السياسات الصينية في مواجهة تحديات تغير المناخ
موقع الصين بعيون عربية ـ
بكين ـ أنور عكاشة:
يعتبر تغير المناخ من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي حاليا، وقد حظيت هذه القضية، على مدار السنوات الماضية، باهتمام عالمي متزايد.
الصين من جانبها، بذلت جهودا حثيثة في التعامل مع تغير المناخ، والوفاء بالتزاماتها التي نصت عليها “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” و”بروتوكول كيوتو”، إضافة إلى دورها البنّاء في التعاون الدولي في هذا المجال.
شاركت الصين، في إطار آلية التفاوض المزدوج المسار والمحدد في الاتفاقية الإطارية وبروتوكول كيوتو، في المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ، مع الإصرار على مبدأ “المسؤوليات المشتركة والمتباينة حسب الأحوال الذاتية المختلفة” سعيا إلى تعزيز التواصل مع مختلف الأطراف ولعب دور بنّاء في الحث على بذل جهود مشتركة.
انتماءات الصين العديدة للمجموعات العاملة في مجال تغير المناخ، أثبتت التزام البلاد بهذه القضية. فالصين عضو في كل من المنتدى القيادي لعزل الكربون، وشراكة آسيا- المحيط الهادئ حول التنمية النظيفة والمناخ، فضلا عن كونها عضوا مشاركا في مجموعة الثماني والبلدان النامية في المفاوضات المتعلقة بتغير المناخ، واجتماعات الاقتصادات الكبرى حول أمن الطاقة وتغير المناخ، كما دعت الصين في اجتماع أبيك إلى تأسيس “شبكة آسيا والمحيط الهادئ للإدارة المستدامة للغابات”، واستضافت “المنتدى الدولي لتغير المناخ والعلوم والتكنولوجيا والابتكار”.
ويبدو أن التغير المناخي الناجم عن تأثيرات بشرية يؤدي إلى زيادة وتيرة حدوث الظواهر الجوية الشديدة ومدة سريانها وشدتها. وكان لمثل هذه الظواهر تأثيرات كبيرة بالفعل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية وعلى صحة السكان. من المرجح أن تقع التأثيرات الأشد خطورة لتغير المناخ على الطعام والأنظمة الصحية والمياه. ويعد تأثير تغير المناخ على الطعام وصحة الإنسان والمياه في الصين هو الأكبر من نوعة وذلك لكثرة الانبعثات من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء وزيادة نسبة المحروقات وعوادم السيارات، ما أدى ايضاً لإرتفاع ظاهرة الانحباس الحرارى.
وتشير التوقعات إلى أن التأثيرات الإجمالية لتغير المناخ، وتبوير الأراضي الزراعية، ونقص توفير المياه يمكن أن تقلل من إنتاج الصين للغذاء بشكل كبير، بالرغم من أن مثل هذه التوقعات تحتمل قدرًا من عدم التيقن وهو أمر حتمي. من المحتمل أن يكون لتغير المناخ تأثيرات كبيرة على الموارد المائية، وعلى سبيل المثال يمكن ملاحظة التغيرات في أنماط هطول الأمطار وزيادة حدوث موجات الجفاف والفيضانات في بعض مناطق الصين.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه التأثيرات سوف تؤدي إلى تهديد صحة السكان وعافيتهم في العديد من المجتمعات. ومن المرجح أن تتأثر صحة السكان في الصين بشدة على المدى القصير بسبب الزيادة في درجات الحرارة ومعدلات التلوث. إلا أن التأثيرات غير المباشرة لتغير المناخ على المدى المتوسط إلى البعيد – على سبيل المثال التغيرات في معدل توفير الطعام والمأوى والمياه، وانخفاض مستوى الصحة العقلية والعافية، وتغير معدلات انتشار الأمراض المعدية وحدوثها بحسب الفصول – من المرجح أن تزيد أهميتها. لا يمكن تفادي العواقب الكارثية المحتملة لتغير المناخ إلا إذا تعاونت جميع البلدان وعملت معًا بهدف خفض معدلات انبعاث ما يسمى الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة كبيرة وزيادة قدرة سكان العالم على مواجهة مخاطر تقلب المناخ وتغيره.
ولذلك تواصلت الصين، كلاعب رئيسي في المجتمع الدولي، وفي إطار تعاون الجنوب- الجنوب، لتعزيز المساعدات الخارجية في التعامل مع تغير المناخ. كما تشاطر ثروتها من التكنولوجيا الخضراء والخبرة في تطوير الاقتصاد الأخضر مع البلدان النامية الأخرى، وتدعم قدراتها على التعامل مع قضايا تغير المناخ. منذ عام 2006، أصدرت الحكومة الصينية سلسلة من إجراءات المساعدات الخارجية، وتعهدت بالقيام بتعاون عملي مع البلدان النامية المعنية، محددة أولويات دعمها في مجالات مثل الزراعة، والرعاية الصحية، والطاقة النظيفة، وحماية البيئة، ومياه الشرب، تنمية الموارد البشرية وتشييد الهياكل الأساسية للأرصاد الجوية.
ووفرت الحكومة الصينية أكثر من ثمانمائة دفعة من مواد المساعدات إلى ما يقرب من مائة دولة، بما في ذلك أنظمة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأنظمة الإضاءة، وإمدادات الطاقة المتنقلة، شاحنات التخلص من النفايات، ومنشآت الري والصرف. وبغية مساعدة البلدان الأفريقية على تعزيز بناء البنية التحتية للأرصاد الجوية، وتحسين حماية الغابات وإدارتها، على وجه الخصوص، ستركز الصين على بناء محطات للرصد الجوي آليا، ومحطات المراقبة الجوية العليا بالرادارات ومرافق حماية الغابات.
وبالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة الصينية بإنشاء مراكز لعرض التكنولوجيا الزراعية في 17 دولة آسيوية وأفريقية، كما أرسلت خبراء إلى تلك البلدان للتدريب وتعزيز التكنولوجيا. أما فيما يتعلق بالطاقة النظيفة، فالصين تساعد على بناء محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة، ومحطات طاقة الرياح ومحطات غاز الميثان الزراعية. ومن الأمثلة في هذا الصدد، مشروع الحفاظ على المياه في أفغانستان، وتركيب الألواح الشمسية، وأنظمة تسخين المياه بالطاقة الشمسية في المغرب ولبنان، واستكشاف الموارد المائية، ومشروع إمدادات مياه المناطق الحضرية في النيجر، ومشروع تكنولوجيا الزراعة الجافة في الكونغو.
ساهمت جهود الصين الفعالة في تعزيز حماية البيئة والحد من تراجع طاقة الإنتاج الزراعي في هذه البلدان. أما بخصوص التعاون التكنولوجي، فقد نفذت الصين سبعة وأربعين مشروعا للتعاون التكنولوجي متعلقة بتغير المناخ في ثلاثة وأربعين بلدا، وحتى الآن تعمل أكثر من ثلاثين مجموعة للتكنولوجيا الزراعية الصينية في البلدان المتلقية للمعونات. وهناك أكثر من ستين فرقة طبية صينية تضم أكثر من ألف وثلاثمائة طبيب يعملون في سبعة وخمسين بلدا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
بالإضافة إلى توفير المواد والمساعدات التكنولوجية، تساعد الصين أيضا البلدان النامية في تدريب الموظفين. فمنذ عام 2006، نظمت الصين مائة وأربعا وثلاثين دورة تدريبية في مجال التعامل مع تغير المناخ، وقدمت الإرشاد والتوجيه إلى ما يقرب من أربعة آلاف مسؤول وفني.
أما برامج التعليم والتدريب فإنها تغطي مجالات واسعة، بما في ذلك تطوير واستخدام الطاقة المتجددة، التكنولوجيا المائية، إدارة الغابات، الوقاية من التصحر ومراقبة الطاقة النظيفة والتدريب على استخدامها. وقد أصبح العديد من المسؤولين الذين شاركوا في التدريبات العمود الفقري في إداراتهم، حيث يقدمون مساهماتهم لمواجهة “تحدي تغير المناخ”.