فردية ديكتاتورية أم ديمقراطية وطنية.. كيف يحكم الحزب الشيوعي الصين؟
موقع الصين بعيون عربية-
محمود سعد دياب*:
من يتابع الإعلام الغربي، يترسخ في ذهنه أن الصين تدار بقبضة حديدية من الحزب الشيوعي الحاكم، وبالتبعية يستدعي العقل الصورة النمطية للدول التي تدار بطريقة شمولية مثل الاتحاد السوفييتي السابق، ما يعني عدم وجود إلا صوت واحد هو صوت حزب الأغلبية، ولا يعلم الكثيرون أن الصين لا تُدار بطريقة حكم الفرد وأن طريقة الزعيم السوفييتي الراحل جوزيف ستالين في الإدارة مثلًا أصبحت غير موجودة في العالم، وفي الصين خصوصًا، ولن يصدقك هؤلاء ممن يؤمنون بمصداقية الإفرازات العفنة التي تبثها الميديا الغربية كل فترة، بأن الصين تُدار بشكل جماعي من ائتلاف سياسي مكون من الحزب الشيوعي الذي يمثل الأغلبية، في شكل بعيد عن الديكتاتورية وقريب من الديمقراطية لكن ديمقراطية وطنية لا تسمح بالخلاف من أجل الخلاف والتشاحن دون نتيجة مثمرة.
في الصين عايشت فعاليات الدورتين السنويتين عام 2019، وهو الحدث السياسي الأبرز بالبلاد سنويًا وبداية انطلاق دور الانعقاد التشريعي لمجلس نواب الشعب (البرلمان)، ومنذ ذاك الوقت علمت أن الحزب الشيوعي بأعضائه الـ91.9 مليون، لا يتحكمون في مفاصل الدولة بمفردهم لكن هناك ثمانية أحزاب أخرى تشاركه الحكم والإدارة وأيضًا الرقابة على الحكومة وأنشطتها وحتى أنشطة الحزب الشيوعي نفسه، والأحزاب الثمانية هي اللجنة الثورية لحزب الكومينتانغ الصيني التي تضم أكثر من 151 ألف عضو، والرابطة الديمقراطية الصينية وتضم 330 ألف عضو، والجمعية الديمقراطية الصينية لبناء الوطن 210 آلاف عضو، والجمعية الصينية لتنمية الديمقراطية 182 ألف عضو، والحزب الديمقراطي الصيني للفلاحين والعمال 184 ألف عضو، وحزب تشيقونغدانغ الصيني 63 ألف عضو، وجمعية جيوسان 195 ألف عضو، ورابطة الحكم الذاتي الديمقراطية التايوانية 3300 عضو، لكي تكتمل بذلك الأحزاب التسعة المشكلة للائتلاف الحاكم بأغلبية لصالح الحزب الشيوعي، كما يشمل النظام أيضا شخصيات بارزة لا تنتمي لأي من الأحزاب السياسية.
هذه التوليفة من الصعب أن تجدها في أي نظام سياسي بالعالم، خصوصًا وأنها كانت السبب في حالة الصعود المتأني للصين عالميًا على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي بالتبعية، ووفقًا لنظام التجربة والخطأ سارت الأمور بالبلاد وسط رغبة حثيثة من الجميع على التفوق على الغرب وإحراز تقدم في كافة المجالات، فلم يساعد أحد الصين في نهضتها بقدر ما ساعدت هي نفسها بنفسها، ولم تستورد نظامًا سياسيًا أو اقتصاديًا وتطبقه بحذافيره دون النظر للعواقب، لكن كانت تقتبس ما يتناسب مع ظروفها المحلية.
لذلك نجد الزعيم ماوتسي تونغ عندما أعلن تأسيس الجمهورية الجديدة عام 1949، أو حتى عندما تأسس الحزب الشيوعي قبل مائة عام، طبق نظرية الاشتراكية الماركسية اللينينية، أخذ منها ما يتناسب مع البلد واجتهد قدر استطاعته وإن كان هناك أخطاء في التطبيق، فلم يشعر الصينيون بالعار ويقفون مكانهم، لكنهم تعلموا من الأخطاء وأعادوا المحاولة مرات ومرات حتى نجحوا، وكانت أعظم محاولاتهم سياسة الإصلاح والانفتاح التي أطلقها الزعيم دنغ شياو بينغ عام 1979، والتي كانت نقطة الانطلاقة الحقيقية للصين القوة العظمى حاليًا، وقتها عدلت الصين مسارها وقدمت نموذج اقتصادي هجين بين الرأسمالية والاشتراكية، يحب الصينيون أن يسموه “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، وخلال السنوات الـ42 الماضية تصاعدت عملية تحديث الصناعة وتسريع الإنتاج، مع إصلاحات رئيسية في النظام الزراعي بمنح قوة أكبر للجمعيات التعاونية في زراعة مساحات كبيرة من الأراضي بمحصول واحد يمتلكها مجموعة من الأفراد للتغلب على فكرة تفتيت الرقعة الزراعية وضياع حجم الإنتاجية من المحاصيل، وأيضًا دشنت سياسة للتخلص من الفقر والفقر المدقع حتى أعلنت الحكومة العام الماضي نجاح الصين في التخلص من الفقر وتحقيق الهدف الأممي الإنمائي في أجندة الأمم المتحدة 2030 قبل 10 سنوات من موعدها المحدد.
ولكي نفهم أكثر النظام السياسي الصيني المعقد والمتشابك، فيجب أولًا توضيح نقطة مهمة وهي أن السلطة العليا ليست للرئيس كما في معظم الدول التي يكون فيها نظام الحكم فردي يعتمد على الرئيس، لكن نظام الحكم في الصين جماعي كما أوضحنا في مرحلة الأحزاب، تليها مراحل أخرى تنتهي عند مجموعة مكونة من سبعة أشخاص هي من تدير الدولة وتلك المجموعة هل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المعروفة باسم “لجنة السبعة الكبار”، والتي تضم بالإضافة للرئيس شي جين بينغ، رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) لي كه تشيانغ، ولى تشان شو، ووانغ يانغ، ووانغ هو نينغ، وتشاو لى جى، وهان تشينغ، والذين يتمتعون بتجربة سياسية وحزبية كبيرة، ويشتركون فى عدة أشياء يمكن ملاحظتها بفحص سيرهم الذاتية، منها أن جميعهم “للمرة الأولى فى اللجنة” مولودون بعد عام 1949 الذي شهد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، كما أنهم بدأوا عملهم السياسي مع انطلاق الانفتاح الاقتصادى بالصين عام 1978، وتنتخب اللجنة المركزية كل خمس سنوات أخرها كان عام 2017.
أما البرلمان أو المجلس الوطني لنواب الشعب فهو أعلى جهاز سلطة في الدولة، لأن النظام الصيني قائم على أن السلطة للشعب وبالتالي فإن البرلمان هو من يحكم وله صلاحيات واسعة تشمل انتخاب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس وإقرار تعيين رئيس مجلس الدولة (رئيس الحكومة) ونوابه والوزراء ورؤساء اللجان المختلفة، والمدقق العام لهيئة المحاسبة الوطنية والأمين العام لمجلس الدولة، وانتخاب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وإقرار تسمية أعضاء اللجنة الآخرين، وانتخاب رئيس المحكمة الشعبية العليا والمدعى العام للنيابة العامة الشعبية العليا، كما أن له أيضا سلطة إعفاء هذه الشخصيات كلها من مناصبها، ولذلك ، فان الحكومة تستعد جيدا لهذه الاجتماعات.
الائتلاف الحزبي المكون من تسعة أحزاب بقيادة الحزب الشيوعي، يعكف كوادره الأكفاء طوال العام على تقديم مقترحات للتطوير والتنمية على جميع المستويات وفي المقدمة منها الاقتصادي، وتصل المناقشات ذروتها عندما تقدم لأعضاء المؤتمر الاستشاري لنواب الشعب لكي يتم إجراء مزيد من المناقشات، ثم تعرض الخطة على نواب الشعب خلال الدورتين السنويتيين لكي يشاركوا سواء بالإضافة أو التعديل، لكي تخرج القرارات فيما بعد وقد اكتسبت توافق مع جميع أفراد الشعب.
وتبلغ الدورتين السنويتين من الأهمية للدرجة التي تعتبر أكثر ما يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين وعلاقة الصين بالخارج وسياسات الاقتصاد والإدارة، تستطيع أن تقول باختصار إنهما كشخص يجهز الدولة كلها لرحلة سفر طويلة لن يعود للمنزل إلا بعد سنة، وعليه أن يحسن إعداد الزاد والزوادة حتى لا يواجه الصعاب خلال تلك السنة، ومصطلح الدورتين السنويتين هو عبارة مختصرة للجلسات العامة التي يعقدها اثنان من أهم الأجهزة الوطنية بالصين هي المجلس الوطني لنواب الشعب أعلى هيئة تشريعية في الصين ويصل عدد أعضاءها إلى 3000 عضو ممثلين لجميع القوميات ويُنتخبوا كل خمس سنوات من أعضاء المجالس المحلية بالمقاطعات الذين كان الشعب قد انتخبهم من قبل، والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، والمؤتمر جهة رسمية تتكون من قرابة 90 عضوًا وتتولى التنسيق بين الأحزاب المختلفة ومن بينها الحزب الشيوعي الصيني وممثلي القوميات للتشاور بقيادة الحزب الشيوعي حول الخطط المستقبلية للبلاد، ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ناقش المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني كثير من القضايا التي تهم البناء الاقتصادي والحياة السياسية والحياة الاجتماعية والجبهة الوطنية المتحدة، وعبر هذه المناقشات التشاورية المستفيضة بمختلف المجالات وتبادل الآراء تأتي سياسات الدولة ولوائحها أكثر ثراء واكتمالا، وهو الأمر الذي يتفق مع متطلبات ورغبة أغلبية الشعب، ويحترم الآراء الصائبة للأقلية، ولعل التشاورات السياسية قبل اتخاذ القرارات إحدى خصائص نظام الديمقراطية الاشتراكية الصينية.
حقيقةً إن النموذج الصيني في الحكم والإدارة يستحق أن تتعلم منه الدول، وأن يزيل البعض الغمامة من فوق عينه كي يبصر الحق ويرى كيف تقدمت الصين، بدلًا من مهاجمتها دون طائل مستخدمًا حججًا وذرائع ليس لها أساس من الصحة.
*صحفي مصري بمؤسسة الأهرام – باحث في الشؤون الدولية ومتخصص بالشأن الصيني