مساع صينية لاستغلال أزمة اليورو في تحقيق مكاسب ثمينة بالقارة
جريدة ايلاف الالكترونية:
أشرف أبو جلالة:
في وقت تعيش فيه القارة الأوروبية حالة شديدة من الاضطراب على خلفية أزمة ديون منطقة اليورو، وبينما يخوض المسؤولون هناك سباقاً مع الزمن في محاولة لإنقاذ الموقف، بدأت تظهر مؤخراً مخاوف من تنامي قوة وهيمنة التنين الصيني، ليس فقط على النطاق العالمي، وإنما كذلك على نطاق القارة. وهو ما اتضح بعد الإعلان عن تلك الخطة التي اقترحها هوانغ نوبو، الملياردير الذي يرأس مجلس إدارة مجموعة زهونغكون الاستثمارية الصينية، لبناء منتجع سياحي تقدر قيمته بـ 200 مليون دولار في منطقة “جريمستادير” البرية التي تقع في شمال شرق أيسلندا.
وهي الخطة التي تسببت بإثارة واحدة من أعنف موجات الجدل التي شهدتها أيسلندا منذ تعرض مصارفها للانهيار قبل 3 أعوام، وهو ما ساعد على تحويل أسواق المنجنيق إلى أزمة مالية عالمية. وفي الوقت الذي ما زالت تحاول فيه أيسلندا الخروج من عثرتها، اقترح نوبو، وهو مسؤول سابق في الحزب الشيوعي، بناء فندق متطور، ومحمية طبيعية هي الأكبر في أوروبا، بالإضافة إلى ملعب خاص برياضة الغولف.
وقد رفض المسؤولون الأيسلنديون من جانبهم تلك الخطة الشهر الماضي، بعد أن شكوا في تطلّع نوبو للقيام بمشروعات أخرى محتملة، بما في ذلك استغلال قدرات أيسلندا الضخمة في مجال شركات الطاقة. ولا تروق آفاق أيسلندا المفتوحة فحسب للشريحة الكبرى من السائحين الصينيين، بل إنها ترتبط كذلك باهتمامات الصين الإستراتيجية في القطب الشمالي، وفقاً لما قاله جوناس باريلو بليسنر، زميل الشؤون السياسية البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في العاصمة البريطانية لندن.
وأكدت في هذا السياق مجلة التايم الأميركية أن تلك المعركة، الحاصلة في جزء بعيد وهادئ من القارة العجوز، جاءت لتعكس مشاعر قلق أوسع في النطاق بشأن تنامي نفوذ وتواجد الصين في أوروبا. وفي وقت يناضل فيه الاتحاد الأوروبي لإنقاذ دول من بينها اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال من عثراتها المالية، لجأ المسؤولون إلى الصين وأسواق أخرى ناشئة من أجل طلب الحصول على عشرات المليارات من الدولارات بصورة نقدية بغية توسيع نطاق صندوق الإنقاذ الأوروبي بشكل كبير.
وتابعت المجلة بقولها إن الصين ما زالت تدرس المخاطر والمنافع التي قد تعود عليها من وراء الانخراط في المشروع المترنح. لكنها لم توقف مساعيها الرامية إلى الاستثمار في أصول أوروبية أخرى، سواء كان ذلك في قطاع العقارات أو الشركات العالمية.
ثم مضت التايم تنوه بأن المساعدات النقدية التي قد تقدمها الصين من الممكن أن تساعد أوروبا على القيام بكل شيء بدءًا من إصلاح الجسور المنهارة وتطوير خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة وانتهاءً بسد العجز الحاصل في خطة الإنقاذ الخاصة بها. ومع هذا، يتخوف كثيرون من احتمالية استغلال الصين لأزمة منطقة اليورو من أجل اقتناص أصول القارة الثمينة بأسعار مخفضة والحصول على تنازلات سياسية كبيرة حول قضايا مثل التجارة ومبيعات الأسلحة، في الوقت الذي يشعر فيه القادة الأوروبيون بأنهم مرغمون على تنفيذ ما يطلب منهم نتيجة لضعف موقفهم.
إلى ذلك، أوضحت المجلة إن فائض الصين الكبير، الذي يقدر بحوالى 3 تريليونات دولار في احتياطات النقد الأجنبي، وتزايد أعداد المواطنين الصينيين شديدي الثراء، تعتبر أمورا مزعجة بالنسبة إلى الأوروبيين المحاصرين، الذين يخشون من أن يتعدى نفوذها المالي الضخم على شؤون حياتهم اليومية. خاصة وأن المجلة أكدت أن توجه الصين صوب أوروبا يعتبر المرحلة الأحدث في فورة الإنفاق العالمي للصين، بعد استثماراتها الضخمة في عدة بلدان في أفريقيا وأميركا اللاتينية على مدار العقد المنقضي، لتلبية طلبها الذي لا ينضب على المواد الأولية وإبرام شراكات طويلة الأمد في مجال النفط والغاز وخام الحديد والنحاس والمعادن الإستراتيجية الأخرى.
وبينما تتطلع الصين في الوقت الحالي للحصول على حصة أكبر من الاستثمارات في أوروبا، في ظل ما تشهده القارة من فوضى وتخوف على الصعيد المالي نتيجة لاستمرار أزمة اليورو، أشارت التايم إلى أن مثل هذه المحاولات التي تقوم بها بكين في هذا الاتجاه غير جذابة بالنسبة إلى حكومات الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من قلقهم، فإن المسؤولين الأوروبيين يتوددون بصورة جادة لرجال الأعمال الصينيين.
لكن هناك نوعية أخرى من المخاوف التي أثارتها المجلة في الختام بشأن الجانب السلبي لقبول المساعدات المالية من الصين، فنقلت عن نيكولا كاساريني، زميل البحوث في معهد الاتحاد الأوروبي لدراسات الأمن في باريس، قوله :” في المستقبل، حين يأتي الدالاي لاما إلى أوروبا، ستفكر الحكومات الأوروبية مرتين بشأن ما قد تدلي به من تصريحات عن قضية حقوق الإنسان في الصين، التي تتوقع من جانبها سلوكاً ودوداً من أوروبا آنذاك، وهذا يعني عدم اتهامهم بصورة علنية”.