صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي الصيني(2) قصص بطولية خالدة وملهمة في تاريخ الحزب
موقع الصين بعيون عربية-
أسامة مختار*:
خلال نضالهم العظيم والشاق،من الجبال إلى السهول قاتل الشيوعيون الصينيون بكل شجاعة وخاضوا معارك ضارية واستبسلوا ، حاملين على عاتقهم آمال الأمة الصينية في النهوض وعبر هذه المسيرة الطويلة لنيل استقلالهم وبناء الصين الجديدة ،خلَّد الحزب الشيوعي قصصا وبطولات وتضحيات لشخصيات قوية من رحم هذا الشعب أبناء، وأزواج، وآباء،وإخوة نتطرق لنماذج قليلة منها في قصص متناهية القِصر.
في 28 أبريل/ نيسان عام 1927، اُعدم لي دا تشاو شنقا، أحد كبار مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني ،على يد أحد أمراء الحرب. كتب لي عن نفسه في السجن مُودِعا كلمات خالدة.
(منذ صباى كرستُ نفسيَ في سبيل قضية التحرر الوطني. أطبق ما أؤمن به، وأفعل ما أعرفه، لاوقت لي لفعل شئ سوى الانهماكِ بما يجب القيام به).
في ساحة لونغهوا للإعلام بشانغهاي، طُلب من تشن يان نيان أمين لجنة الحزب بمقاطعة جيانغسو الجثو على ركبتيه ، لكنه ردَّ بصوتٍ عال: إن الثوري ُيواجه الموت واقفا ولا يجثو أبدا. يالها من جسارة ! وبعد استشهاده بأقل من سنة، اُعدم أخوه الصغير تشن تشياو نيان، مدير التنظيم بلجنة الحزب في مقاطعة جيانغسو، أيضا في شانغهاي، وهو في سن السادسة والعشرين من عمره.
قصة أخرى في ووهان، بطلتُها المناضلة الشيوعية شيانغ جينغ يوي، التي صَمدتْ أمام أقسى اختبارات التعذيب. وفي الطريق إلى ساحة الإعدام، قاموا بملء فمها بالأحجار وإغلاقِه بحزام جِلدي، لمنعها من الكلام ، عند سماع خبر استشهادها، كتب زوجها السياسيّ الثوريّ وأحدُ مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني تساي خه سين مقالا سطَّر فيه هذه الكلمات: جينغ يوي العظيمة، جينغ يوي الشجاعة ، لم تموتي، وستبقين حية للأبد. لستُ الوحيدُ الذي أُحبك، بل يُحِبكُ جميعُ البروليتاريين في الصين للأبد!
في ذلك الوقت، خيَّم الإرهاب الأبيض على كل أنحاء البلاد. لكن، كما قال ماو تسي دونغ، إن “الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني لم يخضعوا للإرهاب والإذلال، بل وقفوا على الأرض، وأزالوا آثار الدماء من أجسادهم، ودفنوا رُفاة زملائهم، وواصلوا القتال”.
في فجر الأول من أغسطس/ آب عام 1927، بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، انتفض أكثر من 20 ألفا من الضباط والجنود في مدينة نانتشانغ، أطلقوا الطلقة الأولى لقتال رجعيي الكومينتانغ. أظهرت انتفاضة نانتشانغ، بالدم والنار،عزيمة الشيوعيين القوية لمواصلة الثورة حتى تُحققَ أهدافُهم، ومثلت البداية لقيادة الحزب الشيوعي الصيني بشكل مستقل للحرب الثورية وتأسيس الجيش الشعبي وتولي السلطة بالبندقية قبل الانتفاضة.
في ذلك الحين أعاد ماو زوجته يانغ كاي هوي إلى مسقط رأسها ببانتسانغ في هونان، لكنها اُعتقِلتْ في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1930، وطُلِبَ منها الإبلاغُ عن مكان ماو تسي دونغ وإعلان انفصالها عنه. لكن يانغ قالت: استشهادي لا يَهُم…لكني لن أُنهي علاقتي الزوجية مع ماو حتى وإن جفتِ البحارُ، وتفتتتِ الصخور وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، قُتلت يانغ كاي هوي في مدينة تشانغشا، وهي في الـتاسعة والعشرين من عمرها.
في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1931، تأسست الحكومة المركزية المؤقتة لجمهورية الصين .في رويجين بمقاطعة جيانغشي في جنوب الصين تكونت أول سلطة ديمقراطية وطنية للعمال والفلاحين في تاريخ الصين، كما أنها مثلت تجربة مهمة لتولي الحزب الشيوعي الصيني الحكم في بعض أجزاء البلاد. أسهم تأسيس هذه الحكومة في تعزيز بناء القواعد الثورية وتوسيع تأثير الحزب والسلطة السياسة والمسيرة الكبرى من أجل حفظ القوى الثورية لمقاومة العدوان الياباني على الصين آنذاك.
وصل الجيش الأحمر الصيني للعمال والفلاحين تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني الى مقصده في مقاطعة شنشي شمال البلاد بعد مسيرة قطع خلالها 12500 كيلومتر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1934 الى أكتوبر/ تشرين الأول عام 1936. وأصبحت هذه المسيرة تعرف فيما بعد باسم “المسيرة الكبرى”. كانت مسيرة مملوءة بالأشواك، اجتازخلالها 20 من الجبال الشامخة المغطاة بالثلوج، معظمها يبلغ أكثر من 4000 متر فوق سطح البحر واخترق مستنقعات وهضابا وبِرك، انتصر على الغزاة اليابانيين وحزب الكومينتانغ على التوالي تحت دعم الشعب الصيني القوي.
دبر حزب الكومينتانغ أربعة خطوط للحصار، بعد معرفة خطة الجيش الأحمر للاختراق عام 1934م ، ولما اخترق الجيش ثلاثة منها، أتى شيانج كاي شيك إلى نانتشانغ شخصيا ،وهورئيس حزب حزب الكومنتانج في ذلك الوقت والمعارض لجمهورية الصين الشعبية والذي كان متحالفا مع القوى الغربية، وحشد شيانج أربعمائة ألف جندي على ضفتي نهر شيانغجيانغ لتطويق الجيش الأحمر وإبادته.لحماية القوات الرئيسية، عملت الفرقة الرابعة والثلاثون كحرس عام للمؤخرة فاستشهدت أغلبيتُها، منهم قائدها تشن شيو شيانغ الذي قبض عليه بعد إصابته بجراح بالغة ، وأخرج أمعاءه وقطعها بنفسه حتى استشهد ، وكان عمره 29 سنة فقط.
في أغسطس/ آب عام 1935، وصل الجيش الأحمر المركزي نهر بانيو أخيرا بعد قطع الهضبة الرطبة لسبعة أيام كاملة.عند اجتياز الهضبة الرطبة، عانى تشو أن لاي من خراج الكبد القيحي وارتفاع في درجة الحرارة. بادر تشن قنغ ويانغ لي سان إلى حمل تشو أن لاي بنقالة للخروج من الهضبة الرطبة ، وبعد أكثر من عشر سنوات، لما وصل تشو أن لاي خبر وفاة يانغ لي سان بسبب المرض، شعر بشدة الحزن فحمل تابوته شخصيا. قال تشو أن لاي منفعلا: “نحن شيوعيون ملحدون، ولكن لسنا عديمي العواطف. يانغ لي سان أنقذني من حافة الموت بحمل نقالة. إذا لم أوصله اليوم، فسيتكلم الموتى …”
أغسطس/ آب عام 1935، وصل الجيش الأحمر المركزي نهر بانيو أخيرا بعد اجتيازه الهضبة الرطبة لسبعة أيام كاملة.عند عبور النهر، أرسل بنغ ده هواي الجنود ليعودوا إلى الضفة المقابلة لمساعدة 700 رفيق تخلفوا عن الصفوف. عندما نظرالجنود عبر التلسكوب، وجدوا أن زملاءهم المتأخرين يجلسون متكئين على ظهور بعضهم البعض في هدوء وبدون تحرك، عندما اقتربوا منهم ، وجدوهم جميعا قد استشهدوا.. كان هذا أكبر عدد تم تسجيله من ضحايا اجتياز الهضبة الرطبة. حتى يومنا هذا، لا يزال الأبطال السبعمائة جالسين في مكان استشهادهم ، والأرض الجرداء تبقى صامتة من أجلهم، بينما يغني ويردد نهر بانيو المتدفق اللامتناهي أغنية الأبطال.
قاد ماو سي دونغ المعارك خلال التنقل بين الوديان الشاسعة بهضبة اللوس، إبان حرب التحرير في شمال غربي الصين ، والصين بأكملها. ذات مرة، تعرضت سيارته للقصف من قبل طائرات العدو ،قال الزعيم ماو مازحا بعد أن صعد في السيارة :- شيء جميل أضاف القصف زهرةً على سيارتي حيث تركت آثار الرصاص على زجاج السيارة المتصدع شروخا على شكل زهرة.
في 23 فبراير/ شباط عام 1940، استشهد يانغ جينغ يو، القائد العام والمفوض السياسي لجيش الطريق الأول للجيش المتحد للمقاومة في شمال شرقي الصين، خلال عملية ملاحقة للجيش الياباني استغرقت أربعين يوما. وعندما قام الجيش الياباني بتشريح جثة يانغ جينغ يو هذا المقاتل الصامد، ولم يجد في معدته حبة واحدة من الغذاء، باستثناء لحاء أشجار وجذور نباتات وقطن. فقال ضابط ياباني شارك في عملية ملاحقة يانغ جينغ يوي متأثرا: ما دام في الصين مقاتلون صامدون مثل يانغ جينغ يو، فإن الصين لن تغلب ولا تقهر!.
في 18 مارس/ آذارعام 1943، اضطلعت السرية 4 للواء 3 من الجيش الرابع الجديد بمهمة انسحاب المدنيين من قرية ليولاوتشوانغة من الفجر حتى المساء ، وتقاتلت مع العدو ولما نفدت ذخائرهم، ركبوا الحراب وطاعنوا العدو بالسلاح الأبيض، حتى استشهدوا جميعا وعددهم 82. غطى أهالي القرية جثث الشهداء وبنوا لهم مقبرة شامخة، واختاروا من أبنائهم 82 شخصا لإعادة تشكيل السرية 4. ومنذ ذلك، سميت السرية باسم “سرية ليولاوتشوانغ”.
في يناير/ كانون الثاني 1947، حاصرت قوات الكومينتانغ قرية يونتشوشي الصغيرة. أمام مقصلة العدو كانت الصبية ليو هو لان ،شجاعة لم تستسلم، فاستشهدت ببسالة سأل ماو سي دونغ “هل هي عضو في الحزب الشيوعي الصيني؟” أجاب رن بي شي، “كانت عضواً مميزاً في الحزب، عمرها 15 سنة فقط.” تأثر ماوسي دونغ بعمق وكتب أربع كلمات في حقها (حياتها عظيمة، وموتها مشرف)
في ذروة المعارك، منعت مياه نهر ون المتدفقة بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين تقدم إحدى الوحدات من الجيش الميداني، وسرعان ما قامت أكثر من 30 امرأة محلية بخلع أبواب منازلهن على الفور، وقفزن في النهر البارد، وشكلن “جسرا بشريا على أكتافهن . قال الجنود “لا يُمكننا عبور النهر على أكتاف الرفيقات ولكنّهن أصررن على ذلك كسبا للوقت ” فانهمرت دموع الجنود ،وهرولوا على الجسر العائم المميز ، على أكتاف الرفيقات“
في 25 مايو/ آيّار 1948، أثناء معركة تحرير محافظة لونغهوا، هرع رئيس الفرقة دونغ تسون روي إلى أسفل الجسر حيث كان العدو عليه، وثبت حزمة الديناميت بيديه على الجسر لفتح طريق النصر مضحيا بنفسه.
في إبريل/ نيسان 1949، رفضت حكومة الكومينتانغ التوقيع على “اتفاق السلام داخل البلاد” الذي توصل إليه الجانبان المتضادان.أصدر ماوتسي دونغ ،وتشو ده “أمر التقدم إلى جميع أنحاء البلاد”. شن جيش التحرير الشعبي معركة عبور النهر. اتجه القارب الهجومي إلى الأمام وسط وابل من الرصاص، وتفاجأ الجنود عندما وجدوا أنّ قائدة دفة القارب كانت فتاة صغيرة تبلغ 14عاما فقط، واُصيبت برصاص العدو في تلك الليلة بينما استطاعت نقل ست دفعات من جنود جيش التحرير الشعبي وما أشجعَها من صغيرة !.
القصص البطولية عن الرموز التاريخية العظمى التي غيَّرت تاريخ الصين الجديدة كثيرة ومثيرة ،أكتفي بهذه النماذج المختصرة ، وتتواصل هذه الصفحات….
*إعلامي سوداني مقيم في الصين-
مجموعة الصين للإعلام