تعليق: القرار الأمريكي بالانفصال عن الاقتصاد الصيني خاطئ في حكم الوضع الراهن
كيفية فهم ومعالجة العلاقات الصينية الأمريكية (1)
صحيفة الشعب الصينية:
يشهد العالم اليوم تغيرات كبيرة لم نشهدها منذ قرن من الزمن، وقد أحدث جائحة كورونا تأثيرا كبيرا على العالم. لذلك فإن كيفية فهم الاتجاه الصحيح والحفاظ على التصميم الاستراتيجي هي قضية مهمة تواجه جميع البلدان. ولكن الشيء المؤسف هو أنه في الفترة الحرجة التي تحتاج فيها البشرية إلى تعزيز الوحدة والتعاون، روّج بعض السياسيين الأمريكيين بضيق أفق لا يمكن أن يتصوره عقل إلى “نظرية الانفصال” بين الصين والولايات المتحدة في محاولة مصطنعة لوقف تدفق رأس المال والتكنولوجيا والمنتجات والصناعات والأفراد. يشعر المراقبون بقلق عميق تجاه ذلك، فقد حذر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر البالغ من العمر 97 عاما العالم قائلا: “في عصر يعتمد فيه الازدهار على التجارة العالمية وحركة الناس، تسبب هذا الوباء في مفارقة تاريخية وأعاد المدينة المسوّرة إلى الحياة”.
في عصر العولمة الاقتصادية، تعتبر الظاهرة الغريبة المتمثلة في “التسول من عند الجار” مثيرة للاشمئزاز. بدافع من عقلية متسلطة ومستبدة، ألقت الولايات المتحدة باللوم على دول أخرى فيما يتعلق بمشاكلها الخاصة، واستخدمت “لعبة المواجهة” كأداة لحل هذه المشاكل، ومنذ تفشي فيروس كوفيد-19 فيها، تهرّب المسؤولون الأمريكيون من مسؤولياتهم وخافوا من رؤية الإمدادات الطبية الصينية الجاهزة وهي تُقدم لمساعدة الدول الأخرى لتلبية احتياجاتها الطارئة. ومع تطور شبكة الجيل الخامس، شعروا بنار الغيرة الحارقة بداخلهم لأنهم لا يريدون أن تأخذ الشركات الصينية منهم زمام المبادرة. لذلك أصروا على اختلاق كذبة ما يسمى بـ “التهديد الصيني” واستخدموا أساليب مختلفة من التخويف والترهيب والتودد في محاولة لإقناع حكومات الدول الأخرى باتباع الولايات المتحدة لقمع الصين، آملين بذلك أن تتخذ الشركات من جميع البلدان خيار نقل سلسلتها الصناعية خارج الصين. يا للعار، إنه حقا لأمر مخزي!
على مدار الـ 40سنة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، أعطى البلدان دورا كاملا لمزاياهما الاقتصادية التكميلية وشكّلا مجتمع مصالح متكامل بعمق. فقد زاد حجم التجارة الثنائية في السلع بين الصين والولايات المتحدة بأكثر من 250 مرة مقارنة ببداية إقامة العلاقات الدبلوماسية، واستثمرت 72500 شركة أمريكية في الصين. كما أظهر مسح العضوية لعام 2019 الصادر عن مجلس الأعمال الأمريكي الصيني أن 97 بالمائة من الشركات الأمريكية التي شملها الاستطلاع قد حققت أرباحا في السوق الصينية، وأظهرت بيانات الوكالة أيضا أن الصادرات الأمريكية إلى الصين خلال الفترة من 2009 إلى 2018، دعمت أكثر من 1.1 مليون وظيفة في الولايات المتحدة. كما أظهر استطلاع حديث أجرته غرفة التجارة الأمريكية في الصين أن 84 بالمائة من الشركات الأمريكية غير مستعدة لمغادرة الصين. منذ بداية هذا العام، قامت الشركات الأمريكية مثل إيكسون موبايل وهونيوال وتسلا ومتاجر وولمارت وسّعت استثماراتها ونطاق تعاونها في الصين. في أبريل من هذا العام، أصبحت الصين مرة أخرى أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. إن الشروع في رحلة التعاون المربح لكلا الجانبين هي الحاجة المتأصلة للتنمية الاقتصادية للبلدين، وهي النتيجة الطبيعية لتطور العلاقات الدولية والمشهد الطبيعي للتعايش السلمي بين البشر. يُظهر الواقع بشكل واضح بأن “الربط” والتكامل والتعاون للاقتصاد الصيني الأمريكي هي خطوة حكيمة تقوم على المصالح المشتركة لكلا الطرفين.
إن الذي يتّبع التقوقع والانفصال في عصر العولمة محكوم عليه بأن يفقد كل شيء. ما هي الضريبة التي يريد السياسيون الأمريكيون أن تدفعها بلادهم؟ وما حجم الخسائر التي يريدون إلحاقها بالعالم لتحقيق هدفهم المتمثل في تقسيم السوق العالمية بالقوة وقطع السلسلة الصناعية وسلسلة التوريد العالمية؟ نحن نعلم جميعا بأن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك جميع الفئات الصناعية في التصنيف الصناعي للأمم المتحدة. يدعم سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة وأكثر من 400 مليون شخص من ذوي الطبقة المتوسطة الدخل السوق الكبيرة بشكل قوي. وقد كانت الصين ولازالت عامل الاستقرار الرئيسي ومصدر القوة للنمو الاقتصادي العالمي لسنوات عديدة. أشار مقال نُشر على الموقع الإلكتروني لمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية إلى أن “الانفصال” عن الاقتصاد الصيني حماقة كبرى، وأن الجهود المبذولة لقطع الاعتماد على الصين قد تتسبب في نهاية المطاف في خسارة الولايات المتحدة لعلاقات اقتصادية مهمة مع الصين والعالم. بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي استبعاد الصين من نظام الابتكار الأمريكي إلى دفع الصين هي الأخرى إلى استبعاد الولايات المتحدة من نظام الابتكار الخاص بها أيضا ويتسبب في فقدان الولايات المتحدة حقها في استخدام أنظمة الابتكار الأخرى. كما يحذر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في الولايات المتحدة من أن تلك البلدان التي تحاول أن تكون مكتفية ذاتيا و “تنفصل” عن الاقتصاد العالمي ستعاني في نهاية المطاف أكثر بسبب الافتقار إلى المشتريات المتنوعة والصدمات المحلية التي لا مفر منها. من الواضح أن “الانفصال” ليس علاجا للمشكلات المحلية في الولايات المتحدة ولكنه سُمّ للاقتصاد العالمي.
إن البحر الشاسع للاقتصاد العالمي موجود بشكل موضوعي ولا يمكن تجنبه. ومن المستحيل أن يتراجع هذا البحر ويتحول إلى بحيرة أو نهر صغير منعزل لأن ذلك لا يتوافق مع الاتجاه التاريخي. يريد بعض السياسيين الأمريكيين استخدام “نظرية الانفصال” للسيطرة على الواقع وعرقلة الاتجاه العام وهذه مجرد أوهام وأماني. لن تتوقف مسيرة التنمية في الصين، والتعاون الصيني الأمريكي على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة يخدم المصالح المشتركة لكلا شعبي البلدين وبقية شعوب العالم. من يخطئ في تقدير هذه القضية، يختار أن يخالف تيار العصر ويعكس التاريخ، والنتيجة الوحيدة هي أن يدمغ رأسه بحجر كبير.