الدولة من أجل إنقاذ البلاد من هذا الفيروس القاتل، الأمر الذي ساعد في خفض عدد الإصابات، وأمّن النجاح في التقدم في مواجهة هذه الأزمة.
هو التزام من الأفراد، ليس لمجرّد الإلتزام فقط، وإنما يفعلون ذلك بكل حب وتعاطف وإنسانية مطلقة. مثلا بعد غياب لأيام، تعرّف زوجان طبيبان على بعضهما البعض من خلال الصوت في ممر جناح العزل في مستشفى شاوشينغ الشعبي في مقاطعة تشجيانج، وبعد الإشارة إلى بعضهما البعض بأصابعهما، احتضنا بعضهما ثم واصلا عملهما.
ومثال آخر عن روح التضحية ، تلك الشابة التي تعمل في مستشفى الأطفال بمقاطعة هونان وسط الصين في جناح العزل الصحي مرتدية بدلة واقية ثقيلة وكمامة ونظارة واقية وقفازات مطاطية وقد ظهرت الندوب على يديها بسبب الأدوية المعقمة والمطهرة ولبس القفازات، وهي تقول: “لقد هيأت نفسي للوضع في العزل الطبي في أي لحظة”، وهذا يظهر روح الإستعداد للتعاطي مع هذه المرحلة الصعبة التي تحتاج إلى إرادة قوية، وتضحيات كبيرة.
لنا أن نتصوّر مدى التضحية التي يقدمها هؤلاء الأشخاص دون تذمر، وإنما يمارسون عملهم بكل حب من أجل العبور بأبناء جلدتهم إلى بر الأمان.
كل هذه عيّنات بسيطة مما يعيشه المجتمع في الصين تدلّل على أن هذا الشعب هو شعب حي، مثقّف، ومنظم، ومتعاطف، وطموح، يستطيع أن يكافح الصعاب ويذلل العقبات، نتمنى من الله أن يتلطّف بهم، ويمنحهم القوة والصبر والتغلّب على هذا الفيروس ليس من أجل إنقاذ بلدهم وحسب بل من أجل إنقاذ البشرية جمعاء.