دورتا الصين السنويتان: حيوية التشاركية في بلد التنين العظيم
موقع الصين بعيون عربية ـ
أسامة مختار*
تعد (دورتا الصين السنويتان) حدثاً سنوياً مهماً للغاية. ويعني هذا المسمى دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أي (البرلمان الصيني)، وهذا تَجمعٌ ذو خصائص صينية يضم المشرعين والمستشارين السياسيين الوطنيين، ويجسد إرادة الشعب، ويحمي حقوقه ومصالحه، ويمثل المصدر الذي تكمن فيه الثقة من أجل تنمية الصين، لذا كانت مراقبة العالم عن كثب لتأثير هذا الحدث السياسي السنوي على تنمية البلاد والتخطيط لمستقبلها وأثره على العالم.
حظي الاجتماع السنوي لهذا العام باهتمام كبير، خاصة بعد أن أصبح الاقتصاد الصيني الوحيد الذي حقق نمواً إيجابياً العام الماضي في أعقاب الجائحة التي هزت العالم، وبالتالي سيوفر المزيد من عوامل اليقين والإمكانيات للعالم خلال هذه الفترة العصيبة من عمر الإنسانية، وكشف رئيس مجلس الدولة الصيني(رئيس الوزراء) لي كه تشيانغ عن معدل النمو الاقتصادي المستهدف لعام 2021 بنسبة تتجاوز 6 بالمئة، وقال إنه ليس منخفضا بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني، مضيفاً أن هذا المعدل المستهدف حُدد من أجل توجيه التطلعات الاقتصادية نحو دعم أساس التعافي الاقتصادي وتحقيق تنمية عالية الجودة.
في الوقت الحالي يُعاني الاقتصاد العالمي من ركود عميق في ظل الوباء، وكما هو معلوم فإن أي قرار تتخذه الصين خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي الذي أُرهقَ في الوقت الحالي من جراء تبعات كوفيد-19. ويأتي انعقاد الدورتين هذه المرة في سنة بالغة الأهمية بالنسبة للشعب الصيني، ولأن الفيروس ما زال مستشريا، فإن طريق التعافي سيكون طويلاً، وغير مضمون تماماً مما حدا بالمستثمرين العالميين لتأكيد ثقتهم في السوق الصينية. ووفقا لتقرير من الأمم المتحدة حول متابعة اتجاهات الاستثمار، صدر في كانون الثاني/ يناير هذا العام، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في عام 2020 بنسبة 42 في المائة، مما كان عليه عند 1.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2019م، بينما شهد استثمار الصين زيادة بنسبة 4 في المائة في العام نفسه.
ناقش المشرعون خلال هاتين الدورتين خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لخمس سنوات مقبلة للفترة ( 2021 -2025 م)، وكذلك الأهداف طويلة المدى حتى عام 2035م. هذا المخطط الذي سيوجه التنمية في الصين، قد جذب الكثير من الاهتمام العالمي. في السنوات المقبلة، وستعمل الصين بشكل أسرع بنمط التنمية الجديد الذي يتميز “بالتداول المزدوج”، حيث يُمكِن للأسواق الداخلية والخارجية أن تُعضِد بعضها البعض، مع اعتبار السوق المحلية الدعامة الأساسية.
وبينما تحتفل الصين هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وبداية تنفيذ الخطة الخمسية الـ14 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . فقد أعلن بلد المليار ونصف المليار، على لسان زعيمه شي جين بينغ، انتصاره الكامل في حملته الشرسة للقضاء على الفقر المدقع في شهر شباط/ فبراير من هذا العام، رغم جائحة كوفيد-19 ، ورغم ماورد في تقارير الامم المتحدة عن فقدان وظائف ودخول قرابة 131 مليون شخص في العالم إلى عوالم الفقر في السنة الماضية ، إلا أن الصين أخرجت خلال السنوات الثماني الماضية 100 مليون مواطن في هذا البلد من دائرة الفقر إلى رحابة العيش الكريم قبل عشر سنوات من الموعد المحدد في أجندة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة2030م ، مما دفع العديد من الدول لدراسة هذه التجربة والعمل بها، ومعرفة المزيد عن خطة الصين للمرحلة التالية من التنمية. نعم تغلبت الصين على التحديات التي واجهتها وأوفت بوعدها وتمكنت من اقتلاع جذور الفقر المدقع في مدنها وقراها، وقد تحقق هذا النجاح الباهر نتيجة عقود طويلة من العمل الشاق فأوفت بما وعدت وتعمل لتحقيق “الهدفين المئويين” من أجل بناء مجتمع رغيد الحياة بشكل معتدل من جميع النواحي لهذه السنة وبناء دولة اشتراكية حديثة بحلول سنة 2049.م
وفيما يخص العلاقات الصينية العربية تتمسك الصين بمبدأ “المنفعة المتبادلة والفوز المشترك” في تعزيز التبادلات والتعاون مع الدول العربية، وبالرغم من أن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) أثر سلباً على اقتصاد العالم، لكنه لم يوقف تطور التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية، حيث بلغ حجم التجارة الصينية العربية في العام الماضي 240 ملياردولار، واستؤنفت بشكل منظم المشاريع الرئيسية لـ “الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية، كما تعزز التعاون في مجال التقنيات عالية التكنولوجيا، كما أكد وزبر الخارجية وانغ يي خلال مؤتمر صحفي على هامش الدورتين حرص الجانب الصيني على تضافر الجهود وتعزيز التضامن مع الجانب العربي للإعداد والتحضير للقمة الصينية العربية المزمع انعقادها لاحقا في السعودية بما يضفي مقومات جديدة على علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية ويحقق انجازات جديدة للمستقبل. ومن المعلوم أن العلاقات الصينية العربية عميقة وعريقة. وتتمتع بالمتانة والصلابة وإمكانات ضخمة جداً. ففي السنوات الأخيرة شهد التعاون العربي الصيني في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليم والصحة وغيرها توجهاً سريعاً من التطور.
وعلى الصعيد العالمي في العام الماضي، وقعت الصين اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة اقليمية للتجارة الحرة، مع 14 دولة أخرى، واختتمت المفاوضات بشأن اتفاقية استثمار مع الاتحاد الأوروبي. هذه الإنجازات لم تتحقق إلا بشق الأنفس، في ظل تفشي الوباء والمد المتصاعد للانعزالية والحمائية. ومن المأمول أن أولئك الذين يبحثون عن طرق للنهوض من كبوتهم مرة أخرى، في جميع أنحاء العالم، سيجدون في الصين الثقة والسند والعون من أجل المضي قدما.
واللافت من خلال متابعتنا لهذا الحدث الضخم (الدورتين الصينيتين) كما ردد الكثيرون: اكتشاف مصادر ثقة الصين في السيطرة على الوباء من خلال التدابير الوقائية المتخذة خلال انعقاد جلسات الدورتين الذي كان نتاج جهود لإجراءات صارمة استمرت أكثر من عام، خاصة وأن هذه الحدث الكبير ضم على مدى أسبوع أكثر من 3000 نائب و2000 استشاري بجانب المئات من الصحفيين والضيوف من أعضاء البعثات الدبلوماسية بالصين، مما يدل على إعجاز الصين في التغلب على كل المصاعب وفي مقدمتها هذا الوباء الخطير. (كلمة السر) في نجاح الصين في تقديري التي أُهديها لعالمنا العربي والعالم أجمع من خلال متابعاتي هي شعار ومفهوم القيادة الصينية الذي جعلته واقعا معاشًا وتمسكتْ به “وضع الشعب في المقام الأول” والوحدة والتضامن لمكافحة الوباء بطريقة علمية وتعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح والمشاركة والتعاون الدولي التي أفضت إلى نتائج ممتازة في عام 2020م . والأمل معقود في عام 2021على مشاركة المزيد من الدول للصين مبدأ التعاون والفوز المشترك على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة لتحقيق النتائج المرجوة التي يتطلع إليها العالم أجمع، والتي ستسهم كثيراً في تحقيق الحياة الكريمة للبشرية والأمن والسلم الدوليين.
* إعلامي من السودان، خبير بالقسم العربي لإذاعة الصين الدولية.