الصين وأمريكا وفيروس كورونا
موقع الصين بعيون عربية ـ
أحمد سلّام*:
إذا كان هناك ثمة أخطاء قد وقعت في الصين، كما في كل دولة، في الاستجابة الأولية لفيروس كورونا، إلا أن استجابة الصين الشاملة – بشهادة دول العالم ومنظماته – كانت أكثر فعالية من معظم البلدان، مع تطبيق الحجر الصحي على المسافرين بين مدنها وفرض ارتداء الكمامات على نطاق واسع في البلاد، وانتهاج نظام الفحص والتتبع وجمع كم هائل من البيانات، الأمر الذي جعلها تنجح بدرجة كبيرة في السيطرة على المرض بوصولها إلى “صفر” إصابات ووفيات.
على الجانب المقابل، استغرقت الإدارة الأمريكية، أكثر من أسبوع للاستجابة لمواجهة فيروس كورونا، حتى بعد أن علمت بالفعل أن الفيروس يمثل تهديدًا. فقد تم إبلاغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قبل مسؤولي الصحة حول فيروس كورونا الجديد في 18 يناير الماضي، وأصدرت وكالات المخابرات الأمريكية تحذيرات بشأن الفيروس في أكثر من اثني عشر إحاطة سرية أعدت للرئيس ترامب في يناير وفبراير، وحتى في شهر مارس، كان ترامب يقارن فيروس كورونا بالإنفلونزا.
وفي 23 إبريل الماضي نشرت جريدة (نيويورك تايمز) الأمريكية مقالًا بعنوان “البؤر الخفية لتفشي المرض انتشرت عبر المدن الأمريكية في وقت أبكر بكثير مما عرفه الأمريكيون”، جاء فيه أنه بحلول الوقت الذي أكدت فيه مدينة نيويورك أول حالة فيها لفيروس كورونا، في الأول من مارس، كان هناك الآلاف من الإصابات تنتشر بالفعل بصمت عبر المدينة. وأشار المقال أيضًا إلى أن البؤر الخفية كانت منتشرة أيضًا بشكل شبه كامل في بوسطن وسان فرانسيسكو وشيكاغو وسياتل، قبل وقت طويل من إظهار الاختبار أن كل مدينة لديها مشكلة كبيرة، وفقًا لنموذج انتشار المرض من قبل الباحثين في جامعة نورث إيسترن الذين شاركوا نتائجهم مع (نيويورك تايمز). وقالت إن هناك دلائل أخرى على أن التفشي كان أسوأ في وقت سابق مما كان معروفًا من قبل.
هذا الخطأ في التقدير من جانب الادارة الامريكية، كانت له نتائجة الوخيمة على الأمريكيين، إذ تفشى المرض الناجم عن فيروس كورونا في طول البلاد وعرضها، وأصاب واشنطن بخسائر بشرية فادحة. حيث تشير أحدث الأرقام والإحصائيات حتى اخر مايو 2020 إلى تسجيل 1.760.740 إصابة، و103.472 حالة وفاة طبقًا لتقديرات وكالة فرانس برس.
وعندما بدأ انتشار الفيروس في دول عديدة، بادرت الصين بتقديم المساعدات لتلك الدول، ومنها مصر، وتعزيز تعاونها مع منظمة الصحة العالمية، في حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مساء التاسع والعشرين من مايو قطع علاقة بلاده مع المنظمة. والأكثر من ذلك، سعى الرئيس دونالد ترامب إلى إجراء تخفيضات كبيرة في تمويل بلاده للوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، في ضوء التخفيضات التي اقترحها على الإنفاق على المساعدات الخارجية خلال هذا العام، وهو ما قد يدفع الأمم المتحدة إلى إجراء تغييرات كبيرة، خاصة وأن الولايات المتحدة مسؤولة عن جزء كبير من ميزانيات العديد من الوكالات التابعة للمنظمة الدولية. فبالنسبة للعديد منها، وخاصة تلك التي تعتمد على التمويل الطوعي، يمكن أن تكون التخفيضات في مساهمات الولايات المتحدة مؤلمة للغاية.
لقد صرح ترامب بأن “الولايات المتحدة تبحث عن سبل لجعل الصين تدفع ثمن الجائحة وتجري “تحقيقات جادة”. ولكن خبراء قانونيين عالميين يرون أن الدعاوى القضائية ضد الصين هي “لتغطية أخطاء الحكومة الأمريكية”، ويخدم هذا الإدعاء هدفًا سياسيًا للزعماء الجمهوريين الذين يواجهون انتخابات في نوفمبر المقبل، إذ ينبغي أن يقوم الإدعاء على حقائق وليس على اتهامات من جانب واحد وغير منطقية من جانب وسائل إعلام وأفراد. وحسب أستاذ القانون الزائر بجامعة واشنطن في سانت لويس، دافيد فيدلر، تبدو قضية مسؤولية الصين عن تداعيات (كوفيد – 19) أقل ارتباطًا بالقانون الدولي من طريقة تشكيل التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين سياسات هذا الوباء. وتقول أستاذة القانون الدولي بجامعة كاليفورنيا، شيمين كيتنر: “لا أرى أي جزء من هذه الدعوى، بوضعها الحالي، يمكن أن ينجح بموجب القانون”. قانون الحصانات السيادية الأجنبية يحظر الدعاوى القضائية ضد الدول الأجنبية مع بعض الاستثناءات القليلة، والتي لا تنطبق هنا. وحول ادعاءات المسؤولين الأمريكيين بمقاضاة الصين، يقول أستاذ القانون بجامعة جورجتاون، دافيد ستيوارت: “كل هؤلاء الناس الذين يزعمون أن الصين يجب أن تُقاضى، ينبغي لهم أن ينظروا فوق أكتافهم ويقولوا: “انتظروا لحظة، هل يمكن مقاضاتنا؟”. بينما يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة تافتس، جويل تراكتمان: “إذا كان ممكنًا مقاضاة الحكومة الصينية عن ذلك، لست متأكدًا من سبب عدم مقاضاة الولايات المتحدة عن الحرب في العراق والاحتباس الحراري”.
وقد ردت الصين بقوة وحزم على محاولة واشنطن إيجاد طريق لمقاضاتها واتهامها بالتسبب في نشر جائحة كورونا، وهو ما جاء على لسان عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في 24 مايو، خلال مؤتمر صحفي على هامش الدورة التشريعية الوطنية السنوية الصينية، بتأكيده أن الدعاوى القضائية العبثية ضد الصين بشأن مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) ليست سوى دعاوى ضعيفة السند، ولا تقوم على أساس واقعي أو سابقة قانونية أو دولية. مشيرًا إلى أن الصين، على نحو مسؤول، كانت أول دولة تبلغ منظمة الصحة العالمية عن وقوع إصابات بالمرض، وأنها شاركت على الفور المعلومات الخاصة بالمرض مع الدول والمناطق المعنية، مضيفًا أن الصين كانت أولى الدول في التوصل إلى التسلسل الجينومي للفيروس ومشاركته مع العالم، كما كانت أولى الدول في نشر الإرشادات الخاصة بعلاج المرض واحتوائه.
إن محاولة ترامب والسياسيين الأمريكيين إثبات أن الصين كان بإمكانها أو كان يجب أن تعرف منذ اليوم الأول أن حالات الالتهاب الرئوي هذه تأتي بالفعل من فيروس جديد، أو أنه كان يجب أن تعرف أن الفيروس ينتشر من خلال أنفاس من يبدو أنهم أصحاء، وأنها كان ينبغي أن تتمكن من تتبع كل حالة من حالات الفيروس، أمر يدعو إلى التعجب.
لقد أثبتت أزمة تفشي وباء كورونا أن العالم في حاجة إلى التضامن أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذا التهديد غير المسبوق الذي لا يستثني أحدًا، وهو ما نادت به الصين في غير مناسبة، فيما بحثت الولايات المتحدة – ولا تزال – عن طرف تلقي عليه باللائمة، وهو خيار خاسر بكل تأكيد.
*المستشار الإعلامي المصري السابق والخبير في الشأن الصيني