الحزب الشيوعي الصيني على أعتاب المئوية الثانية
موقع الصين بعيون عربية-
د. سمير حمدان*:
جرت في النهر مياه كثيرة منذ الاعلان عن انتصار الاشتراكية كنظام بديل للرأسمالية في العام 1917 على يد قادة الثورة البلشفية في روسيا . وكان الحزب الشيوعي الصيني من الأحزاب التي تسعى للسلطة لتطبيق الاشتراكية في الصين وتحرر الشعب الصيني من الاستعمار المقيت . وكان للشعب الصيني ما أراد بانتصار ثورته بقيادة الحزب قبل أكثر من سبعين عاما . وهكذا نستطيع القول أن ثلاثة أجيال أو أكثر لم تعرف سوى العيش في الصين الجديدة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني . لقد مر العالم في الثلاثين سنة الأخيرة بمتغيرات بالغة التأثير على العالم ككل. فقد انهارت الاشتراكية في مطلع التسعينات كنظام عالمي ممثلا بالاتحاد السوفييتي وحلف وارسو . وهنا بقيت الصين وحيدة مكشوفة الظهر وبقيت الاشتراكية في بلدان تعد على أصابع اليد الواحدة . وفي نفس الوقت تعاظمت قوة الحلف الرأسمالي بأن انضمت إليه منظومة دول ما كان يسمى بحلف وارسوا وأصبحت جزأ من الاتحاد الأوروبي .
وهكذا كان على الصين أن تواجه خطر وجودي غير مسبوق وأن تعيد النظر في دراسة خارطة العالم وأن تشق لنفسها طريقا خاصا يحفظ هويتها الوطنية وكان لها ما أرادت بعد تغلبها على منظومة من التحديات .
ففي المجال العسكري حققت الصين تطورا مهما باعتمادها على جهود وخبرات أبنائها حيث تمكنت من بناء جيش شعبي قوي مسلح بكل متطلبات القوة التي تمكن الدولة من الدفاع عن حدودها في وجه أي من الغزاة الجدد .
وترافق هذا النهج مع محاربة الأمية والفقر في البلاد على مدى السبعين عاما الماضيية ، حيث أعلن مؤخرا عن انتهاء مشكلة الأمية والفقر . وتتربع الصين الآن على المراكز الأولى في كل المقاييس العالمية المتعلقة بجودة التعليم .
وفر هذا التفوق العلمي الأرضية لتقدم اقتصادي في تجربة هي الأولى من نوعها وأعني المزاوجة بين الاشتراكية وآليات السوق حيث غدت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأصبحت نموذجا لنجاح الإرادة والتحدي . لقد مارست الرأسمالية بقيادة أمريكا كل أشكال التضيق لمنع الاقتصاد الصيني من التمدد والتقدم ، تارة من خلال قوانين الحماية وتارة من خلال سياسة العقوبات البائسة وتارة من خلال إثارة القلاقل مثل نبش قضية الايغور والاستثمار بها سياسيا ، وتارة من خلال اللعب في مسألة تايوان وهونغ كونغ .
تعاملت قيادة الحزب بهدوء وروية ولم تنجر خلف سياسات التهديد والوعيد وبقيت تبني على النجاحات إلا أن أصبحت الآن قوة عصية على الاختراق وتتصرف بكل حكمة وثقة بالنفس . ولعل مشروع الطريق والحزام الذي يهدف إلى ربط الصين في العالم من خلال طرق برية وبحرية وجوية بعيدا عن الهيمنة الأمريكية . وقد رصدت المليارات لتطوير البنى التحتية في تلك البلدان بما يعود بالنفع على شعوبها. وقد أتت تلك النجاحات أكلها حيث جن جنون ادارة ترامب وثارت عصيبتها وحاولت عزل الصين لكن دون فائدة .
وفي المقابل لم تنجر الصين إلى أي حرب خارج حدود ترابها الوطني وبقيت تحافظ على سمعتها كقوة دولية تسهم في حفظ السلام والأمن الدوليين وتحارب الإرهاب حيثما تمكنت من ذلك .
ولعل موقفها من الحرب على سوريا خير دليل . حيث أثبتت التجربة أن الصين قوة دولية ذات أثر بالغ ولا يستطيع الآخرون تجاوزها.
وفي مجال الفضاء تحقق الصين تقدما ملحوظا على نظيراتها العاملة في هذا المجال حيث من المأمول أن تكون الصين الدولة الأولى في ارسال مكوك فضائي مأهول للمريخ .
نحن على ثقة أن المؤمرات على الصين لن تتوقف بل ستزداد شراسة ولكن الحزب الذي استطاع أ ن ينجز كل هذا البناء لقادر على المواجهة والانتصار .
ومن موقع المحب والصديق للصين لا بد من مد جسور التعاون مع البلدان العربية وفي كل المجالات ومن ضمنها وأهمها اللغة . يجب تسريع نشر اللغة الصينية في منطقتنا من خلال المعاهد والمؤسسات ومن خلال الاتفاقيات الثنائية . وهذا يتطلب دورا أكبر للسفارت الصينية وأن يكون التبادل الثقافي من أولى أولوياتها .
لم يكن لأمريكا وبريطانيا بالذات أن يكون لهما كل هذه القوة والتأثير في منطقتنا لولا سفيرتهم اللغة الإنجليزية وهي متطلب إجباري للوظائف في بلد صغير كبلدي الأردن .
كل الأمنيات للحزب الشيوعي الصيني وللشعب الصيني الصديق بدوام التقدم والازدهار وهما يخلان المئوية الثانية نحو عالم أكثر أمنا وسلما وازدهاراً.
*باحث وكاتب من الأردن، متابع للشأن الصيني