الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني: قرارات مصيرية وشجاعة في ظرف استثنائي
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق*:
انعقدت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني في السادس من هذا الشهر، تمَّ استخدام تقنية الاجتماع الافتراضي نظرا للوضع الصحي العالمي غير المستقر الذي سبّبته جائحة كورونا.
لقد كان اجتماعا مثمرا وغنيا بالقرارات والمواقف، فقد اعتمدت الاطراف المشاركة بالاضافة الى جامعة الدول العربية الوثائق التالية “إعلان عمّان” و”البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني 2020 – 2022″، و”البيان المشترك لتضامن الصين والدول العربية في مكافحة الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا المستجد”. تطرقت هذه الدورة إلى قضايا أمنية وسياسية وصحية تهم الطرفين؛ إنَّ “إعلان عمّان” هو بمثابة الصوت الصارخ بوجه الاعتداءات الاسرائيلية التي لا تتوقف بحق سيادة فلسطين، لذا إنَّ “إعلان عمّان” هو رفض عربي – صيني رسمي لمحاولة إسرائيل ضم أي جزء آخر من الاراضي الفلسطينية ورفض لسياسات إسرائيل العدائية بحق الشعب الفلسطيني. تندرج هذه الوثيقة في العمل الصيني الرسمي الحثيث والدؤوب بهدف تحقيق السلام والأمن الدوليين (وهو الهدف الأسمى الذي تتغنى به الدول الحيادية والمنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة)، إنَّ “إعلان عمّان” لا يمكن تصنيفه على أنه انحياز صيني إلى جانب العرب، فالصين تتبع سياسة عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى وتحترم سيادة شركائها الدوليين، دون أن نغفل عن أن إسرائيل هي شريك اقتصادي وتجاري ضخم للصين في غرب آسيا.
لذا إنَّ “إعلان عمّان”، هي أداة سياسية صينية لوقف الاعتداءات الاسرائيلية ووضع حد لها. في هذا الاطار أستذكر القضية السودانية، ففي الوقت الذي قاطع فيه العالم حكومة الرئيس عمر البشير وتمّ تصنيفه بالارهابي لم تفك الصين ارتباطاتها معه، لا بل كانت هي العامل الابرز في صنع السلام في السودان ووقف التقاتل، البعض وصف تلك الحادثة بالتدخل الصيني المباشر بالشؤون السودانية الداخلية، إلا أنَّ هذا التدخل كان لمصلحة وخير الشعب السوداني وخدمة للسلام والأمن الدوليين، كذلك الأمر في قضية الصراع العربي – الاسرائيلي، فالصين تضغط وترفع من نبرتها من أجل التخفيف من حدّة الخلاف وليس العكس. مثال آخر أيضا، عندما صنّفت الكثير من المجموعات الدولية ميانمار (بورما سابقا) بالدولة الارهابية وأنها تقوم بإبادة بحق المسلمين، كانت الصين تقوم بجهود حثيثة وتكاد تكون الفاعل الدولي الاوحد من أجل صنع السلام وتقريب وجهات النظر وخلق جو من تقبل الآخر في نفس المجتمع، لذا “إعلان عمّان” هو نيشان جديد يمنح للصين على صدر الأمن والسلام الدوليين. إنَّ الوفد الصيني أكد على حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، إن الصين هي نصير الشعوب المظلومة والمستضعة، فعلى الرغم من أن الصين هي حليفة الحكم في سوريا إلا أنها لم تتوقف يوما عن الوقوف إلى جانب الشعب السوري بتقرير المصير والحرية والكرامة الانسانية. من هذا المنطلق إن الدبلوماسية الصينية لم تعمل يوما بخلاف مبادئها، فجمهورية الصين الشعبية كانت وستظل إلى جانب الشعوب المظلومة والشعب الفلسطيني هو أولوية بالنسبة للصينيين.
سياسيا فقد دعت الصين إلى تعزيز العلاقات الصينية العربية ودفعها إلى الأمام واستخدام الوسائل المشروعة كافة لتطوير هذه العلاقة، إن المنطقة العربية ليست بالهامشية بالنسبة للصينيين، أولا بسبب الاعتماد الصيني الكبير على النفط العربي والموارد الطبيعية الأخرى، ثانيا بسبب السوق الهام والضخم في تصريف البضائع الصينية، أود أن أذكر هنا أن الموقع الجغرافي المتميز للمنطقة العربية هو بمثابة صلة وصل تجارية واقتصادية بين الشرق والغرب، إنَّ المنطقة العربية تسهم بفتح أسواق تجارية جديدة للصين في العالم، وهذه المنطقة هي في طور التحول إلى القلب المحور للتجارة الصينية، بغض النظر عن عقبة الوجود العسكري الامريكي في المنطقة. ثالثا، إن الدول العربية هي شريك سياسي هام للحكومة الصينية وداعم أساسي “للصين الواحدة والموحّدة” في المحافل الدولية؛ أود التطرق هنا إلى قضية شينجيانغ، لقد سعى الإعلام الغربي وغيره من الإعلام المناوئ للصين بالترويج لبروباغاندا ضخمة “تهدف إلى تشويه صورة الحكومة الصينية وتصويرها بأنها ضد الاسلام والمسلمين في الصين”، تقود الولايات المتحدة الاميركية هذه الحملة بالدفاع عن حقوق المسلمين كما تزعم، المفارقة أن للولايات المتحدة تاريخاً أسود ودموياً ضد الشعوب العربية والمسلمة في كل مكان، وقد قام النظام الاميركي بأبشع الجرائم بحق المسلمين، إنها سياسة الصيف والشتاء تحت سقف واحد. المفاجأة هي أن الحكومات العربية مجتمعة لم تنصاع لهذه اللعبة الوسخة لا بل ازدادت متانة العلاقات الصينية العربية والسواد الأعظم من الشعوب العربية لم يكن في موقع الراضخ للحملات الغربية بحق الحكومة الصينية، هذا الموقف قد شكّل صدمة لدى الغرب وكل من يضمر العداء للصين. لقد نجحت القوة الناعمة الصينية بوجه الآلة العسكرية والجشع الغربي، إنَّ الشعوب المستضعفة وشعوب العالم الثالث طالما كانت بانتظار شريك كالصين، ليقدم نموذجا مختلفا عن القوى العظمى الأخرى التي حكمت العالم عبر التاريخ، إن تلك القوى بدون استثناء قد استخدمت نهج الهيمنة والتسلط والقوة والحديد والنار، مما خلق نقمة لن تندمل عبر الزمن. هل من المعقول أن ينسى الشعب الجزائري ثورة المليون شهيد؟ وهل قد تنسى الشعوب الافريقية استعبادها ومعاملتها على أساس الدونية؟ أو غدر الغربيين بالعرب منذ اتفاقية سايكس بيكو وما رافقها من احتلال صهيوني وحروب على النفط وغيرها؟
إنَّ للمنطقة العربية دوراَ بارزاً في مبادرة الحزام والطريق “الحزام الاقتصادي والطريق البحري”، نظراَ للموقع الاستراتيجي الهام للمنطقة العربية الرابط ما بين اوراسيا وأوروبا المتوسطية وأفريقيا، بالاضافة إلى الممرات البحرية التي تشكل جزءا من مخطط المبادرة. إن الموارد الطبيعية العربية هي بمثابة المحرك لهذه المبادرة، فالاستهلاك الصيني للموارد الطبيعية العربية سيزداد بشكل هائل مع العمل بهذه المبادرة، وهذا ما يؤكد عليه المسؤولون الصينيون. إن المجتمعين قد أشادوا بالجهود الصينية المبذولة بهدف تمتين أواصر الشراكة العربية الصينية والتي تدعم تقدم أعمال مبادرة الحزام والطريق.
وفي ما خص الوضع العربي والاقليمي المشرذم، فقد دعت الصين بتأييد الحضور العرب لدعم خطاب الحوار والسلام والاحتكام إلى القرارات والاتفاقيات الدولية من أجل إنهاء الصراعات وخلق جو من الهدوء والاستقرار. إنَّ الصين هي من دعاة السلام والحوار كونها شريكاً اقتصادياً للدول والحكومات العربية، وليست بوارد أن تكون مصنع سلاح دولي أو مروّجاً للحروب والفتن من أجل إقامة صفقات تسليح؛ على العكس إن الصين رافضة بشكل مطلق للحروب ولاستخدام الأسلحة، وهذا ما لا يصب بمصلحة خصوم الصين خلف البحار. كما أن الصين أكدت على أنها ستكون الحامي لوحدة وسيادة الدول العربية، فلا تقسيم في اليمن أو سوريا أو ليبيا وغيرها.
كما أكّد المجتمعون اعتماد البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني 2020 – 2022 الذي يعزز من الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعرب ويصب بالمصلحة الاقتصادية والسياسية المشتركة. بالمقابل إنَّ الدول العربية كانت وستظل داعما لسيادة ووحدة الارض الصينية ورافضة لإقامة علاقات مع تايوان ومنددة بالجماعات الانفصالية الدينية والقومية. ويؤكد العرب دوما على مبدأ دولة واحدة ذات نظامين الذي تتبعه الصين في هونغ كونغ، ويتفق الجانبان على دعم وحماية الاقليات في المنطقة العربية والصين. وفي هذا الاطار دعا الجانب الصيني المسؤولين العرب إلى زيارة إقليم شينجيانغ لتفقده عن قرب وللتعرف على السياسة الصينية المتبعة في تلك المنطقة، بحيث يتم منح الكثير من الامتيازات للاقليات المسلمة وغيرها من الاقليات في الصين، إضافة إلى حرية ممارسة الشعائر الدينية. وقد توجهت الصين إلى المجتمعين العرب، بتعزيز العلاقات العربية – الايرانية ودعم سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقا لمبادئ ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي.
أما فيما خص لبنان وسوريا فقد أكد المجتمعون على رفض قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمنح الجولان العربي السوري لاسرائيل، إنه إعتداء صارخ على المواثيق والشرائع الدولية، وقد طالب المجتمعون إسرائيل بالانسحاب من الجولان والاراضي المحتلة إلى خط الرابع من حزيران 1967 وفقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و497. وكذلك طالب المجتمعون بانسحاب إسرائيل من الاراضي اللبنانية المحتلة والتوقف عن انتهاك السيادة البرية والبحرية والجوية للبنان، مما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة قد لا تحمد عقباها. إنَّ الصين ملتزمة بأمن واستقرار لبنان عن طريق المشاركة بقوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان، ولم تبخل الصين حكومة وشعبا عبر التاريخ عن تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والأمني للبنان في أحلك الظروف، واليوم تؤكد الصين استعدادها مجددا للوقوف بصلابة إلى جانب الحكومة والشعب في لبنان، في وقت قد تآمر على لبنان الكثير من الدول التي كانت صديقة في غابر الزمن، بيد أن المصالح والاعتبارات السياسية جعلتها تنتقل من موقع الصديق إلى موقع الخصم، ولكن الصين ظلت ثابتة على مواقفها ولم تغير من سياستها تجاه لبنان لا بل أعلنت عن زيادة دعمها. ففي ضوء الأزمة المالية التي يمر بها لبنان أعلنت الصين عدم تخليها عن الشراكة مع لبنان، وعن أن لبنان هو مستضيف للاجئين الفلسطينيين والسوريين ولن يتحول هذا الملف من لجوء إلى توطين.
إنَّ الاصرار على انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني في هذا الظرف الدولي غير المستقر، هيو رسالة بحد ذاتها على مدى صلابة ومتانة العلاقات العربية الصينية، التي تكاد تكون مثالا يحتذى به عن التعاون الدولي بالرغم من الصعوبات كافة. إنَّ بعض الجماعات تسعى لاثارة الفتن ما بين العرب والصينيين تحت ذرائع الدين وحقوق الانسان بيد أن الجانببن أثبتا مقدار الوعي والتبصّر الكافي والكبير الذي دفع بتقدم هذه العلاقة على الرغم من كل الصعوبات.
إنَّ المؤشرات والكثير من التقارير تدل على أن للصين مستقبلاً واعدتً في المنطقة العربية وهذه الشراكة سيكون لها المكانة المميزة والفضلى كما هو الوقع اليوم.
* محمد زريق هو مرشح للدكتوراه في Central China Normal University، مهتم بسياسة الصين الخارجية تجاه المنطقة العربية مع تركيز خاص على مبادرة الحزام والطريق، لديه العديد من الكتابات والمنشورات.