رؤية صينية: مقتل العالم النووي الإيراني …. منطقة الشرق الأوسط إلى أين؟
صحيفة الشعب الصينية ـ
بقلم/ نيو سونغ، باحث بمعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية:
تعرض محسن فخري زاده الذي أطلقت عليه إسرائيل والغرب لقب “أبو القنابل النووية الإيرانية” لهجوم أودى بحياته في إحدى ضواحي طهران يوم 27 نوفمبر. ولا يعتبر محسن فخري زاده أكبر عالم فيزياء النووية في إيران والذي لطالما اعتبره الغرب شخصية رئيسية في البرنامج النووي الإيراني فحسب، ولكن له علاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني أيضا. وعلى وجه التحديد، يشغل فخري منصب أستاذ بجامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري الإسلامي، وهو برتبة عميد في الحرس الثوري الإسلامي، بالإضافة إلى أنه نائب وزير الدفاع الإيراني. ونظرا لتمتع فخري بهوية متعددة المساكن تمر عبر السياسة والعسكريين والأكاديميين في إيران وحساسيته العالية للعمل، فإن اغتياله تسبب في إحداث صدمات كبيرة للسياسة الداخلية الإيرانية واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
العلاقات الأمريكية الإيرانية، والإسرائيلية الإيرانية تدخل مرحلة أكثر خطورة
منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، في هجوم شنّته الولايات المتحدة، إلى التخريب والخطف والاستيلاء على ناقلة في مضيق هرمز، إلى سلسلة من “الحوادث الأمنية” المتمثلة في انفجار منشأة “نطنز” النووية حتى اغتيال محسن فخري زاده، ليس من الصعب أن نجد أن الملف النووي الايراني، والحرس الإسلامي الإيراني العنصرين الرئيسيين وراء الحوادث. وتولي الولايات المتحدة وإسرائيل أهمية كبيرة لهذين الشاغلين الرئيسيين.
ومن وشك انطلاق الحرب الأمريكية الإيرانية من حادثة سليماني، إلى فشل ترامب في إعادة انتخابه حاليا، وهو أكثر يأسًا في السياسة الخارجية، دخلت العلاقات الأمريكية الإيرانية، والعلاقات الإسرائيلية الإيرانية فترة أكثر خطورة قد تخرج عن السيطرة قبل أن تتولى إدارة بايدن السلطة في 20 يناير من العام المقبل.
الولايات المتحدة وإسرائيل هما أكبر المستفيدين من اغتيال كبار علماء الفيزياء النووية الإيرانيين، ورغم عدم وجود معلومات موثوقة تؤكد حصول إيران على أدلة قاطعة، فإن هذا لا يمنع إيران من اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبحسب صحيفة “ديلي نيوز” البريطانية، فقد تم الكشف عن المؤامرة التفصيلية لاغتيال محسن فخري زاده، ووجهت إيران أصابع الاتهام إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”.
في الواقع، من وجهة نظر إيران، فإن إدارة ترامب هي الجاني الرئيسي في التدهور المستمر للعلاقات الأمريكية الإيرانية. وقد وقعت عملية الاغتيال في الوقت الذي لم يكن أمام ترامب خيار سوى قبول نتائج الانتخابات الأمريكية، وكثيراً ما تخلق إدارة ترامب حوادث جديدة بهدف حث إدارة بايدن على القبول بالأمر الواقع والتعامل مع جميع قضايا الشرق الأوسط المتعلقة بالعلاقات العربية الإسرائيلية، والقضية النووية الإيرانية.وبهذا المعنى، على الرغم من أن إيران أدانت مباشرة إسرائيل في حادثة الاغتيال، فإن فكرتها الحقيقية هي أذهلت الولايات المتحدة وإسرائيل في بهذا الحادث.
ردود الفعل في منطقة الشرق الأوسط حيال الاغتيال
على عكس حادثة سليماني في بداية العام والتي أدت إلى حملة الرأي العام الشرسة في إيران والرد الرمزي، تواجه الولايات المتحدة حاليًا تغييرًا في النظام، وجلب إدارة بايدن احتمالية جديدة لإيران يصعب تجنبها. ويُنظر إلى إدارة بايدن عمومًا على أنها “عودة الولايات المتحدة”، وقد تخفف من حدة المواجهة مع إيران في موضوع الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي، فمن المرجح أن تحافظ إيران على ضبط النفس تجاه الولايات المتحدة، ومراقبة التحركات الأخرى لإدارة ترامب في حالة تأهب قصوى. ومع ذلك، لا يزال الاغتيال يضيف درجة معينة من عدم اليقين إلى تسهيل العلاقات الأمريكية الإيرانية في “حقبة ما بعد ترامب”، وسيكون له أيضًا تأثير مضاعف في الشرق الأوسط إلى حد كبير.
أولا، ستجعل حادثة اغتيال محسن فخري زاده العلاقات الإسرائيلية الإيرانية، والعلاقات العربية الإيرانية أكثر توتراً. وإن حماية بقاء الدولة على راس أولويات إسرائيل المعزولة منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط. وإن الاستباق العسكري الإسرائيلي والتطهير المستهدف عبر الحدود لأفراد محددين هي عملياتها العادية، ولا تتنازل أبدًا عن القضية الأساسية المتعلقة بالحفاظ على بقاء الدولة، على الرغم من أن أفعال إسرائيل من هذا النوع مثيرة للجدل، بل ويشار إليها من قبل العديد من الدول على أنها إرهاب وطني. وطالما استمرت العلاقة العدائية بين إسرائيل وإيران فلن يختفي هذا النوع من الاغتيالات، وفخري ليس الأول ولن يكون آخر عالم إيراني يُغتال.
حققت العلاقة بين إسرائيل والعالم العربي انفراجًا كبيرًا منذ أغسطس في ظل التأثير المشترك لـ “استقراء” أسلحة إدارة ترامب، ونظرية التهديد الإيراني “التخويف”. وقامت إسرائيل بتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان على التوالي، وسرعان ما أقامت البحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تدخل العلاقة السياسية المفتوحة بين إسرائيل والسعودية “منطقة المياه العميقة” بشكل متزايد، وقبل أيام قليلة من الاغتيال، زار رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس “الموساد” يوسي كوهين المملكة العربية السعودية. وستدفع هذه الحادثة إسرائيل و “الدول العربية المعتدلة” إلى “التجمع معًا” لمقاومة الانتقام الإيراني المحدود.
ثانيًا، تؤدي حادثتي اغتيال محسن فخري زاده برصاصة رشاشة مثبتة في سيارة مهجورة يتم التحكم فيها عن بعد، وقاسم سليماني بواسطة صاروخ أطلق من طائرة بدون طيار إلى تفاقم اتجاه الحروب والصراعات غير المأهولة في الشرق الأوسط.
تعد منطقة الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم انتشارًا للصراعات والحروب، وقد لعب تنفيذ هذه الاغتيالات العديدة في إيران تأثير “استعراضي” واضح في مجال الحرب غير المأهولة. وإن الأمن والتنمية هما الموضوعان الأساسيان في الشرق الأوسط، وسيكون للتقدم المستمر في الحروب غير المأهولة تأثير ثوري على النظام العسكري والتنظيم القتالي واستخدام القوة العسكرية في دول الشرق الأوسط، وسيؤدي بلا شك إلى زيادة تكثيف التسلح في الشرق الأوسط، وتصبح المنافسة حافزًا لمزيد من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط.