المصالح الصينية ــ العربية تنمو فى 2011 رغم التقلبات فى الشرق الاوسط
صحيفة الشعب الصينية:
بقلم فرحان جاو:
على الرغم مما شهده العالم العربي من اضطرابات عنيفة وتحولات مفاجئة خلال عام 2011، وصلت العلاقات الصينية ــ العربية إلى مستوى غير مسبوق وتواصل نموها بشكل سريع.
ــ حوار مع تاجرين صيني وعربي
ربط طريق الحرير بين الصين والعالم العربي في الماضي وجعل العلاقات التجارية بين الجانبين قديمة قدم التاريخ. وفي العصر الحديث باتت النشاطات التجارية بين البلدان العربية والصين تنمو باستمرار خاصة بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، حيث من المتوقع ان يتجاوز حجم التجارة بين الطرفين 150 مليار دولار أمريكي فى عام 2011، على ما ذكرت احصاءات صادرة عن وزارة التجارة الصينية.
وقال التاجر الصيني الشاب تشا يان جيو، وهو مسلم اسمه العربي علي شاه، لوكالة أنباء ((شينخوا)) ان البلدان العربية تتمتع بالثروات النادرة فى العالم لكنها تفتقر الى الصناعة والبني التحتية، مضيفا انه بعد الاضطرابات والتغيرات الشاملة فى المنطقة، ستتمكن الشعوب من تقرير مصيرها وتستفيد من مواردها، الامر الذي يرسي أساسا وأفاقا جديدة للتعاون بين الصين والعرب.
بدأ عمله التجاري بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية،ونمت تجارته مع البلدان العربية مع نمو الصين خلال السنوات الـ10 الأخيرة.
وقال علي، الذى كان يعمل موظفا بشركة هواوي للاتصالات ، قبل أن ينفصل عنها ويؤسس شركته الخاصة، إن الشركات والمؤسسات الصينية بدأت تشارك فى التجارة والاستثمارات الدولية قبل عشر سنوات بفضل انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وبفضل السياسة الميسرة، ازدادت الأعمال التجارية والتعاون بين شركة هواوي والبلدان العربية، خاصة مصر. وبجهوده الخاصة أصبح مسؤولا عن منطقة شمال افريقيا في الشركة.
وقال علي إن حجم التجارة بين شركة هواوي ومصر قفز منذ بداية الألفية الجديدة ليصل الى 3 ملايين دولار أمريكي. وبعد فترة، وجد ان الاسواق المصرية ضخمة خاصة فى مجال الهواتف النقالة، ففتح شركة خاصة للاتجار بالهواتف النقالة بين الصين ومصر. وبلغ حجم التجارة لشركته حاليا اكثر من 25 ألف دولار امريكي شهريا بعد ثلاثة اعوام من تأسيسها.
ومن جانبه، قال الدكتور مصطفى السفاريني ان الصين تتغير وتنمو يوميا فى المجالات الاقتصادية لكن مع الأسف لم تتطور البلدان العربية اقتصاديا خلال نصف القرن الاخير، مضيفا ان التغيرات الحالية فى العالم العربي تعكس ارادة الشعب فى ناحية سياسية. واضاف ان الشعوب فى المنطقة تريد تغيير النظام من اجل عيش حياة حرة وكريمة، مشيرا الى ان الاسواق العربية ستعتمد على التجارة مع الصين فى كل الظروف.
ويعيش الدكتور مصطفى السفاريني منذ أكثر من أربعين سنة فى الصين ويتحدث اللغة الصينية بطلاقة . وكان يعمل سفيرا لفلسطين لدى الصين ويتولى حاليا منصب رئيس لجنة الصين وجنوب شرق آسيا في منظمة التضامن الأفروآسيوية ورئيس المركز العربي للمعلومات. وقال السفارينى “دائماما أضل الطريق رغم أنني قضيت أكثر من أربعين سنة فى بكين لأنها تتطور بشكل سريع جدا”، مضيفا “ان الطرق السريعة والجسور وناطحات السحاب تبنى فى فترة قصيرة خاصة بعد انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية”.
وأكد الدكتور السفاريني ان نمو الصين يساعد الانتعاش الاقتصادي العالمي فى ظل الأزمات المالية فى انحاء اسواق الغرب، مشيرا الى ان “الصين تختلف عن الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، فهي لا تدعم دولة عربية ما من أجل نهب ثرواتها، وتتعامل مع الدول الأخرى تجاريا بمساواة، ولهذا تلقى ترحيبا كبيرا من قبل البلدان العربية”.
واضاف الدكتور السفارينى، الذى يعمل ايضا فى مجال التجارة بين الصين والشرق الاوسط ، ان السمعة الصينية المتميزة فى دعم الشعب العربي تركت مجالات واسعة للتعاون بين الجانبين رغم تغير الانظمة فى المنطقة.
ــ تأثير محدود للاضطرابات على نمو العلاقات التجارية
ربما من الصعب الوصول إلى رقم دقيق يوضح حجم الخسائر الصينية إثر التغيرات التي وقعت فى الشرق الأوسط . لكن حسب الاحصاءات فان الصين تكلفت 160 مليون دولار أمريكي لسحب مواطنيها من ليبيا. كما أن الخسائر بسبب توقف المشروعات والأجهزة وعمليات السلب والنهب في ليبيا على سبيل المثال تجاوزت 20 مليار دولار .
وأوضحت احصاءات صدرت عن جمارك مدينة ييوو بمقاطعة تشجيانغ جنوب شرقي الصين، وهي أهم المدن التجارية بين الصين والبلدان العربية، أوضحت أن قيمة الصادرات التي مرت من جمارك ييوو إلى الشرق الأوسط فى الفترة ما بين شهري يناير وأكتوبر الماضيين بلغت 2.621 مليار دولار أمريكي بنسبة 34.84 فى المائة من اجمالي الصادرات بين الجانبين، بنسبة انخفاض 1.87 فى المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
لكن هذه الأرقام لا يمكن أن تعكس العلاقا ت التجارية بين الجانبين بشكل عام، على ما قال نائب وزير الخارجية الصيني الاسبق يانغ فو تشانغ.
وقال يانغ ان حجم تجارة الصين مع مصر واليمن فى الفترة ما بين يناير وسبتمبر عام 2011 بلغ 6.6 مليار دولار أمريكي و3.1 مليار دولار أمريكي على التوالي، مشيرا إلى أن هذا يمثل تقريبا نفس حجم التجارة فى عام 2010.
وأضاف يانغ أن دولا مثل مصر وتونس، مهما كانت حكومتها، تعمل على تحسين البنى التحتية وتعزيز الاقتصاد ورفع معيشة الشعب، وذلك يشكل فرصة للشركات الصينية للمشاركة فى إعادة إعمار هذه الدول.
وأكد يانغ أن دول الخليج الغنية بالنفط ما تزال مركزا للتجارة الصينية العربية، وتأثير التغيرات التي يمر بها الشرق الأوسط على هذه الدول ضئيل. ولذا، يمكن القول ان أسس التجارة الصينية العربية لم تتغير.
وأظهرت احصاءات أن قيمة التجارة الثنائية بين الدول العربية والصين ارتفعت من 36.4 مليار دولار أمريكى فى عام 2004إلى 145.4 مليار دولار أمريكى فى عام 2010. ووصل الرقم إلى مستوى قياسي فى النصف الأول من العام 2011 مسجلا 120 مليار دولار أمريكى بزيادة 36 بالمائة على أساس سنوي.
وشهد حجم الاستثمارات المتبادلة بين الطرفين توسعا متواصلا ، حيث قامت الصين باستثمار أكثر من 15 مليار دولار أمريكى فعليا فى الدول العربية حتى نهاية العام الماضى، بينما وصلت قيمة استثمارات الدول العربية فى الصين إلى 2.6 مليار دولار أمريكى. وأصبحت الدول العربية أسرع سوق تشهد زيادة للتعاون الخارجي بالنسبة للمؤسسات الصينية.
ــ أفق مشرقة للتجارة بين الصين والبلدان العربية
ويعلق رؤساء ومسؤولون صينيون وعرب آمالا كبيرة على آفاق التعاون بين الصين والعالم العربي. وقد اعربوا عن اعتقادهم خلال تجمع صينى ــ عربى كبير عقد مؤخرا بأن الصين ستكون أهم شريك تجارى آمن للدول العربية.
وعقدت الدورة الثانية للمنتدى الصينى ــ العربى للاقتصاد والتجارة فى أواخر سبتمبر المنصرم بمدينة ينتشوان حاضرة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوى المسلمة شمال غربى الصين.
وقال الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية البحريني الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة خلال المنتدى، ان الصين والدول العربية تربط بينها مصالح مشتركة كثيرة، وان التبادلات التجارية بينهما تتحول تدريجيا من ممارسة التجارة إلى الاستثمار على أساس المنافع المتبادلة. وأشار إلى أن الدول العربية تعتقد أن الصين مقصد آمن للاستثمار.
ووقع الشيخ عبد العزيز بن جاسم آل ثاني من دولة قطر، الذى شارك في المنتدى للمرة الأولى، مع مسؤولين من مدينة ينتشوان على مشروع لانشاء الميناء العربى ــ الصينى لتبادل بضائع بقيمة تصل إلى 250 مليون دولار أمريكى، وذلك خلال مراسم توقيع المشروعات للمنتدى.
وقال ان “بيئة الاستثمار فى الصين جيدة وآمنة جدا والفرص فيها كثيرة… نشجع رجال الأعمال القطريين على الاستثمار فى الصين.”
ومن جانبه قال نائب وزير التجارة الصينى جيانغ تسنغ وي خلال المنتدى ان “الاقتصاد العالمى يشهد حاليا انتعاشا بطيئا، ولكن تأثيرات الأزمة المالية ما زالت مستمرة وآفاق النمو الاقتصادى العالمى تتمتع بعوامل غير محددة. وعلى هذه الخلفية، تواجه كل من الصين والدول العربية، وهما كتلتان اقتصاديتان ناميتان، مهمات أشق فى تنمية اقتصادها وتحسين معشية شعوبها.
لكنه أكد أن الطرفين يعتمدان على بعضهما البعض بشكل أوثق ويمكنهما تبادل تفوقهما فى مجالات الطاقة ورأس المال والتكنولوجيا والموارد البشرية.
وخلال هذه الدورة للمنتدى الصينى-العربى للاقتصاد والتجارة، تم الاتفاق على اقامة 164 مشروعا بين الصين والبلدان العربية بقيمة تصل إلي 32.9 مليار دولار أمريكي بما فيها 60 مشروعا تتجاوز قيمتها150 مليون دولار أمريكي.
وأظهرت الأرقام الصادرة عن معهد التمويل الدولي الصيني أن الطلب على الواردات لدول الخليج ارتفع 18 بالمائة في هذه السنة ليصل إلى434مليار دولار أمريكي.