خبير: انحسار تفشي كورونا الجديد في الصين يرجع لاجراءاتها الوقائية والعلاجية مثل “ضبط فيضان نهر في حوضه الأعلى”
أكد تشونغ نان شان، أشهر الخبراء الصينيين في مجال طب الجهاز التنفسي مؤخراً، ضرورة أن تركز أي دولة تواجه مرضا معديا جديدا، على حجز تدفقات حالات الإصابة، تماماً مثل “ضبط فيضان نهر في حوضه الأعلى”، مشدداً على أن هذا هو ما يتوجب على أي دولة أن تفكر به بالدرجة الأولى وفي اللحظة الأولى وقبل كل شيء.
وأشار تشونغ إلى أن ذلك يعتبر أهم تجارب وخبرات الصين التي مكنتها من النجاح في معركة احتواء فيروس كورونا الجديد، داعياً الدول الأخرى في العالم للاستفادة من تلك الخبرات، إلى جانب استخدام أدوية وأساليب علاجية ذات فعالية توصل إليها الأطباء الصينيون من خلال ممارساتهم السريرية المثمرة.
وأضاف تشونغ، الذي يعد أحد أبرز الأبطال النموذجيين الصينيين لمكافحة الأمراض التنفسية المعدية منذ تفشي وباء “سارس” عام 2003، أضاف قائلا :”أجرينا تجارب سريرية على عقار الكلوروكين (Chloroquine) ونوع من العقاقير الصينية التقليدية اسمه كبسولات “ليان هوا تشينغ ون”، فلاحظنا من خلال نتائج التقارير التحليلية حتى الآن أن لدى كل منهما فعالية علاجية إيجابية مثبتة مقارنة مع الأدوية الأخرى، حيث يعمل عقار الكلوروكين على تقصير فترة تخلص الجسم من الفيروس وتخفيض حجم الحمل الفيروسي في المرضى المصابين بالمرض الناجم عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، فيما تتمكن كبسولات “ليان هوا تشينغ ون” من تقليل فترة تناقص حدة الأعراض بشكل ملحوظ”.
وتابع تشونغ: “ولاحظنا أيضا في وقت سابق، أحوال ونتائج استخدام غاز خليط الهيدروجين والأكسجين على بعض المرضى، حيث كشفت لنا نتائج المؤشرات الأولى أن غاز خليط الهيدروجين والأكسجين يقدر على تحسين مشكلة ضيق التنفس بشكل ملحوظ، وهو ما يجعله أكثر ملاءمة للمرضى الذين يعانون من صعوبات في التنفس.”
وأكد تشونغ البالغ من العمر 84 عاما، ولا يزال يعمل أكثر من 12 ساعة يومياً، أكد أن مفتاح تحقيق النجاح لاحتواء تفشي الفيروس في الصين والعمل على انحسار انتشاره لا يكمن في استخدام الأدوية فقط، بل بالجهود التي لا بد من بذلها فيما وصفه بـ “المجرى الأعلى” لجميع الأعمال المتعلقة بمكافحة الفيروس، والتي ينبغي إيلاء أكبر الاهتمام بها، فضلا عن تنفيذ سياسة وقائية في المقام الاول.
وفي معرض شرحه لـ “المجرى الأعلى”، أشار تشونغ، رئيس وفد الاخصائيين المفوض من قبل مجلس الدولة الصيني، إلى أن ضرورة اتخاذ تدابير وإجراءات لمنع الانتشار إلى نطاق أوسع، أو بكلمة أخرى، تسوية المشكلة منذ البداية، حيث ينبغي تفعيل آليات الطوارئ في البلاد، إلى جانب التركيز على مشكلة المصابين بالوباء، كما لو كان الأمر “ضبط فيضان نهر في مجراه الأعلى”.
وذكر تشونغ أن هذه الاستراتيجية والتدابير المحورية التي اتخذتها الصين في بداية الجولة الأولى من تفشي الفيروس التي كانت قد بدأت فجأة في يناير الماضي بشكل شديد، والتي “تركزت في مدينة ووهان التي كانت تواجه أكبر انتشار للفيروس”، قد ساهم بشكل كبير في السيطرة على زيادة انتشار الوباء.
وتابع تشونغ خلال مقابلة خاصة مع صحيفة حكومية، أن كبار اخصائيي الصحة لاحظوا أن قدرة انتقال عدوى فيروس كورونا الجديد أقوى بكثير من فيروس كورونا المسبب لمرض السارس قبل 17 عاما. حيث يمكن أن يصل مؤشر العدوى لكورونا الجديد إلى 3.5 في الصين! ما يعني أن حالة إصابة واحدة بالفيروس ستؤدي إلى 3.5 حالات إصابة وسطياً، مقابل أقل من حالتين لفيروس السارس على أعلى مستوى. وهذا هو سبب تدفق آلاف المصابين كل يوم في الدول خارج الصين.
وعلى ضوء لذلك؛ ومن ناحية الحوكمة الاجتماعية، قررت الصين إغلاق حركة المرور العامة في مقاطعة تعتبر مركز نقل في وسط البلاد، ويقطنها زهاء 60 مليون نسمة، منذ 23 يناير المنصرم حتى يوم 8 أبريل الحالي بشكل خاص. كما وعممت بشكل عام، تدابير حشد جميع مواردها الطبية والادارية والعسكرية وكامل المواطنين لخوض المعركة ضد الفيروس، حيث شارك الجميع وبطرق مختلفة في أعمال استكشاف الذين أصيبوا بالفيروس أو اشتبه بإصابتهم، والابلاغ عن حالات الاصابة أو الاشتباه بها وأحوال انتشار الفيروس، فضلاً عن القيام بعزل أو فصل حالات الاصابة المؤكدة أو المشتبهة عن عامة الشعب، والعمل على توفير العلاج لكل المرضى مجاناً ووفق أفضل الاستراتيجيات المتعددة بناء على أحوالهم الشخصية الخاصة، شرط أن يتم كل ذلك في أبكر وقت ممكن، بدلا من التأخر في سرعة أعمال الوقاية والعلاج.
أما من ناحية العلاج، أكد تشونغ أيضا أهمية تسوية المشكلة في “المجرى الأعلى”، قائلا :” وجدنا من خلال بحوثنا حول الأمراض المتعلقة بالانسداد الرئوي أن النتائج العلاجية دائما تكون ممتازة للغاية عند قيام الأطباء باجراءات تدخل علاجية إيجابية للمرضى الذين كانوا يعانون فقط من أعراض خفيفة وأولية أو حتى لأولئك الذين لم تظهر عليهم الأعراض تماما في المراحل المبكرة، ما أدى إلى تغير وانقلاب آراءنا القديمة التي كانت تطلب من الأطباء عدم القيام بتدابير تدخلية إلا بعد ظهور الأعراض عند المرضى”.
وأعرب تشونغ عن أمله في بذل جهود متسقة ودون تراخٍ خلال عملية تسوية المشكلة في “المجرى الأعلى” أو في المراحل المبكرة، نظرا لمعضلة قديمة لا تزال تؤرق الاخصائيين الصحيين في مجال علاج أمراض الانسداد الرئوي مثل (كوفيد-19).
وقال تشونغ الذي كان لاعبا قويا في المرحلة الجامعية، إن المعضلة التي تواجه الأطباء تتمثل بقلة الوسائل العلاجية في علاج أمراض الانسداد الرئوي حسب الآراء التقليدية، فعندما يأتي مريض إلى المستشفى، دائما ما يكون يعاني من صعوبات في التنفس، وفي هذه المرحلة، دائما ما تكون آفات رئتيه مستفحلة. ولذلك، شرعت في بدايات عام 2000 بالتفكير في طريق آخر وهو: “لماذا لا نتدخل في المراحل المبكرة من المرض؟”
ويشير كتاب هوانغ دي ني جينغ (الكتاب الامبراطوري الأصفر للطب الداخلي)، الذي يعد من أهم الكتب الطبية التقليدية الصينية، إلى أن الطبيب الخير لا يكون ماهراً في علاج الأمراض فقط، بل يمكنه استكشاف الأمراض الكامنة والقيام بالوقاية منها قبل أن تصيب المرضى.
وقال تشونغ: “لقد فكرت كثيرا، أين المفتاح؟ ووجدت أن العديد من الأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، التي يسيطر الأطباء عليها في المراحل المبكرة، لن يتركوها تتدهور لتسبب نزيفا دماغيا أو احتشاء دماغيا. وشأنها شأن مرض السكري، إذ ليس من الضروري الانتظار حتى تحدث أعراضا أخرى قبل تشخيصها، وإنما يتم التحكم بها طالما ارتفعت نسبة السكر في الدم إلى حد معين، ما يُجنب حدوث مضاعفات ذات صلة. وأعتقد أن هذا هو تقدم استراتيجي.”
وانطلاقا من ذلك، قال تشونغ: “يجب علينا تعديل وتحسين استراتيجية الوقاية والسيطرة على الأوبئة في مراحل تفشيها المبكرة، وبالنسبة إلى الصين في الوقت الحالي، يتعين التركيز على السيطرة على حالات الاصابة الوافدة من الخارج، واحتمال حدوث انتكاس في تفشي وباء كوفيد-19 من الداخل، كما يجب القيام باختبارات فحص الحمض النووي لجميع الوافدين من الخارج. وإذا ما ظهرت نتيجة إيجابية لأي حالة وبغض النظر عن وجود أعراض من عدمه، فلا بد من أن تخضع للحجر الصحي.”
وكشفت نتائج بيانات رسمية، ان عدد حالات الاصابة الوافدة من خارج الصين قد بلغ 38 حالة في يوم الخميس، مقابل 4 حالات إصابة محلية، إلى جانب 33 حالة اصابة محلية بدون أعراض، فيما تم تغيير تشخيص 14 حالة وافدة لتصبح حالات اصابة مؤكدة .
وأعرب تشونغ عن أمله في مكافحة الوباء، ومواظبة السعي وراء تجنب حدوث مزيد من الإصابات بالفيروس، وتقليل الوفيات، وصولا إلى إيجاد اللقاحات المناسبة والفعالة التي ستضع النقاط على الحروف، وتكلل المعركة على الفيروس بالنصر، بالاعتماد على الخبرات التاريخية.