الصين تطارِد الفقر.. وتقتله
موقع الصين بعيون عربية ـ
أسامة مختار*:
(يصنعُ الفقرُ لصوصا،كما يصنعُ الحبُ شعراء، الفقرُ أبُ الجرائم و أسوأُ أشكال العنف).
أن تُسهِم الصينُ بنسبة70 في المئة لتقليل عدد فقراء العالم وفقا لتقرير الأهداف الإنمائية الألفية للأمم المتحدة، فإن هذا إنجاز ضخم وعنوانٌ رئيسٌ يعكس بوضوح معدلات التطور والنمو السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذا البلد العملاق، فقد نالت جهود القيادة الصينية إعجاباً وتقديراً واسعاً ولخصتْ إنجازات وخبرات الصين خلال سنواتِ الإصلاحِ والانفتاح التي فاقت الأربعين عاماً وأشارت إلى اتجاه مسيرة مستقبل النهضة الكبرى للأمة الصينية التي تميزت سياستُها بهدوءٍ وصمتٍ وحكمة، حتى أكملتْ بناءَ القرى الغنية والقوية وجذبت الأكفاء إليها وأصبحت مراكزَ لريادة الأعمال.
وضعت الصين تنمية الإنسان في المقام الأول، وأتاحت له تطوير الصناعات المتميزة المختلفة بما يُناسب ظروفه المحلية، لدفعِه للسير على طريق التنمية المستدَامة للنمو النابع من الذات، والتخلص من الفقر والتمتع بالعيش الكريم اعتماداً على النفس فتحولت حياة الصينيين إلى إنتاج ووفرة ورغد ونماء، وتخلص أكثر من 770 مليون فرد من الفقر منهم 100 مليون على مدى السنوات الثماني الماضية على وجه الخصوص منذ تولي الرئيس شي جينبينغ للسلطة، ما يُشكل «انتصاراً عظيماً» بحسب وصفه.
عملت الصين كذلك على ضمان حصول فقرائها على الغذاء والملبس والسكن الآمن والحصول على التعليم الإلزامي والرعاية الأساسية. قلّ عدد الفقراء في الريف. وفقاً لمعيار خط الفقر الحالي لسكان تلك المناطق بما يفوقُ مقدارَ خط الفقر العالمي المُدْقِع الذي حددّه البنك الدولي لدخل الفرد اليومي بأقل من (1,90دولار) بينما كان حد الفقر الصيني ما قل عن 2,30 دولار يومياً، لكن هذا التحديد لا يستند فقط إلى الدخل في جميع أنحاء الصين، بل زاد عدد المشاركين في التأمين الصحي للعلاج وتأمين الشيخوخة، وتعليم الأطفال وغيره وفق أسس أشرف عليها المسؤولون الحكوميون لتقييم الوضع الاجتماعي للسكان من خلال زياراتٍ تفقدية لمنازلهم وأماكن عملهم، تغيرت ملامح القرى واُستبدلت المساكن الخشبية بمنازل فاخرة وبنايات من الطوب والأسمنت وبعضها بأبراج شاهقة في أرياف جميلة غنية عاد إليها شبابُها من العاصمة بكين والمدن الكبرى وأصبحوا رواد أعمال فخورين ببلادهم وإنجازاتهم، ترتسم الابتسامات على وجوههم في هذا البلد الشاسع الواسع الذي شهِدَ مجاعة طاحنة راح ضحيتَها الملايينُ من سكانه في بداية ستينيات القرن الماضي كما كان حوالى 90 في المئة من الصينيين يعيشون تحت خط الفقر قبل تأسيس الصين الجديدة.
لكن بدعم الحكومات المتعاقبة وتهيئة العيش الكريم للسكان وحثهم بالاعتماد على أنفسهم اتجهت إلى دعم الفقراء في المناطق ذات الظروف القاسية التي تفتقر إلى الظروف المناسبة للحياة والإنتاج بتوطينهم في أماكن أخرى ذات ظروف مناسبة على نفقة الحكومة لتخليصهم من الفقر. أما بالنسبة للفقراء الذين يمتلكون القدرة على العمل، خاصة الشباب منهم ، ساعدتهم على التوظيف في قطاعي الصناعة والخدمات، من خلال التدريب المهني ورفع مهاراتهم المهنية، أما أولئك الذين ليس لديهم القدرة على العمل ولا يستطيعون التخلص من الفقر اعتماداً على سياسات الدعم الصناعي والتوظيف، فتم إخراجهم من الفقر من خلال إدراجهم في نظام الحد الأدنى لضمان الحياة في الريف.
إن الحكومة الصينية تهتَمُ اهتماماً بالغاً بالتعاون مع الأجهزة الدَولية والدول النامية الأخرى في مجال التخلص من الفقر وتتحمل المسؤولية الدولية في التخلص منه بصورة جدية وتقدم معونات للدول النامية الأخرى بدون أي شروط سياسية من أجل مساعدتها، خاصة الدول الأكثر فقرا. ولعل مبادرة “الحزام والطريق” الصينية خير شاهد على ذلك حيث تتفق هذه المبادرة التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، مع “أجندة الأمم المتحدة 2030” إلى حد كبير، مما يفتح صفحة جديدة للتنمية العالمية. وأثبتت الممارسات أن بناء مبادرة “الحزام والطريق” له دور مهم في مساعدة البلدان للتغلب على معوقات التنمية، وتضييق فجواتها والانتصار في معركة القضاء على الفقر وتحقيق التنمية، ووفقًا لتقرير بحثي صادر عن البنك الدولي، ستنتشل مبادرة “الحزام والطريق” ما يقرب من 7.6 مليون شخص من عوالم الفقر المدقع، و32 مليون شخص من الفقر المُعتدِل، و(المُدْقِع) كلمة بليغةٌ تعني في اللغة (الشديد- المُذِل- المُعْوِز) دلالة على الحرمان الشديد. إذاً كيف لا تكونُ الصينُ مبادِرةً ومساهمة في القضاء على الفقر عالميا؟ وخلال عشرات السنين الماضية، قدمت لمئة وست وستين دولة ومنظمة معونات بلغ حجمُها نحو أربعمائة مليار يوان، وبعثت بستمئة ألف موظف لتقديم مساعدات للدول النامية وألغت ديون القروض الحكومية بدون فوائد للدول الشديدة الفقر والدول الأكثر فقرا سبع مرات. بالإضافة إلى تقديم معونات طبية إلى تسع وستين دولة وتقديم مساعدات متخصصة لأكثر من 120 دولة نامية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. كما أنشأت الصين والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمات دولية أخرى “المركز الدولي للتخلص من الفقر” في الصين. منذ عام 2014، ينظم هذا المركز “المنتدى الرفيع المستوى للقضاء على الفقر والتنمية” و”منتدى الصين- آسيان للتنمية الاجتماعية والقضاء على الفقر” و”مؤتمر الصين- أفريقيا للقضاء على الفقر والتنمية”، وغيرها من المنتديات النظامية. كما دربت الصين 2600 موظف في مجال القضاء على الفقر ينتمون إلى مئةٍ وعشرينَ دولةً نامية.
في السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2015، خلال اجتماع طاولة مستديرة للتعاون بين بلدان الجنوب في نيويورك، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ عن مبادرة “المئات الست”، والتي تعني مئة برنامج لخفض الفقر ومئة مشروع للتعاون الزراعي ومئة برنامج للترويج التجاري ومئة برنامج لحماية البيئة وتغير المناخ ومئة مستشفى وعيادة ومئة مدرسة ومركز تدريب مهني. وتتواصل مساهمات الصين وحكمتُها وقوتُها في دفع جهود المجتمع الدولي لتخفيف حِدةِ الفقر وتحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة.
يقول خبراءُ الاقتصاد الصينيون إن هذا المجهود الجبار( القضاء على الفقر المُدقع) إنجازٌ مرحلي مهم ولكنَّه لا يعني انتهاءَ مهمة مساعدة الفقراء، فالصين تسعى لغرس روح الكفاح في نفوس الفقراء ليعلَموا أن الفقر ليس موضوعاً مُخيفاً إذا ما عملوا بجدٍ واخلاص لتحقيق الغِنى والازدهار، فبسبب الفجوة الكبيرة في الدخل والفجوة بين المناطق المختلفة والفجوة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، ستبقى مشكلة الفقر النسبي لمدة طويلة بعد عام 2021، سيكون المحور المهم لأعمال الحكومة الصينية في مساعدة الفقراء هو حل مشكلة الفقر النسبي، خاصة عندما نضع في الاعتبار تعداد السكان الكبير لهذا البلد وقدرته على التخلص من الفقر المُعدِم في وقت قياسي رغم أنه يضم حوالى 20 في المئة من سكان العالم كما أن مساحة أراضيه الزراعية لاتتجاوز 10 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في العالم، وبالرغم من ذلك انتصر في معركته ضد الفقر وضمن حق المعيشة الأساسي لشعبه المثابر، فالأطفال كلُّهم باتوا الآن يُكمِلون تعليمهم الإلزامي حتى سن الخامسة عشرة بدون أن يضطروا للعمل لمساعدة أهلهم. كما تراجع معدل وفيات الرضع في الأعوام العشرين الماضية بحسب تقارير اليونيسيف في حين أن معدل اقتناء سيارة ارتفع بشكل كبير ليصل الى 20% من السكان.
القضاء على الفقر حُلمُ كل فردٍ وأمة وكثير من الدول أُعجبت بتجربة الصين ووصفتها بالإنجاز المشهود والضخم وغير المسبوق وتُريِد دراستَها والاستفادة منها بعد ما غيرت حياة وملامح الأرياف والمدن الصينية الفقيرة تغييراً يُثير الإعجاب. طارد الصنيون الفقر المُدقع لسنوات طويلة، وكأن لسان حالهم يُردد ( لوكان الفقرُ رجلا لقتلته) لكنهم استطاعوا قتلَه فعلا لا قولا! وتشييعَه إلى مثواه الأخير مع حلول الذكرى المئوية لاحتفالات بلادهم بتأسيبس الحزب الشيوعي في هذا العام2021، وحُقَ لهم الاحتفال والابتهاج.