العالم الغربي وسياسة الكيل بمكيالين إزاء فيروس كورونا
موقع الصين بعيون عربية ـ
د. يربان الخراشي*:
ازدواجية المعايير المقيتة التي تطبع قرارات العالم الغربي تجاه القضايا المطروحة على الساحة الدولية باتت جزءاً من المشكلة التي تطفو على السطح عند كل قضية، حتى لو تعلق الأمر بوباء يسببه فيروس لا يعترف بحدود الدول، ولا يميز بين ضحاياه على أساس العرق أوالدين أو اللون.
اليوم وبعد مرور حوالي شهرين على تفشي فيروس كورونا الجديد، باتت الصين بفضل التدابير الحاسمة في الوقت المناسب تقترب من السيطرة على انتشاره، حيث تشير الإحصائيات الرسمية الصينية إلى تسجيل أكثر من مئة ألف حالة إصابة بفيروس كورونا منذ بدء انتشاره تعافى منها حتى الآن أكثر من 50 ألف شخص، وهناك أقاليم صينية أصبحت خالية من أي مصاب، هذا في الوقت الذي بدأت خريطة انتشاره عالميا تتوسع لتشمل مناطق ودولاً جديدة على امتداد القارات المختلفة، وذلك وسط رفع منظمة الصحة العالمية لخطورة انتشاره إلى أعلى مستوى، وتأكيدها على استحالة إيقافه بشكل فوري.
العالم الغربي بقيادة أمريكا بات اليوم ينكوي بنار الحفرة التي حفرها للآسيويين، حيث روجت صحافته الحرة المرموقة لمظاهر العنصرية والتعصب والكراهية ضد ذوي البشرة الصفراء خاصة في أوروبا، وعلى رأس الدول التي أصبحت بؤرة فيروس كورونا الجديد إيطاليا السباقة عالمياً إلى إعلان حالة الطوارئ وتعليق الرحلات مع الصين، القرار الذي فيما يبدو لنا كان حينها قرارا سياسيا أكثر مما هو قرار صحي لمنع انتشار الفيروس، إيطاليا التي مارست العنصرية ضد الآسيويين بشكل فظيع، على سبيل المثال لا للحصر حادثة معهد سانتا سيسيليا الموسيقي الذي قرر تعليق دروس الطلاب ذوي الأصول الصينية، واليابانية، والكورية، وكذلك تعرض السياح الصينيون في البندقية للعنف اللفظي بل حتى إهانة كرامتهم بالبصق عليهم وشتمهم، وغير ذلك من أصناف موجة الكراهية ضد الآسيويين التي اجتاحت أوروبا بعد ظهور الفيروس في الصين، وقبلها موجة الكراهية ضد المسلمين والعرب بعد أحداث 11 سبتمبر والتي ما زالت مستمرة، موجات الكراهية والعداء للآسيويين، وقبلهم العرب والمسلمين في الغرب تغذي بركان تحدي الاندماج الخامد، وتكشف الوجه الحقيقي القبيح له، الذي يظهر جليا للعيان في كل مرة ليذكّر الجميع أن الصور النمطية الحقيقية هي تلك التي تعود لحقبة الاستعمار، وتتأكد هذه المقولة أكثر إذا ما قارنا انتشار فيروس كورونا الجديد، وموجة الكراهية ضد الآسيويين مع إنفلونزا الخنازير التي تسببت سلالة جديدة منها (H1N1) بوقوع جائحة الأنفلونزا في الفترة بين عامي 2009 و2010 بعد إنتشار العدوى على نطاق واسع خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشير الأرقام إلى حوالي 60 مليون مصاب احتاج حوالي 270.4 ألف منهم الدخول إلى المستشفيات، مع أكثر من 12 ألف حالة وفاة، هذا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، أما على المستوى العالمي فقد انتشر الفيروس في أكثر من 100 دولة مسببا مئات الآلاف من الوفيات، ورغم كل ذلك لم نرَ أي تمييز عنصري ضد الإنسان الأبيض أو الأمريكي، ولم يوقف العالم رحلاته الجوية إلى أمريكا، ولم يدعوا إلى مقاطعة بضائعها، ولم يتهم الحكومة الأمريكية بالعجز والخداع، رغم أن أمريكا لم تقدم حتى الآن الأرقام الدقيقة للجائحة، وكل الأرقام المتداولة حتى بعد مرور حوالي عشرسنوات هي مجرد تقديرات نتيجة للتحليلات والمحاكاة التي قام بها المركز الأمريكي المتخصص بالسيطرة على الأمراض الوبائية والوقاية منها (CDC) .
سياسية الكيل بمكيالين هذه تؤكد أن العالم الغربي الذي يرفع شعارات الحداثة، والإنسانية، والديمقراطية يعيش حبيس أحكامه المسبقة، التي تتبع مبدأ الانتقائية الفاضحة، والصورة النمطية السلبية المبنية على افتراضات وهمية تعود لحقبة الاستعمار لكل مختلف عنه حضاريا وثقافيا.
العالم الغربي الذي بالغ في التسويق الإعلامي السلبي للفيروس المستجد متناسيا ترابط الاقتصاد العالمي، وتأثير ذلك على مئات ملايين الفقراء في العالم، يدرك جيداً أنه لا شرعية ولا نجاح لأي نظام مهما كان نوعه أكبر من تلبية تطلعات وطموحات الشعب، وربما هذا هو سبب تصدر الصين بواقع 84 نقطة لترتيب الدول حسب مؤشر إدلمان العالمي لثقة الشعب بالحكومة لسنة 2018، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 33 نقطة لدى أمريكا وفرنسا، الثقة التي تأكدت أكثر للعالم أجمع بعد عزل سكان مدن صينية يصل عددهم إلى أكثر من بعض سكان الدول الأوروبية أنفسهم بأنفسهم استجابة لتدابير الحكومة الصينية في محاربة انتشار فيروس كورونا، وهو ما شكل سابقة في تاريخ البشرية لمستوى الثقة بين الشعب، والحزب الحاكم في الصين.
العالم الغربي بقيادة أمريكا يتحمل مسؤولية تحول كورونا إلى وباء عالمي، وذلك بعد ما آثر الإشاعة، والدعاية المغرضة لخلق حالة من الهستيريا عالميا، والاستغلال الوقح لقضية تتعلق بالصحة العالمية لتوجيه ما يعتقد أنها ضربات موجعة لاقتصاد وسياسة نظام الحكم في الصين بدل الوقوف إلى جانبها، ومساندتها ولو معنويا، واستخلاص العبر من تجربتها الناجعة للتحضير، والاستعداد الجيد لمكافحة الفيروس المستجد خدمة للبشرية جمعاء.
*كاتب من موريتانيا متخصص بشؤون الصين