موقع متخصص بالشؤون الصينية

ضرورة تفعيل الحوار المباشر بين الحضارتين العربية و الصينية

0


صحيفة الشعب الصينية:
بقلم وليد عبد الله، باحث تونسي في بكين:
تعقد غدا الثلاثاء 26 ديسمبر 2011 الدورة الرابعة من منتدى الحوار بين الحضارتيْن العربية والصينية في إمارة أبوظبي، ومن المتوقع أن تناقش سبل تطوير الحوار الحضاري والتبادل الثقافي بين العالم العربي والصين. غير أنه قبل التفكير في سبل تطوير الحوار بين الجانبين تعد مراجعة واقع الحوار الحضاري والتبادل الثقافي بين العالم العربي والصين أمرا لابد منه، لتوضيح الإيجابيات و تثمينها و الإشارة إلى النقائص و تداركها، ومعرفة إلى أين وصلنا و ماذا تبقى لنا، لكي نؤسس حوارنا الحضاري على أسس متينة، ونختار إتجاه الحوار الصحيح.

1- نعم! هناك تقدم في مستوى الحوار، لكنه غير كافي

ساهمت سياسة الإصلاح والإنفتاح الصينية في فتح نوافذ بيت الثقافة الصينية على جهاته الأربعة، حيث إنطلقت الثقافة الصينية في دورة حضارية جديدة على مبدأ التأثر والتأثير، وإن ما ميّز تجربة الإنفتاح الصيني على المستوى الثقافي عن غيرها من تجارب الإنفتاح في دول العالم الثالث وحتى الدول المتقدمة هو عدم ميلها كل الميْل نحو ثقافة بعينها، و رغم وجود تفاوت في درجات الإنفتاح على الثقافات إلا أنه يمكن القول أن الصين قد “عدلت في ماتملك”، لكن بقي أن الثقافات التي إستفادت أكثر من الإنفتاح الصيني هي الثقافات التي إرتكزت على أسس إقتصادية وعلمية وتكنولوجية لاتتوفر بنفس القدر في الثقافات الأخرى. الثقافة العربية كانت إحدى الثقافات التي شملها الإنفتاح الصيني، حيث تدرس اللغة العربية في أكثر من نصف عدد الجامعات الصينية، و يقبل على تعلمها شريحة واسعة من الصينيين، وإذا إستثنينا اللغة الإنغليزية التي تعتبر لغة العصر، فإن حظوظ اللغة العربية ومكانتها في الصين تعد على قدم المساواة مع اللغات العالمية الهامة الأخرى كالفرنسية والأسبانية، بل يمكن القول أنها في وضع متقدم على الروسية والألمانية والإيطالية، و تبتعث الجامعات الصينية سنويا مئات الطلبة الصيينيين إلى مختلف الدول العربية لتعلم اللغة العربية، كما تبتعث المدارس الإسلامية والمساجد الصينية بعثات طلابية إلى الجامعات العربية لدراسة العلوم الدينية.

زد على ذلك حضور اللغة العربية في غالبية مراكز تعليم اللغات الأجنبية وشركات الترجمة في الصين، هذا بالإضافة إلى ما تشهده اللغة العربية من أهمية متزايدة في وسائل الإعلام الصيني، حيث توجد أكثر من قناة وإذاعة صينية ناطقة باللغة العربية على غرار قناة “سيسي تي في” العربية وإذاعة الصين الدولية، وعدة صحف تنشر باللغة العربية مثل صحيفة الشعب اليومية و مجلة الصين اليوم و شبكة الصين إلخ، هذا إلى جانب أعدادا لاتحصى من مواقع الشركات والمنظمات والجمعيات الصينية باللغة العربية، أما عن الترجمة والأبحاث ، فالكتب المتعلقة بالتاريخ والحضارة و الأدب و الشؤون العربية لاتخلو منها مكتبة عمومية أو خاصة بل و قارعة الطريق أيضا، من تراجم القرآن والسنة إلى أمهات كتب فلاسفة العرب المسلمين كالفرابي و إين سينا وإبن خلدون، ومن كتب التاريخ والأدب إلى كتب السياسة وسائر العلوم الإجتماعية وكتب السياحة والترفيه، إذ يمكنك أن تجد عن العرب كل ماتريد إلا الذي يغيب عن ذهنك. وكذلك الحال مع الدراسات العربية، حيث يُدرس التاريخ والحضارة العربية الإسلامية في العديد من مناهج الجامعات وخاصة الجامعات الكبرى كجامعة بكين وجامعة الشعب، إلى جانب وجود مراكز بحوث ودوريات تعنى بشؤون المنطقة العربية. هذا الى جانب الآليات الرسمية التي تعمل على تعميق الحوار الحضاري بين العالم العربي و الصين، وخاصة الآليات التي إنبثقت عن منتدى التعاون العربي الصيني الذي تأسس في عام 2004 و منها منتدى العلاقات العربية الصينية والحوار بين الحضارتين العربية و الصينية ومؤتمر الصداقة الصينية العربية ومنتدى التعاون الإعلامي الصيني العربي، إلى جانب تبادل إقامة الفعاليات الثقافية.

الجانب العربي رغم أن إنفتاحه على الصين لم يكن بالزخم الذي كان عليه الإنفتاح الصيني على العالم العربي إلا أن إنفتاح هذا الأخير على الصين بدأ يتزايد شيئا فشيئا في الفترة الأخيرة خاصة مع تنامي وزن الصين الإقتصادي والسياسي في العالم. حيث أصبحت الكثير من الدول العربية تهتم بتعليم اللغة الصينية، وقد إنطلقت تونس ومصر والسودان في تدريس اللغة الصينية مبكرا، وعلى مدى العقدين الأخيرين كان هناك بعثات طلابية سنوية من هذه البلدان إلى الصين لتعلم اللغة و الثقافة الصينية، واليوم تعتبر اللغة الصينية أحد اللغات التي تلقى إقبالا كبيرا من الطلاب في مصر، حيث دخلت اللغة الصينية العديد من الجامعات المصرية على غرار جامعة القاهرة و عين شمس، وجامعة الأزهر، وفي تونس تم إدارج اللغة الصينية مادة إختيارية في المعاهد الثانوية و تدرس في الجامعة أيضا. كما أنشأت عدة دول عربية معاهد كونفوشيوس الصينية على غرار مصر والمغرب والأردن.

وتستقبل الصين سنويا وفودا طلابية كبيرة من اليمن والسعودية ومصر و الجزائر و السودان وتونس …، لدراسة مختلف التخصصات. كما شهدنا في السنوات الأخيرة ظهور بعض المراكز البحثية العربية التي تهتم بالشؤون الصينية، وإتجاه بعض المراكز العربية المهتمة بالشأن الدولي لإيلاء إهتمام أكبر بالصين، على غرار مركز الأهرام للترجمة والنشر الذي أعلن في الصائفة الماضية عن نيته التركيز على شرق آسيا خاصة الصين واليابان.

المجهودات المبذولة من الجانبين العربي والصيني في الإرتقاء بمستوى الحوار الحضاري بينهما والواقع الراهن للحوار الحضاري العربي الصيني إذا تناولناهما من زاوية التدرج الزمني يمكن القول أنهما حققا تقدما ملفتا، خاصة بعد الإنقطاع شبه الكامل لقنوات الحوار بين الجانبين بداية من القرن 17 إلى أوائل القرن 20، عندما سيطر الغرب على كل الطرق التجارية البرية والبحرية الفاصلة بين الشرق الأدنى والأقصى، لكن إذا ماقارنا ذلك بالمستوى الذي كان عليه الحوار العربي الصيني في عصور متقدمة من التاريخ (ق 7 م –ق 17)وإسهامات هذا الحوار في الحضارة الإنسانية فإن مستوى الحوار الحضاري الحالي بين الجانبين أقل ما يقال فيه أنه متواضع. وإذا نظرنا إلى مستوى الحوار الحضاري للجانبين مع الحضارة الغربية فسنعرف أيضا أن مستوى الحوار الحضاري بين العرب والصين مازال متأخرا عن نظرائه، وهذا في الحقيقة إجحاف في حق الحضارتين العربية والصينية اللتان تعدان إثنتان من أعرق وأثرى الحضارت الإنسانية، كما يعد في الآن نفسه بخل على الحضارة الإنسانية بما سيتيحه تفعيل الحوار بين الحضارة العربية والصينية من فوائد.

2- صورة غامضة ومعرفة خرافية

رغم نسق العولمة المتسارع، و تحويلها العالم إلى فضاء دون مسافات ولاتضاريس جغرافية، إلا أن الغموض مازال يكتنف صورة الثقافة العربية عند الصينيين والعكس صحيح، فنتيجة لقلّة الإحتكاك بين الحضارتين في الوقت الحالي سيطرت الأفكار السطحية والغريبة أحيانا على تصور كل طرف عن الآخر، فتجد العربي يشبه كل مالايفهمه باللغة الصينية، ويستغرب ويتعجب من شكل الرموز الصينية، بل ويراها مضحكة أحيانا، ويشببها بالعديد من الأشكال الفوضوية والهلامية.

الصينيون كذلك يتعجبون من الأحرف العربية ويستغربون كتابتها من اليمين إلى اليسار، ومن شكل الكلمات التي يرونها شبيهة بأثر الدود.

الأسماء العربية و الصينية هي أيضا محل إستغراب من الطرفين حيث يعسر على الصيني نطق العديد من الأسماء العربية وخاصة منها المركبة كما تثير الأسماء الصينية دهشة العربي ولايمكنه نطقها بسهولة، و لازلت أذكر معاناة أستاذتي الصينية عندما تنادي أسماء الطلبة، حيث كانت لاتستطيع قراءة أسماء عدة زملاء ، فقررت عدم مناداتهم وفي كل مرة تصل إلى أسمائهم تكتفي بالنظر إليهم إن كانوا موجودين أم لا، ويحضرني أيضا مشهد طريف لأحد مراسلي قناة الجزيرة في بكين كان قد أعاد أحد الأسماء الصينية مرة تلو المرة ولم يستطع نطقه، وقد تم تداول هذا التسجيل على شبكات التواصل الإجتماعي بكثرة. من مظاهر الغموض الجلية أيضا هي عدم معرفة عامة الصينين للكثير من الدول العربية، حيث يسألك أحدهم من أي بلد أنت ؟

فتجيبه ، فيقول لم أسمع عنها، هل هي في أوروبا أم أمريكا؟ وإذا أجبت بأنك من البلاد العربية فكثيرا ما يقول لك مخاطبك الصيني،هل أنت من إيران أو تركيا؟ و يدهشك أحيانا أحدهم في الصين بسؤال كهذا، هل ستعود لبلادك للإحتفال بعيد الربيع؟ ظانا أن الدول العربية هي أيضا تحتفل بعيد الربيع الصيني. والأمثلة الدالة على ضبابية الصورة و المعرفة السطحية المتبادلة كثيرة، لكن يبقى السبب واحد، هو عدم وصول الحوار الحضاري و التبادل الثقافي بين الصين و العالم العربي إلى مستوى يقشع الضبابة الرانية على صورة ثقافة كل طرف في عين الطرف الآخر، و يفصل نهائيا مع المعرفة الخرافية بين الجانبين، وينتج نصابا معرفيا عند الشعبين يليق بالحضارتين العربية والصينية.

3- إستيراد صورة الآخر: إستشراق الشرق لنفسه
لطالما كان الإستشراق يعبر عن نظرة الغرب للشرق، وكان هذا الأخير كتلة واحدة داخل هذا المفهموم، متحدا ومناهضا للنظرة السلبية والأفكار النمطية التي تبناها الغرب عن الشرق.

لكن يصح اليوم أن نصف النظرة السائدة بين الشرق الأقصى من جهة و الشرق الأدنى وشمال إفريقيا من جهة أخرى بالإستشراق أيضا لما تحتويه من قوالب جاهزة نقلت مباشرة من نظرة الغرب للشرق إلى نظرة الشرق لنفسه عبر لجوء الإنسان الشرقي لإستيراد صورة الإنسان الشرقي الآخر من الغرب.

إذ في الوقت الذي إنشغل فيه الشرق بمعالجة قضاياه الثقافية والسياسية والإقتصادية مع الغرب هُمشت العلاقة الحضارية بين الكتل الشرقية، هذا التهميش لم يكن متعمدا فقد ظلت الحضارات الشرقية تنظر إلى بعضها على كونها حضارات صديقة، لكن نظرا لأنها كانت ترى بأن قضيتها الأولى وصراعها الحقيقي مع الحضارة الغربية، سعت لإثبات وجودها أمامها وهمشت تواصلها الحضاري مع الحضارات الشرقية.

لذلك لانكاد نجد أثرا للحوار الحضاري بين الحضارة العربية والصينية خلال التاريخ الحديث و المعاصر إذا ما قارناه بحوار كلتا الحضارتين مع الحضارة الغربية، هذا الميل الكلي لدراسة الحضارة الغربية وتركيز العرب على الحوار العربي الغربي وتركيز الصينيين على الحوار الصيني الغربي، أفضى أولا: إلى إقصاء حضاريا متبادلا فلا الصينيون يدرسون العرب ولا العرب يدرسون الصينيين بالكيفية التي تليق بكل طرف، في المقابل ينهمك كل طرف في مقارنة نفسه بالحضارة الغربية ولايولي الحضارات الشرقية الأخرى ما تستحقه من عناية، فتجد هنا في الصين دروس حوار الأديان تتحول إلى حوار كونفوشيوبوذي – مسيحي، و حوار الثقافات يتحول إلى حوار كونفوشيوسي –غربي، و لايتم التطرق للحضارة العربية الإسلامية إلا في المراكز البحثية المخصصة للغرض. أما العالم العربي فتقريبا يتجاهل تماما الكونفوشيوسية والحضارة الصينية، ولايتطرق إليها لا في بحوث حوار الحضارات ولافي المراكز المختصة.

ثانيا: أفضى هذا الميل الكلي لدراسة الحضارة الغربية و الحوار الثنائي العربي الغربي و الصيني الغربي إلى فراغ سحيق في معرفة كل طرف للآخر، و في أزمة إنتاج معرفة ذاتية الصنع لكل ثقافة عن الآخرى، ولجأ كلا الطرفين إلى الغرب لسد هذا الفراغ المعرفي بينهما، وهنا نشأ ما نقصده “بإستشراق الشرق لنفسه” وإستيراد الصورة الثقافية للآخر. حيث لاتخلو نظرة العرب و الصينيين وكلاهما من الشرق من الأفكار الغربية في النظر لبعضهما البعض، هذا النوع من الإستشراق يحمل في أحشائه تناقضا صارخا، إذ كل طرف يدحض عن نفسه الصور النمطية والأفكار السلبية التي تكرست عند المستشرقين و وسائل الإعلام الغربية ، لكن في ذات الوقت يتبنى الكثير منها للنظر إلى الطرف الآخر وإصدار حكمه عليه. حيث لاتزال صورة العالم العربي في أعين الشرق آسياويين عموما والصينيون خصوصا منحصرة في الصحراء والجِمال والبادية، وإن تحدثت مع احدهم عن الثقافة العربية يذكر لك ألف ليلة وليلة وعلى بابا وجحا و الرقص الشرقي الذي تمثله الراقصة التي تغطي نصف وجهها وتكشف نفصف بطنها وترقص بخصرها، الغريب هنا أننا نجد بعضا من الأقلية العربية المتواجدة في الصين تستبطن هذه الأفكار بل وتستغلها في تجارتها عن طريق دغدغة هذه الصورة النمطية السحرية عن العرب المرسومة في أذهان الصينيين، فتجد أحدهم يفتح سلسلة من المطاعم العربية ويطلق عليها عنوان القصة الشهيرة “ألف ليلة وليلة”، ثم يؤثثه وفقا للصورة النمطية للعرب عند الصينيين ويأتي بالراقصة سالفة الذكر لإحياء السهرات، وآخر يسمي مطعمه الشرق ويضع على لافتتة صورة جمل، والأمر غير مقتصر على التجار العرب في الصين، بل حتى من الرسامين العرب من يتنقل عبر المطاعم والمقاهي ويرسم جداريات تصور المشاهد الصحراوية والخيم والبادية، وكأن مجال الثقافة العربية لايتعدى حدود الصورة التي علقت في أذهان الصينيين. من الآفكار النمطية الأخرى عن الثقافة العربية التي إنتقلت عبر الإستشراق الغربي إلى الصين هي إختزال الإسلام في بعض المظاهر و الأفكار من قبيل زواج الرجل المسلم بأربعة نساء ، والمرأة التي تلبس الأسود من رأسها إلى إخمص قدميها، وذكورية المجتمع العربي وعلاقة الثقافة والدين بالعنف، حيث نجد العديد من المراكز البحثية المعروفة التي تعكف على دراسة ظاهرة التطرف الديني، بينما تهمل المواضيع التي تمثل التيار الرئيسي للفكر والثقافة العربية. العرب أيضا لاتخلو معرفتهم للصين من تأثير خلفية ثالثة (غربية أوشرقية) حيث بالكاد نجد أقلية من المثقفين العرب لديهم معرفة بالصين تحمل علامة “صنع في العالم العربي” ، معرفة تكون نتيجة لما رأوه بأنفسهم في الصين لا لما سمعوه عنها، و رؤية تنطلق من واقع الصين وتبنى على حاجة العالم العربي للتعرف عليها دون وسيط. وهنا يمكن أن نميز بين مستويين من” المعرفة عبر الوساطة ” التي تهيمن على نظرة العرب للصين، أولا: تصنيف الصين وفقا للصراعات الإيديولوجية التي طبعت الحرب الباردة، وقرائتها ثقائفيا و فكريا وسياسيا ضمن نسق إيديولوجي معين، والنظر إليها على كونها لبنة داخل جدار أو موجة داخل تيار منزوعة الخصوصية، بالإمكان قراءتها من النظريات العامة المؤسسة للتيار الإشتراكي والشيوعي. ثانيا، النظر إلى الصين من وجهة نظر و مفاهيم غربية، بطريقة تتجاهل كون الصين وحدة حضارية تتداخل فيها عواملها التاريخية والثقافية والسياسية التي تكونت وتراكمت عبر آلاف السنين، وإختزال عملية فهمها و تقييمها في زاوية بعض المفاهيم غربية الطابع. وليس تشابه محتوى بعض التقارير الإعلامية العربية و الغربية المتعلقة بالصين وتركيز بعض المراسلين العرب في الصين على تغطية بعض القضايا التي يحبذها الإعلام الغربي و تتصيدها الحكومات الغربية من محض الصدفة، بل تندرج أيضا ضمن إطار “المعرفة عبر الوساطة”، و يدل على إفتقاد الجانب العربي لمنطلق وهدف خاصين به في معرفة الصين.

الحقيقة أن المشكلة لاتكمن في “المعرفة عبر الوساطة” كمفهوم ، خاصة وأن وساطة العرب في التاريخ القديم لعبت دورا كبيرا في تعريف أوروبا بمنجزات الحضارة الصينية مثل فن الطباعة وصناعة الورق و البوصلة إلخ، كما كانت الكونفوشيوسية أحد الوسائط التي إنتشر بها الإسلام في الصين، نظرا للقيم الإنسانية المشتركة التي تميزهمها. لكن المشكلة أن الوسيط الحالي(الغرب) الذي يمثل إلى حد كبير مصدر معرفة الصينيين للعرب والعكس صحيح، هو وسيط غير أمين نظرا للمطامع التي لديه تجاه العالم العربي والصين. لذلك فإن إعتماد الحضارتين العربية والصينية على وساطة الحضارة الغربية في معرفة بعضهما البعض، سيضر بعلاقة الحضارتين أكثر مما سينفعهما، حيث سينقل المشاكل الحضارية العالقة بين العالم العربي والصين من جهة و الغرب من جهة أخرى إلى داخل العلاقة بين الحضارتين العربية والصينية، كما سيعمق الهوة المعرفية و الأفكار النمطية بين هاتين الحضارتين، ويحول وجهة الحوار الحقيقي الذي يجب أن ينشأ بين حضارتين كانتا طوال التاريخ صديقتين، وكان دائما ما يجمعهما أكثر من ما يفرقهما.

ولهذا فإن العالم العربي و الصين في حاجة إلى تدعيم الحوار الحضاري المباشر، و مد جسور ثقافية متينة بين الجانبين، وعدم الإقتصار على العلاقات الإقتصادية، و”بيع وشراء ” الطاقة، أو تقييم مستوى العلاقات الثنائية بحجم التبادلات التجارية و الأرقام الإقتصادية، وإدراك أن التبادل الثقافي والإنساني والصداقة بين الجانبين إن كان علم الإحصاء لايقيمها بالنسب، فهي أيضا لا تقيم بثمن. وهي تبقى المقياس الحقيقي لعمق العلاقات بين الدول، كما أنها ليست منفصلة عن الإقتصاد أو السياسة، بل هي الضامن الحقيقي لبناء علاقات إقتصادية و سياسية قوية وطويلة المدى وقادرة على إجتياز إختبارات الزمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.