الخوف الأوروبي من القطبية الثنائية الجديدة .. أميركا والصين
صحيفة الوطن العمانية ـ
د.أحمد القديدي ـ كاتب وسياسي تونسي:
هل تعرفون يا قرائي الأفاضل من هو (لو جي وال) ؟ لا أعتقد أنكم سمعتم بهذا الاسم من قبل. أقول لكم من هو لأن اسمه يملأ هذه الأيام الأخيرة من سنة 2011 جل وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية وكذلك محاضر اجتماعات المصارف الكبرى ومجالس وزراء الحكومات الغربية. إنه رئيس الصندوق السيادي للصين أي المتصرف في آلاف مليارات الدولارات واليوروات باسم الشعب الصيني (مليار و400 مليون مواطن صيني) وبالطبع كما تعلمون (12% نسبة النمو السنوي مقابل 0,2 لمنطقة اليورو و 2,5 للولايات المتحدة مثلا) ونقلت الصحف الاقتصادية الأوروبية هذه الأيام عن (لو جي وال) تصريحه بأن الصين سخية وستقوم بالاستيلاء اللطيف على شركات أوروبا المختصة في تصنيع البضاعة الفاخرة (اللوكس) أي أن أشهر العلامات التجارية المعروفة لدينا في الخليج بأنها فرنسية مثلا سوف نشتريها من باريس طبعا ولكن من أصحابها الصينيين! (انظر صحيفة لوفيجارو الباريسية عدد يوم الثلاثاء 29 نوفمبر2011).
وللتذكير فإنه مباشرة بعد انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 وانطواء الصفحة الشيوعية من القارة الأوروبية بسقوط الإمبراطورية السوفييتية إلى الأبد ومحو ما كان يعرف بالمعسكر الشرقي الذي فرضته موسكو على مدى سبعين عاما على أوروبا كالطوق المضروب، كان العالم ينتظر كيف ستصير خارطة العالم؟ ومع تعملق القوة الأميركية العظمى وانفرادها بالقرار والتدخل والمبادرة وحتى الحرب، أدرك الرأي العام الدولي أننا أصبحنا نعيش أحادية القطبية بعد الثنائية وأن الولايات المتحدة هي التي أنهت التاريخ على رأي فرنسيس فوكوياما بإقرار الليبرالية واقتصاد السوق والحريات المدنية والشخصية بصفة نهائية ولا رجعة فيها! ثم نظر المنظرون الأميركان لحلول عصر صدام الحضارات فرشحوا الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية الكنفوشية للنزال مع الغرب وقيم الغرب وانتهى صمويل هنتنجتون إلى أن المصير الإنساني سيتقبل راضيا أو صاغرا هيمنة القوة الغربية لأنها مستقبله ولأنه يطمح إليها ولأنه لا مناص من توحيد العالم إلا تحت بيارقها! ثم على رأي هؤلاء أليس الغرب هو الذي كسب معارك التكنولوجيا الحديثة وهو الذي سيطر على الموارد البشرية؟ أليست أميركا هي التي أنقذت الدنيا من خطرين هددا وجود الإنسان وهما النازية والشيوعية؟ أليس الغرب هو السباق للعولمة يحطم بها الحدود وينقل بها الثقافات والناس والبضاعة؟ ولعل الجواب الأصوب عن هذه التساؤلات هو بنعم ولكن الصعود السريع والمفاجأ للقوة الصينية بدأ يبعث الشكوك في الحقائق المسلم بها ويطرح على الساسة والمراقبين في العالم قضية منزلة الصين الجديدة على مسرح الاستراتيجيات الدولية وبدأت الصين تطرق أبواب عالم غربي مهدد بالإفلاس بعد انهيار اليونان والبرتغال وتهديد أسبانيا وإيطاليا وعجز البنك المركزي الأوروبي عن ضخ المليارات في موازين هذه الدول ورفض ألمانيا تحمل عجز هذه الشعوب. علما بأن أزمة أميركا سبقت سنة 2008 فعوضت بيكين واشنطن في رعاية ورصد وتغطية مصائب أوروبا.
كانت الأدبيات السائدة في عصر العولمة مابين 1989 و 2001 أي ما بين سقوط جدار برلين وبين اعتداء 11 سبتمبر الإرهابي في قلب نيويورك و واشنطن هي أدبيات الفرح والتفاؤل بعصر سيجسد في الواقع مبدأ القرية العالمية الصغيرة الذي ابتكره المفكر/ مارشال ماك لوهان. ولكن عصرا جديدا بدأ يشرق نوره ( أو بالأحرى تتكاثف ظلماته) منذ 2001 إلى 2011 وهو عصر ما بعد العولمة حيث استيقظت الأمم على نواقيس أخطار أخرى لم تتوقعها وهي أخطار أربعة هي:
ـ ظاهرة ثورات الشعوب العربية والغربية على السواء ضد توحش الليبرالية والاستبداد وهي ظاهرة جديدة خارجة عن إرادة الدول تفجر حقائق منسية و تحرك ملفات مهملة.
ـ ظاهرة تشابك قضايا البيئة على الصعيد العالمي.
ـ ظاهرة تدويل ملف الأوبئة الكبرى باختراقه الحدود مثل الإيدز واستفحال عولمة الكوارث مثل حريق المفاعل النووي الياباني الأخير.
ـ ظاهرة تغير الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط (العراق وسوريا وإيران ومصر و اليمن بعد تونس وليبيا وبؤرة الصراعات الطائفية وعدم وفاء إسرائيل بمستحقات خارطة الطريق.
في هذه البيئة الجغراسياسية المتقلبة جاء مولد المارد الصيني يحمل خمسة آلاف عام من حكمة وفلسفة (كونفشيوس) وروح التضحية والمناعة ترمز إليها عبقرية سور الصين العملاق ومليارات (لو جي وال). وسؤالي أين نحن العرب من هذه التحولات؟