سفير الإمارات لدى الصين: إعادة فتح ووهان بارقة أمل للعالم
فيما يلي مقالة كتبها علي عبيد الظاهري سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى جمهورية الصين الشعبية:
إعادة فتح ووهان بارقة أمل للعالم
أنعش تعافي مدينة ووهان الصينية من تفشي فيروس كورونا المستجد الأمل لدى كافة شعوب العالم في إحداث سيناريو مماثل، بعد أن ظل التفشي السريع لهذا الفيروس كابوساً يطارد المدينة على مدار 76 يوماً أغلقت خلالها المدينة بشكل شامل، إلى أن تم رفع هذا الإغلاق مؤخراً، ما مثل لحظة تاريخية فاصلة لهذه المدينة.
وفي دولة الإمارات نرى تحديات مماثلة كتلك التي واجهتها مدينة ووهان، وعلى الرغم من صعوبة الموقف إلا أن الأمل لا يزال موجوداً وقائماً.
ومن واقع معايشتي للأحداث هنا في بكين أؤكد أن الأمل قائم وكبير في أن تساعد الإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات في تجاوز الأزمة، فكل بلد لديه نهج مختلف، خاصة وأن تجربة مدينة ووهان أثبتت نجاحاً واضحاً، حيث تبنت الغلق الكلي ومن ثم كان تخفيف التدابير الوقائية تدريجياً.
لقد واجه الاقتصاد في الصين كما هو الحال في الإمارات تحديات كبيرة ولكن النهج الاستباقي قد خفف من التأثير الاقتصادي، كما أن الإجراءات المالية التي طبقتها وزارة المالية الصينية لدعم الاقتصاد الصيني بإقرار سياسات ضريبية طارئة، وإطلاق حزم دعم مالي لمساعدة الاقتصاد، وتوفير بنك الشعب الصيني لسيولة كافية قد خفف حدة الأزمة.
وكان لهذه الخطة المالية أثر كبير فعال في عودة تماسك وصعود الاقتصاد مرة أخرى في ظل تراجع نمو الاقتصاد بشكل حاد، حيث وفرت هذه الخطة حماية كبرى للشركات والوظائف.
وتشير جميع الدلائل إلى حدوث انتعاش في الاقتصاد الصيني، حيث قفز مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي (PMI) إلى 52 نقطة في مارس مقابل أدنى مستوى له على الإطلاق عند 35.7 نقطة في فبراير.
وحتى أواخر مارس، عاد 98.6 بالمائة من الشركات الكبيرة في الصين إلى العمل، مع عودة 89.9 بالمائة من الموظفين إلى وظائفهم، وفقاً لبيانات وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وبذلك يمكن القول إن النهج الذي اتبعته الصين يمنح الأمل للدول الغربية، ولدولة الإمارات حيث أن الإسراع بأخذ التدابير المالية الطارئة من شأنه توفير طوق نجاة من الأزمة ويعطي الأمل بالعودة للانتعاش مجدداً.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن حزمة تحفيز بقيمة 70 مليار دولار من “البنك المركزي الإماراتي” لضمان توفير السيولة في النظام المصرفي، كما كان هناك عدد من الإجراءات لدعم الشركات الصغيرة لضمان تسليم مشاريع البنية التحتية الحكومية، كما تم اتخاذ إجراءات لتخفيف الضرائب في مختلف أنحاء الدولة.
ومن منظور عملي عندما يتعلق الأمر بالتدابير المباشرة للحد من انتشار الفيروس والتعامل مع آثاره الصحية، يمكن أن تستلهم دولة الإمارات تدابير التصدي للفيروس الناجحة التي طبقتها مدينة ووهان، حيث سارع صناع السياسة الصينيون في التحرك السريع لمواجهة تفشي الفيروس، بإجراءات العزل والتتبع.
وتضمنت خطة العمل من الحكومة الصينية الدفع بالمزيد من العاملين في مجال الرعاية الصحية من جميع أنحاء الصين، وتشكيل أكثر من 340 فريقاً طبياً يتكون من أكثر من 42600 عامل في المجال الطبي من جميع أنحاء البلاد، والذين توجهوا جميعاً إلى مدينة ووهان المدينة الأكثر تضرراً بناءً على تعليمات الحكومة.
وتم بناء مستشفيين في فترة وجيزة لرعاية العدد المتزايد من المصابين، وإغلاق خدمات النقل العام بما في ذلك الحافلات والسكك الحديدية والرحلات والعبارات وإغلاق المصانع والمكاتب والمدارس واستخدام تقنيات مثل منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية لمراقبة الحركة.
ويتماشى النموذج الصيني مع سبل مواجهة دولة الإمارات القائمة على تطبيق التكنولوجيا لمحاربة فيروس كورونا بما في ذلك عمل مراكز اختبار للكشف عن المصابين بالفيروس وتفعيل استخدام التطبيقات الذكية للمساعدة في تطبيق حظر التجول واتباع آلية تعقب المخالطين للمصابين، واستخدام طائرات دون طيار لتعقيم الشوارع.
وتتعامل مجموعة 42 العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية مع تفشي المرض باستخدام الذكاء الاصطناعي لمنع تفشي الفيروس وضمان وصول الإمدادات الطبية إلى المناطق الأكثر احتياجاً، كما أطلقت الشركة برنامج “الجينوم السكاني” الذي يوفر التنميط الجيني لجمع البيانات اللازمة للباحثين لتطوير علاج للفيروس.
ويتعين علينا توخي الحذر على المدى القصير والمتوسط بعد رفع الحظر، حيث ستكون فترة ما بعد رفع الحظر في كل دول العالم ودولة الإمارات بمثابة فترة تغيير وترقب حذر، كما فعلت الصين، وخاصة على مستوى مقاطعة هوبي ومدينتي بكين وتيانجين ومقاطعة خبي شمالي الصين فلا يزال الالتزام قائما من خلال الإجراءات الحذرة ورفع الحظر البطيئ والتدريجي لمواجهة أي طوارئ من المستوى الأول ضد الفيروس.
كما أود أن أشير لأهمية التضامن الاجتماعي الإيجابي للصين فقد كان هناك التزام مجتمعي ساحق في محاربة فيروس كورونا من الشعب الصيني الذي دعم جهود الحكومة بشتى الطرق والحماسة والجسارة.
وتشير الدلائل إلى أن دولة الإمارات ستتمكن من النجاح، خاصة ونحن نرى الطرق خالية من السكان وسط التزام مجتمعي واضح، رغم تعدد جنسيات الدولة، التي تضم مختلف جنسيات العالم، فضلاً عن مبادرات التلاحم التي تمثلت في التغني بالنشيد الوطني الإماراتي من قبل المقيمين الأجانب.
إلى ذلك، نجد التصفيق العفوي للجيش الأبيض لخط الدفاع الأول من الفرق الطبية التي نالت احترام وتقدير الجميع لما تبذله من جهد وتضحيات مقدرة في سبيل مواجهة الفيروس ومعالجة المصابين، وهذا يثبت ثقتنا في شعب دولة الإمارات، واعتزازنا بأخصائيي الرعاية الصحية، ويؤكد على ثقتنا في نجاعة استراتيجية قيادة دولة الإمارات في إدارة هذه الأزمة.
وكل هذه المواقف تدعم روح التلاحم المجتمعي، فنحن محظوظون في دولة الإمارات لأن جميع السكان يظهرون التزاما قويا تجاه المكوث بالمنازل، في ظل بلد مسالم ومترابط، حيث تصدرت أبوظبي مؤخراً المدن العربية في “تقرير السعادة العالمي 2020″، كما حلّت في المرتبة 35 عالمياً وفقا للتقرير الذي تصدره “شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة”حسب استطلاع “جالوب العالمي”.
ويوضح مثل هذا الأساس القوي ثقة والتزام الناس في دولة الإمارات التماسك المجتمعي والإرادة الجماعية على تجاوز الأزمة كما كان حال الشعب الصيني الجسور، وهو ما يؤكد أن هناك بارقة أمل وضوء يلوح في الأفق بنهاية النفق المظلم.