المؤتمر الاستثنائي للحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية: فرصة لاستكمال بناء عالم أفضل
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمود ريا:
يأتي انعقاد المؤتمر الاستثنائي للحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية ليشكل محطة في سلسلة الحوارات الدائمة بين الجانبين الصيني والعربي على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال.
وأهمية انعقاد مؤتمر للأحزاب بين الأمتين أنه ينقل الحوار والتبادل من المستوى الرسمي والحكومي إلى مستوى المؤسسات المدنية والحزبية ويعمق العلاقات بين مختلف الأطر والمجموعات ويخلق حالة من التفاعل الحقيقي بين مكونات المجتمع في كلا الجانبين.
وتظهر أهمية هذا المؤتمر في توجيه الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية السيد شي جينبينغ رسالة تهنئة خاصة إلى المؤتمر ضمّنها الكثير من معاني الارتياح لهذا الحوار الحزبي الصيني العربي، والأمل في أن ينجح في مهمته الموكلة إليه، معبراً عن “حرص الحزب الشيوعي الصيني على العمل مع أحزاب الدول العربية على تفعيل دور هذا المنبر لمواصلة تعزيز التنسيق الاستراتيجي، وتعميق تبادل تجربة الحكم والإدارة في ظل استمرار الاجراءات الاحترازية، وتبادل الاحترام، والتعلم والاستفادة من بعضهما البعض، وبذل جهود دؤوبة لإقامة مجتمع المستقبل المشترك للصين والدول العربية في العصر الجديد، وتحقيق النهضة العظيمة للأمتين الصينية والعربية”.
كما حشدت الصين عدداً كبيراً من كبار المسؤولين لحضور المؤتمر الافتراضي، ما يدل على الأهمية الكبيرة التي توليها القيادة الصينية للعلاقات الصينية العربية، وللحوار الحزبي المنتج والمفيد والذي يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة لهذه العلاقات.
ومثلما عبّر الجانب الصيني عن اهتمامه الكبير بالمؤتمر جاء حديث خمسة من القادة العرب إلى المؤتمرين، بينهم ثلاثة رؤساء دول، ليؤكد على جدية تعامل الجانب العربي مع هذا المؤتمر وحرص المسؤولين فيه على إعطائه موقعاً أساسياً في عملية إدارة الحوار العربي الصيني والتقدم به نحو تحقيق مصالح الأمتين وتعزيز نهضتهما.
لقد شاركتُ شخصياً في المؤتمر السابق للحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية الذي انعقد في مدينة هانغتشو في خريف عام 2018، ولاحظت في مداخلات الجانبين الصيني والعربي الجدية في وضع أسس بناء مستقبل مشترك للجانبين ينطلق من دعوة القيادة الصينية وفي مقدمها الرئيس شي جينبينغ لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. واليوم تتابع هذه الدورة الاستثنائية للمؤتمر السعي في هذا الاتجاه من خلال مشاركة العشرات من القادة الحزبيين العرب في المؤتمر الافتراضي والكلمات التي ألقوها والتي تحث على تعزيز التعاون العربي الصيني في مختلف المجالات، ما يخلق حالة تفاعل وتواصل كبيرة بين مختلف القطاعات المجتمعية العربية والصينية، ولا سيما الأحزاب التي تلعب دوراً هاماً في المجتمعات العربية، فضلاً عن الدور القائد والريادي الذي يقوم به الحزب الشيوعي في الصين.
ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظل تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد ـ 19) في العالم ليمثل فرصة نادرة لإظهار حجم التعاون والعمل المشترك الصيني العربي في مكافحة هذا الوباء، وهذا ما أشار إليه الرئيس الصيني في رسالة التهنئة التي وجهها للمؤتمر حيث أكد على حرص “الجانب الصيني على تعزيز التضامن والتعاون مع المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية الغفيرة لدعم توظيف الدور القيادي لمنظمة الصحة العالمية، والمساهمة بجهود مشتركة في إقامة مجتمع الصحة المشتركة للبشرية”.
وبالفعل، فإن التعاون العربي الصيني في مواجهة الوباء يشكل نموذجاً يُحتذى عالمياً، ففي فترة مبكرة جداً قدمت العديد من الدول العربية مساعدات أولية ورمزية للصين، عبّرت من خلالها عن تضامنها مع الشعب الصيني الذي عانى في البداية من أزمة الفيروس، وجاء رد الجميل الصيني مميزأ وفعّالآ ومفيداً حيث انطلقت الطائرات الصينية إلى أرجاء العالم العربي ناقلة المساعدات الطبية وفرق الخبراء المهتمين بتقديم النصائح ونقل التجارب في كيفية مكافحة الفيروس. لقد تعاملت الصين مع الاندفاع العربي للتعاطف معها في أزمة فيروس كورونا المستجد على قاعدة المثل المعروف في اليلاد العربية: “من رآك بعين واحدة عليك أن تراه بعينين اثنتين”.
ما زال المؤتمر مستمراً، وبانتظار التوصيات التي ستصدر عنه في ختام انعقاده، أستذكر الآن التوصيات التي صدرت عن المؤتمر السابق، والذي انعقد تحت عنوان: “يداً بيد لبناء عالم أفضل”، ويمكن تلخيص هذه التوصيات في البنود التالية:
“ـ أهمية العلاقات العربية الصينية الضاربة جذورها في التاريخ، وهي تشهد تطوراً كبيراً.. وعلى الجانبين انتهاز الفرصة السانحة لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة ودعم المصالح الجوهرية للجانب الآخر بثبات والتمسك بتعددية الأطراف..
ـ تثمين الأحزاب العربية لمبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني شي جينبينغ وإبداء حرصها على العمل مع الحزب الشيوعي الصيني على تعزيز التنسيق السياسي وتفاهم الشعوب وتفعيل التعاون في مختلف المجالات على أساس روح السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل..
ـ التأكيد على أنه لا يوجد في العالم نمط تنموي ينطبق على كل الدول، وعلى كل دولة تحقيق التنمية على أساس ظروفها الخاصة.. ومن هنا يتفهم الجانب الصيني ويحترم الجهود الحثيثة لأحزاب الدول العربية في استكشاف الطريق التنموي المتفق مع ظروفها الخاصة، بينما تعرب أحزاب الدول العربية عن إعجابها بما يحققه الشعب الصيني من المنجزات في ظل قيادة الحزب الشيوعي الصيني..
ـ تمثل الأحزاب السياسية مصدراً لاتخاذ القرار.. ومن المفترض أن تلعب دوراً رائدا في توجيه دفع جهود بناء مصير مشترك للبشرية..
ـ التأكيد على العمل يداً بيد لبناء علاقات حزبية من نمط جديد بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية والتي تقوم على مبادئ إيجاد الأرضية المشتركة مع ترك الخلاقات جانباً والاحترام المتبادل والاستفادة المتبادلة..
ـ دعوة جميع الدول إلى التقيد بالمبادئ الرئيسية للعلاقات الدولية القائمة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والالتزام بتبادل الاحترام للسيادة وسلامة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي. وتدعم أحزاب الدول العربية بثبات مواقف الصين من قضية تايوان وقضايا تتعلق بالتيبت وشينجيانغ وحقوق الإنسان وبحر الصين الجنوبي وغيرها، بينما يدعم الجانب الصيني حل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط سياسيا.. ويؤيد القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية الشرعية وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة..
ـ وفي الختام سجل المؤتمرون رضاهم بنتائج المؤتمر واستعدادهم لمواصلة الجهود في تعميق التواصل والتعاون بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية بما يسهم بشكل أكبر في دفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى الأمام باستمرار.”
واليوم ينتظر العرب من المؤتمر التأكيد على أهمية هذه التوصيات والعمل معاً على تنفيذ المزيد من الخطوات الهادفة إلى تعزيز العلاقات العربة الصينية في مختلف المجالات، لأن هذه العلاقات حيوية جداً في تحسين الواقع العربي الذي يعاني من الكثير من المشاكل والأزمات.. وعند الضيق يتطلع الإنسان دائماً إلى الصديق.