رؤية تحليلية بمناسبة الذكرى السنوية الــ 64 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين
رسائل موجهة من الرئيس الصينى (شى جين بينغ) لمصر والعالم فى عالم ما بعد (كوفيد-19): نحو تشكيل نظامى (الحوكمة العالمية والحكومة العالمية) و (نظام حضارى دولى جديد) بقيادة الصين
موقع الصين بعيون عربية ـ
الدكتورة نادية حلمي*:
ربما أتت الذكرى السنوية يوم 30 مايو لإقامة العلاقات بين مصر والصين، لزيادة التأكيد على دور الصين لخدمة القضايا الإنسانية الملحة فى مصر والعالم، خاصةً مع بعد حقبة “كوفيد-19“. وكان ذلك متوازياً مع شهدناه فى السنوات الأخيرة من مدى التحول فى كافة مؤسسات الدولة المصرية، والمجتمع المدنى، فضلاً عن المؤسسات الصحفية والإعلامية بالإهتمام بالعلاقات مع الصين التى تعد من أهم الدول فى العالم التى ترتبط مصر معها بعلاقات شراكة إستراتيجية.
ونجد أن التضامن بين مصر والصين زاد للغاية خلال فترة تفشى وباء كورونا، والتى نتج عنها تضامن مصر والرئيس (السيسى) مع الصين من خلال إرسال شحنة مساعدات تقدر بعشرة أطنان من المعدات واللوازم الطبية، ثم إرسال الصين لاحقاً 3 شحنات للجانب المصرى كمساعدات طبية على مراحل، وما تمخض عنه من تأسيس (مصنع الكمامات المصرى – الصينى المشترك) بخبرة مشتركة بين الجانبين خلال شهر مارس الماضى، والذى ينتج بمعدل 5 خطوط أكثر من نصف مليون كمامة يومياً، مع البحث الحالى لإمكانية زيادة تشغيل عدد الخطوط كى تغطى مصر والمنطقة. وهو ما أكده السفير الصينى فى القاهرة (لياو لى تشيانغ) من دعم بلاده الثابت لمكافحة مصر وباء كورونا المستجد “كوفيد-19” بإجراءات عملية تعكس بشكل كامل عمق الصداقة بين البلدين.
وكدليل على عمق المحبة بين مصر والصين، فلقد أطلق “المركز الثقافى الصينى” ومديره الصينى النشيط الدكتور/ صخر (إسمه العربى) وإسمه الصينى “شى يوه وين” بالقاهرة لأغنية جديدة، بعنوان: “يداً بيد”، والتى تؤسس لتدرج مراحل بداية علاقات مصر والصين على مدار الــ 64 عاماً الماضية حتى الآن.
فالتضامن بين مصر والصين، خاصةً بعد أزمة (كوفيد-19)، يؤكد أن الدولتين تشعران بمسؤولية مشتركة لمواجهة التحديات التى تهدد البشرية، ولهما منظور مستقبلى متشابه لمصير العالم. هذه العوامل تمنح البلدين الصديقين فرصاً وفيرة وآفاقاً مستقبلية كبيرة لتعزيز وتوسيع التعاون بينهما، من أجل الدفع قدماً فى تأسيس مجتمع بشرى يسوده (المصير المشترك)، وهو ما يؤكد عليه دوماً الرئيس الصينى “شى جين بينغ“.
وبصفتى أستاذة فى العلوم السياسية، بما أمتلكه من خبرة أكاديمية فى (تحليل مضمون الخطابات السياسية للرئيسين “السيسى” و “شى جين بينغ”). فلقد أمكننى خلال قيامى بأبحاث منشورة سابقاً فى تحليل (أوجه التشابه بين خطابات الرئيسين المصرى والصينى)، ومدى إتفاقهما، خاصةً مع ترحيب الرئيس “السيسى” برؤية نظيره الصينى فى إنشاء نمط جديد من العلاقات الدولية، تهدف إلى بناء مصير مشترك للبشرية سيعود بالمنفعة على كل مصر وكافة بلدان وشعوب العالم، ومن ضمنها بلدان وشعوب الشرق الأوسط. الرئيس وهى تقريباً أهم محاور خطابات الرئيس “السيسى” بعيداً عن الصراع وإعلاءاً لمبدأ التعاون بين الجميع، وهو ما يثبت أن لهما منظور مستقبلى متشابه لمصير العالم.
وربما جاء إختيارى لهذا المدخل للكتابة عن الأسس المعاصرة لعلاقات مصر والصين ما بعد (كوفيد-19)، لأننى واثقة أن جميع الكتابات ستعيد تأكيد تواريخ العلاقات بين مصر والصين، ولكننى آثرت أن أبدأ بــــ (المستقبل)، بحديثى – ربما المختلف – عن خطابات الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى بناء (حوكمة صينية عالمية) تلعب فيها مصر دوراً حتمياً نظراً لموقعها وعمق علاقاتها بالصين من ناحية، فضلاً عن إستضافة مصر لفاعليات منتدى “الحوكمة ورؤية مصر 2030″، تحت رعاية مصرية – صينية مشتركة، وإعتبره الخبراء الصينيين فى حينها أنها تأسيس لــ “منتدى الحوكمة الصينى – المصرى” المشترك، بالتعاون مع “مجلس الوزراء المصرى” خلال زيارة وزير الخارجية الصينى السيد/ وانغ يى إلى القاهرة فى يناير 2020، ومن ناحية أخرى فإن حديث الرئيس “شى” عن (قيادة الصين) من أجل “تطوير حضارات العالم”، فربما هذا الأمر، لا يخلو من “الإيحاء” بوجود “مسئولية مشتركة” مصرية – صينية، بصفتهما أقدم حضارتين فى التاريخ. ومن أجل فهم أعمق للفكرة وتحليلها، فقد عمدت الباحثة المصرية على وضع نقاط (مختصرة وموجزة) حتى يتسنى للجميع قراءة ما بين السطور التالية.
– أولاً: تعميم شكل “الحوكمة الصينية” على العالم لتشكيل نمط “حوكمة عالمية” تديره الصين وفقاً لرؤية الرئيس الصينى “شى جين بينغ”
عند الحديث عن شكل “الحوكمة العالمية” التى تطالب بها الصين، وما يرتبط بها من تشابك وترابط مؤسسات وأجهزة العالم لتشكيل ما يعرف بــ “الحوكمة العالمية“، وإعلان الرئيس الصينى “شى جين بينغ” عن مسئولية الصين صراحةً من أجل “تطوير حضارات العالم وتنوعها” كطرح جديد من قبل الرئيس “شى”، وأعاد تأكيده خلال المؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى فى أكتوبر ٢٠١٧، كبداية لمرحلة دقيقة وبالغة الأهمية لإنجاز بناء أسس مجتمع الحوكمة والحكم الرشيد فى الصين على نحو شامل وفق مبادىء الإشتراكية ذات الخصائص الصينية. وستقوم الباحثة هنا بالتركيز على أهم إنجازات الصين للعالم فى نظام “الحوكمة الصينية”، وإمكانية تعميمها على مصر والعالم ما بعد (كوفيد-19)، وفقاً للأسس التالية:
1) يقوم نظام الحوكمة الصينية والحكم الرشيد على سمات “الإشتراكية ذات الخصاص الصينية“، وتأكيد أهداف الحزب الشيوعى الصينى والحكومة الصينية فى المستقبل، ورفع قدرة الحزب الشيوعى الصينى على إدارة الدولة، وممارسة السلطة على نحو متساوٍ وقانونى، مع التمسك بالتخطيط الموحد للوفاء بحاجة الشعب الصينى إلى حياة أفضل بل ومساعدة العالم.
2) ربطت القيادة الصينية مؤخراً بين “الحكم الرشيد” و “الحفاظ على سلامة البيئة“، وتحسين النظام الإيكولوجى والبيئى، والتسمك بسياسة خارجية مستقلة وسلمية، ودعم “بناء رابطة المصير المشترك للبشرية“.
3) وقدمت الصين وقيادات الحزب الشيوعى الصينى من خلال تبنى نظام الحكم الرشيد والحوكمة للمجتمع الدولى الخبرات حول مكافحة فيروس كورونا الجديد، من خلال إسراع اللجنة المركزية للحزب لفرقة قيادية لمواجهة إنتشار الفيروس. وقد تولى الرئيس الصينى (شى جين بينغ) بنفسه، بإعتباره الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى توجيه أعمال مكافحة فيروس كورونا الجديد بنفسه، مما أسهم فى بناء نظام متكامل للوقاية من الفيروس ومكافحته، مع التركيز على مدينة ووهان مصدر تفشى الوباء، والأماكن الأخرى فى هوبى، ومكافحة الفيروس بشكل شامل ومتعدد المستويات تحت قيادة الحكومة المركزية للحزب الشيوعى والحكومات المحلية، وإتخاذ إجراءات حامسة لدفع أعمال الوقاية من الفيروس ومكافحته بشكل علمى ومنظم ودقيق، وخوض المعركة ضد فيروس كورونا الجديد بمشاركة كل الصينيين.
4) ونجد أن تجربة الصين ملهمة للبشرية، خاصةً إذا ما علمنا بأن الحكومة الصينية تعمل حالياً حول تطوير منصة شبكة الإنترنت الصناعية حول العالم، خاصةً لدول الحزام والطريق، إضافةً إلى تحديث مناطق نموذجية جديدة لتنفيذ إستراتيجية “صنع فى الصين 2025“.
5) ولا يجب أن ننسى إعلان الصين عن (مبادرة الحزام الصحى، والتحول الرقمى الجديد خاصةً فى عالم ما بعد كورونا) لخدمة العالم، وتأكد أهمية تطوير تقنيات وتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى والجيل الخامس من تكنولوجيا المعلومات والإتصالات فى الصين، (بديلاً عن الإحتكار الأمريكى لشركات التكنولوجيا)، مثل: آبل، فيس بوك، مايكروسوفت، وغيرها.
6) وربطت الحكومة الصينية بين إمكانية تحقيق (الحكم الرشيد) و (مبادرة الحزام والطريق) الصينية ومدى تأثيرها حول العالم، حيث وضعت السلطات الصينية عدة محاور لتحقيق سياسات الحكم الرشيد، من أبرزها:
تحقيق الرخاء المشترك، الحد من الفقر وحياة أفضل، وتحقيق التنمية المستدامة، والمصير المشترك للبشرية. وذلك كله من خلال تفعيل مبادرة الحزام والطريق الصينية وتشجيع المزيد من دول العالم على الإنضمام لها.
– ثانياً: ربط الرئيس “شى جين بينغ” بين مبادراته التنموية لخدمة البشرية، وإقتراحه بعمل نظام (حكم عالمى) تتحمل مسئوليته الصين لتطوير حضارات العالم
أعربت الصين عن تحملها لمسئولياتها فى الحفاظ على النظام العالمى على المستوى الدولى، وزاد التأكيد على ذلك الأمر، خاصةً بعد تفشى جائحة كورونا حول العالم.
ومن هنا، يقوم (مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصينى) بدور كبير جداً فى رسم سياسات الدولة الصينية فى (الحكم الرشيد وتعميق الحوكمة) فى المجتمع، والتجربة الأهم هنا هى ما تلعبه مؤسسات الفكر والرأى فى الصين من دور مهم فى الحكم الوطنى، وتشكيل جزءاً من تكوين نظامه، من خلال آلية التفاعل مع نظيرتها الدولية وعمل أبحاث مشتركة ودراسات وخطط تعمق مفهوم الحكم الرشيد الصينى وممارسات الحوكمة الصينية عالمياً.
ومن هنا نجد أن تعميق (التعاون بين مراكز البحوث فى الصين والمجتمع الدولى) شكل طريقة فعالة لدفع تبادل الخبرات الإنمائية بين الجانبين. ومع إيمان العالم الآن، بأن الحكم الرشيد ضرورى للتنمية الإجتماعية، لذا، تسعى الصين لتعزيز التبادلات والتعاون بين مراكز الفكر والرأى الصينية، ومع كافة دول العالم.
وعلى مستوى شفافية الصين فى التعامل مع العالم من خلال تطبيق كفاءة الحكم الرشيد بعد إنتشار فيروس كورونا عالمياً، فلقد تعاملت الإدارات الصينية بكل شفافية ومهنية مع المجتمع الدولى، متيحة كافة البيانات المعنية حول الفيروس والوباء للصينيين، ولكل العالم على قدم المساواة، وبشكل سريع ومفتوح وشفاف ومسؤول، وسعت الصين إلى التعاون مع المجتمع الدولى فى مكافحة الفيروس، وسط إشادة من منظمة الصحة العالمية بأن تجربة الصين فى مكافحة الفيروس نموذجاً تحتذى به الدول الأخرى وتتعلم منه.
وبشكل عام، نجحت سياسات الحوكمة والحكم الرشيد فى الصين فى الإرتقاء بمجالات الإقتصاد والقدرة الدفاعية والقوة الشاملة وحياة الشعب والبيئة والوضع الدولى.
ولعل أكثر ما أدهشنى على المستوى الشخصى كـــ – باحثة مصرية متخصصة فى الشئون الصينية – هو حديث الرئيس الصينى (شى جين بينغ) حول تطوير حضارات العالم كجزء من الحوكمة والحكم الرشيد، بتأكيده بأنه “لا ينبغى لنا أن نكتفى بتنويع حضاراتنا، بل علينا أن نخلق الظروف المؤاتية لتطوير الحضارات الأخرى فى العالم“.
وجعلنى الرئيس (شى) أكثر إنبهاراً وإندهاشاً عند حديثه عن شكل نظامى (الحوكمة العالمية والحكومة العالمية)، وهو نظام تترابط فيه النظم والمؤسسات والحكومات الدولية، وتتبادل البيانات والمعلومات فيما بينها بكل شفافية، ووجه (شى) حديثه للمجتمع الدولى، قائلاً:
“ينبغى لجميع الدول بذل الجهود لتحقيق الحوكمة العالمية بشكل مشترك لتقديم الضمان الهام لإنشاء نظام حضارى دولى جديد. مع إنشاء الحكومة العالمية”.
– ثالثاً: التفاهم ونقاط التلاقى (عملياً) بين حلم الرئيس الصينى (شى جين بينغ) ونظيره المصرى (السيسسى) للربط بين “رؤية مصر 2030″، ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية لتشكيل نظام حكم عالمى جديد مترابط الحضارات تقوده الصين
من خلال التحليل السابق للمفاهيم الصينية السابقة ومغزاها، يمكننا بإيجاز ملاحظة (وضع مصر المميز لدى الصين) لتشكيل ما يعرف بـــ (الأنماط الثلاثة لحلم الرئيس الصينى “شى جين بينغ” وبدعم نظيره المصرى “السيسى“)، من خلال سعى الصين وقيادتها السياسية لأنماط (حوكمة عالمية، نظام حكم عالمى تديره الصين، وترابط حضارات العالم) كمسئولية مشتركة بين مصر والصين معاً، كأقدم حضارتين، من خلال:
1- طرح الجانب المصرى (رسمياً) لـــ (نقاط التلاقى بين رؤية مصر 2030، ومبادرة الصين “الحزام والطريق“)، وذلك خلال إستضافة مصر لفاعليات منتدى “الحوكمة ورؤية مصر 2030″، وذلك يومى الأربعاء والخميس الموافق 8 و 9 يناير 2020، وتمت دعوة الصين للمشاركة، بالتعاون مع “مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار المصرى بمجلس الوزراء المصرى“، مما يدعم الفكرة ويعززها لأنها صادرة عن جهات (رسمية) مصرية.
2- هناك تعاون (قائم بالفعل) بين (مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار المصرى) التابع لمجلس الوزراء، مع “السفارة الصينية” بالقاهرة و “مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصينى” لدراسة رؤية وخطط وخبرات الصين فى مجال “الحوكمة”، ثم القفز عليها لتشكيل “نمط حكم عالمى“، قريب الصلة من الفكرين المصرى والصينى.
3- ولعل حرص وزير الخارجية الصينى شخصياً السيد/ وانغ يى والسفير الصينى بالقاهرة (لياو لى تشيانغ) على تمثيل الصين (رسمياً) فى منتدى للحوكمة تستضيفه القاهرة بشكل رسمى، يعكس أنها قد تكون إمتداد لــ “سياسة ثابتة” مصرية – صينية مشتركة خلال الفترة المقبلة. وما يؤكد هذا الطرح، هو تركيز السفير الصينى بالقاهرة السيد/ (لياو لى تشيانغ) فى خطابه بأن: “تبادل خبرات الحوكمة يعد نتاج لإتفاق الشراكة الإستراتيجية بين الرئيسين المصرى “عبد الفتاح السيسى” والصينى “شى جين بينغ“.
4- وما لم يلحظه ويكتب عنه أحد بإستفاضة فى حينها ممن حضروا وأسهموا فى وضع أسس تبادل الخبرات فى مجال الحوكمة بين مصر والصين، هو (تحليل مضمون دقيق لعبارات خطاب السفير الصينى “لياو لى تشيانغ“) والذى ربط صراحةً بين (جغرافية مصر وموقعها وتذكيره بإتفاق الرئيس “السيسى” مع نظيره الصينى “شى”)، وذلك حين تحدث سفير الصين بالقاهرة خلاله خطابه حول موقع مصر عند ملتقى قارات العالم، معيداً (تذكير الحاضرين) بأنه العام الماضى – يقصد عام 2018 – فقد “أكد الرئيس السيسى حرفياً على ضرورة تعزيز التلاحم بين رؤية مصر 2030 ومبادرة الحزام والطريق، وهو ما يتم الآن بالفعل“. وفقاً لنص الترجمة الحرفى للسفير الصينى بالقاهرة.
5- وربما كانت (أخطر وأهم نقطة لفتت نظرى شخصياً فى خطاب السفير الصينى) أمام منتدى (الحوكمة الصينى – المصرى) فى القاهرة، هو حديثه المقصود بأن “المنتدى يعزز أهداف كلا ًمن الحزب الشيوعى الصينى، والسلطات المصرية بقيادة الرئيس (السيسى) والمتمثلة فى خدمة الشعب. وفقاً لنص الترجمة الحرفى لخطاب السفير الصينى بالقاهرة.
6- وربما المتأمل فى خطاب السفير/ لياو لى تشيانغ، سيتأكد حتماً من صحة بل و “دقة طرح السفير الصينى“، خاصةً حينما لفت نظر المشاركين فى المنتدى خلال خطابه أمامهم إلى أن (الحزب الشيوعى الصينى طرح سلسلة من المفاهيم والإستراتيجيات الجديدة التى تصب فى مصلحة الشعب وخدمته. فضلاً عن أن الرئيس الصينى “شى جين بينغ” طرح إستراتيجية للحفاظ على السلام العالمى والفوز المشترك). وفقاً لنص الترجمة الحرفى لخطاب السفير الصينى بالقاهرة.
تحليلى الشخصى لأهم جوانب خطاب السفير الصينى أمام منتدى الحوكمة بالقاهرة يناير 2020
تأتى أهمية إثارة هذه النقاط بالذات للسفير الصينى بالقاهرة – من وجهة نظر الباحثة المصرية التحليلية كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى – وذلك فى “خطاب رسمى”، من أجل تحقيق سلسلة من الأهداف التالية:
1) حرص الخطاب فى معظم جوانبه على تأكيد دور الحزب، هو إعادة لتأكيد جهود (الحزب الشيوعى الصينى الحاكم)، ويطرحه كــ “حزب عالمى” قادر مع قياداته وأعضاء مكتبه السياسى ولجنته المركزية بالصين، وعلى رأسهم الرئيس “شى جين بينغ” بإعتباره الأمين العام للحزب، على طرح “وجهة نظر عالمية” و “سياسة عالمية” تقود الصين فى النهاية نحو إقناع شركائها وأصدقائها حول العالم من أجل تشكيل (نمط حوكمة عالمى يعزز ويخدم مبادراتها التنموية ويقود الصين فى النهاية لتكريس نمط حكم عالمى جديد يمكنها من إعادة الترابط بين حضارات العالم رغم تنوعها).
2) كما أنه – لمن لا يفهم جيداً الأمور داخل الصين – فإن النخب السياسية فى الصين أصبحت تتنافس فى تحصيل نتائج ملموسة فى الإرتقاء بالحوكمة الصينية، وما يرتبط بها من آليات محاربة الفقر لأنها (السبيل الوحيد للترقية الحزبية)، وبالتالى تقلد مناصب قيادية داخل هياكل الدولة والحزب الشيوعى فى الصين. ومن هنا، فإن نمط الحكم الداخلى ذاته فى الصين يشجع على (إفراز قيادات حزبية جادة) لخدمة أهداف الحوكمة الصينية عالمياً، بما يمكنها فى النهاية من فكرة القيادة حول العالم بأسس وأنماط صينية جديدة.
3) وربما جاءت (جائحة كورونا) حول العالم، فرصة (لإعادة التذكير) بأهمية هذا الطرح السابق، مع ربط كافة مبادرات الصين التنموية لخدمة البشرية تحت قيادتها و (بتوجيه قيادات الحزب الشيوعى الحاكم) بالأساس. وتحمل مبادرة (طريق الحرير الصحى) كإمتداد لمبادرة (الحزام والطريق) أيضاً الدلالات بأن الصين وقيادات “الحزب الشيوعى الحاكم“، قادرة بل ومهيئة الآن على تحقيق (المصير المشترك للبشرية) وفقاً لرؤية الرئيس (شى جين بينغ) رغم التشكيك الأمريكى فى ذلك، وهو ما دفع المسئولين الصينيين ووسائل الإعلام والصحافة الرسمية فى الصين لوصف “الساسة الأمريكان بالفيروسات السياسية“، فى إشارة إلى محاولتهم الوقيعة بين البلدين. وهو ما كتبت بشأنه (مقالة عالمية) نشرتها بالإنجليزية – حصدت أكثر المقالات قراءةً وشعبية – فى مجلة “ديبلوماتيست” الهندية، لشرح وجهة نظر الصين أمام واشنطن والعالم.
Diplomatist
4) وهذه النقطة السابقة بالأساس، تؤكد حرص القيادة الصينية دوماً فى خطاباتها السياسية بإعتبارها فرصة ثمينة لتذكير أبناء الشعب الصينى والمجتمع الدولى بأهم إنجازات (الحزب الشيوعى الصينى) خلال الفترة السابقة، فقد ذكر الرئيس الصينى (شى جين بينغ) فى (أحدث خطاباته السياسية) أمام قيادات الحزب الشيوعى بعد نجاح جهود وتوجيهات الحزب فى السيطرة على وباء (كوفيد-19) بأن: “الإنخفاض الأخير فى الإصابات “أظهر مرة أخرى المزايا البارزة لقيادة الحزب الشيوعى الصينى، ونظام الإشتراكية ذات الخصائص الصينية“.
5) وبحكم قربى من المجتمع الأكاديمى الصينى، وحرصى الدائم على التواصل معهم نتيجة لتخصصى فى الشأن السياسى الصينى، مكننى ذلك من إستنتاج وتحليل بل وتفهم أسباب إهتمام عدد من مراكز الفكر الصينية والباحثين الصينيين الآن ما بعد أزمة (كوفيد-19) لرسم ملامح شكل (نظام الحكم العالمى الجديد مترابط الحضارات بقيادة الصين)، كأهم ما يشغل بال (مراكز الفكر الصينية) الآن، لإعتماد القيادة الصينية عليها فى وضع خطط مدروسة، بإشراف الخبراء الصينيين كل فى مجاله وتخصصه الدقيق للنهوض بالصين. ويأتى على رأسها (مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصينى) أى لمجلس الوزراء، والذى شارك بصفته “الرسمية” مع السفارة الصينية بالقاهرة فى “منتدى الحوكمة فى القاهرة يناير 2020″ كما شرحت فى السابق، وما يقوم به من دور محورى فى توجيه القيادة الصينية والحزب الشيوعى الحاكم برسم سياسات الدولة الصينية فى الداخل والخارج. ولعل ذلك، يفسر سبب حضور ممثلى “مركز التنمية الصينى” لمنتدى الحوكمة السابق فى القاهرة لطرح وجهة نظر الصين (الرسمية) كمرحلة تمهيدية لحشد العالم – وعلى رأسهم أصدقاء الصين – لرؤية وسياسة الصين المستقبلية، نحو إقامة ما يعرف بـــ (نمط حوكمة عالمية، يقود لحكم عالمى تتمحور حوله الصين، ويخلق عالم مترابط الحضارات تحت مسئولية وقيادة الصين).
6) ويبقى لدى التحليل النهائى حتى تتضح لكم الصورة والرؤية كاملة، وهو أننى وكما أعتقد تحليلياً فور إنتشار الجائحة حول العالم، وربما يتفق معى الكثيرون الآن – بما فيهم الباحثين والخبراء الأمريكان والأجانب فى الشئون الصينية حول العالم– بأن (عالم ما بعد كورونا ليس كما قبله، فنحن الآن نعيش (فعلياً) فى مرحلة (إنفصام) ما بين عالمين مختلفين: “عالم ما قبل كورونا” و “عالم ما بعد كورونا”)، وفى إنتظار من سيقود العالم فى النهاية، بعد تيقن البعض من “إستحالة خلق نمط تعاونى بين القوتين العظمتين الصين والولايات المتحدة لخدمة البشرية” معاً، بعدما تأكد الجميع من رفض واشنطن للتعاون مع الصين، والتفرغ لتشويه صورتها وصورة قيادات الحزب الشيوعى الحاكم، وكأنها “حرب أيديولوجية” صريحة، مع إستمرار إتهام “مايك بومبيو” وزير الخارجية الأمريكى، و “مارك أسبر” وزير الدفاع الأمريكى لــ “سياسات الحزب الشيوعى الصينى” – وليس للحكومة أو السلطات أو القيادة الصينية – صراحةً كمسئوليتها عن الوباء، وهى (سابقة خطيرة فى تاريخ العلاقات الدولية بين الجانبين كسياسة أمريكية مقصودة) لأنها صادرة من وزراء ومسئولين حاليين فى إدارة “ترامب” لتشويه صورة الحزب الشيوعى الصينى، لأن الحديث الآن فى أمريكا يدار “أيديولوجياً” من وراء الكواليس لشحن العالم ضد سياسات الحزب الشيوعى الصينى بالأساس.
ومن خلال العرض التحليلى السابق للباحثة المصرية، يمكننا إستنتاج والتوصل إلى أن الرئيس الصينى (شى جين بينغ) قد أستطاع أن يؤثر على العالم من خلال ربط مبادراته التنموية لخدمة البشرية، وإقتراحه بعمل نظام حكم عالمى، يتعاون فيه الجميع بكل شفافية. مع إهتمام القيادة الصينية فى الوقت ذاته بحضارات العالم وترابطها، من خلال ربط الحاضر بالمستقبل من أجل تسريع إرتباط العالم وفق “رؤية صينية تنموية” تهدف لخدمة البشرية وفق نظام دولى متعدد، وهذا وإن دل، فإنه يعمق قدرة الصين ورئيسها “شى” على قيادة الصين عالمياً، وقيادة المجتمع الدولى وترابطه والتأثير عليه، لتحسين إدارة نظمه ومؤسساته بكل فعالية خاصةً ما بعد عالم (كوفيد-19).
*أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- مصر. خبيرة فى الشئون السياسية الصينية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا