موقع متخصص بالشؤون الصينية

حلف واشنطن لندن كنبرا: كيف ستتصدى له الصين؟

0

موقع الصين بعيون عربية-

محمود ريا*:

من الواضح أن قيام المزيد من الأحلاف العسكرية لا يساهم أبداً في تحقيق السلام والأمن في هذا العالم بل أن هذه الأحلاف  توتر الأجواء في الكثير من المناطق ولا سيّما تلك الأحلاف التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية والتي تهدف إلى محاصرة الدول الأخرى.

ويأتي الحلف الثلاثي الأميركي البريطاني الأسترالي الجديد المعتمد على الحرب الإلكترونية وعلى بيع أستراليا غواصات نووية ليخلق المزيد من المشاكل في منطقة جنوب شرق آسيا وفي المحيطين الهندي والهادئ لأنه يوتر الأجواء أولاً في تلك المنطقة أكثر ممّا هي متوترة نتيجة التدخل الأميركي، وتحريض بعض الدول على الصين فيما يتعلق بقضية بحر الصين الجنوبي، وثانياً يخلق توتراً أكبر بين الصين وبين أستراليا الجارة القريبة للصين والتي يفترض أن تكون العلاقات بينها وبين الصين علاقات إيجابية ومتطورة نظراً للمصالح المشتركة بين البلدين.

ويأتي التدخل الأميركي كالعادة لكي يخلق فرصاً أكبر للتوتر وللحرب الباردة في المرحلة الأولى وهذا يعني أن ما تقوم به أستراليا في هذا المجال هو خلق بيئة غير إيجابية وغير صحية في المنطقة وفي محيطها أيضاً، وهذا ما ينعكس سلباً بشكل كبير على أستراليا نفسها ولذلك نجد نوعاً من الإعتراض الواسع في داخل أستراليا للسياسة التي يعتمدها رئيس الوزراء موريسون والتي تعتبر سياسة منقادة بشكل كامل للولايات المتحدة الأميركية ولبريطانيا بعيداً عن المؤسّسات الدولية وعن السعي للحفاظ على السلام العالمي والسلام الإقليمي في المنطقة.

الصين مستاءة بشكل طبيعي من هذا التحالف لأنّ هذا الجو البعيد عن الإيجابية في المنطقة يشكل تهديداً أمنياً واسع النطاق للصين ويخلق بؤرة توتر أكبر في المنطقة، في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى أن تهدئ الأمور وتعالج المشاكل الموجودة بشكل سلمي ومن خلال التفاوض كما هو ديداً السياسة الخارجية الصينية في تعاملها مع القضايا العالمية ومع القضايا الإقليمية. لذلك الصين تحذّر أستراليا دائماً من أن السلوك الذي تنتهجه هو سلوك قد يصل إلى حد العدوانية، وهذا ما يجعل من أستراليا خارج إطار الصداقة المفترضة ويضعها في مكان الخصم وربّما العدو، وهذا يؤثّر بشكل كبير على الإقتصاد الأسترالي لأنّ قسماً كبيراً من صادرات أستراليا هو إلى الصين، ولذلك فإنّ أي مقاطعة صينية لأستراليا لن تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن تعوّض نتائجها بأي حال من الأحوال، وستجعل أستراليا في وضع إقتصادي صعب.

وتحاول الصين دائماً إفهام المسؤولين الأستراليّين أنّ إنجرافهم في السياسة الأميركية العدوانية والتي تسعى إلى الهيمنة ليس في مصلحة أستراليا ولا في مصلحة الشعب الأسترالي. وتقدم الصين الكثير من الدلائل على هذا الأمر وذلك من خلال العقوبات ومن خلال السدود التي تضعها أمام الكثير من المنتجات الأسترالية والتي تنعكس سلباً بشكل كبير على المواطن الأسترالي العادي، وهذا الأمر سيكون له إنعكاسات كبيرة. وطبعاً الصين ترد بشكل عملي على هذه السياسة الأسترالية بعيداً عن الموقف من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لأنّ الصين تتعامل مع هذه الأمور بشكل أكبر وعلى مستوى جيو-استراتيجي بعيداً عن المشاكل الإقليمية التي تثيرها أستراليا.

من المعروف أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحاول الإنسحاب من الكثير من مناطق العالم للتركيز على ما تسمّيه التنافس مع الصين وهو تنافس يصبح أكثر حدّةً مرةً بعد أخرى بشكل متصاعد، لذلك فإنّ ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية هو محاولة محاصرة الصين ووضعها في مكان صعب على المستوى الجيو-استراتيجي وعلى المستوى الإقليمي. ووجدت الولايات المتحدة الأميركية في الحكومة الأسترالية الحالية حليفاً طيّعاً ويمكن الإعتماد عليه من أجل جعل الصين في هذا الوضع الصعب، بغض النظر عن المصالح الحيوية للشعب الأسترالي ولأستراليا كدولة. فالولايات المتحدة الأميركية لا تنظر إلى مصالح حلفائها بقدر ما تنظر إلى مصالحها الذاتية وذلك ضمن شعار “أميركا أوّلاً” الّذي تخلّى عنه الرئيس جو بايدن نظريّاً بعد أن كرّسه الرئيس السابق دونالد ترامب، في حين أنّه ينفّذه عمليّاً من خلال ممارساته.

تعيش الولايات المتحدة الأميركية حالة رعب من الصعود الصيني ومن العلاقات الإيجابية الّتي تقيمها الصين مع مختلف دول العالم ولا سيّما في محيطها وفي منطقة المحيطين الهادئ والهندي، فهي تعمل على تسميم هذه العلاقات وخلق بؤر توتر لكي لا تستطيع الصين أن تستمر في نهوضها وفي صعودها المستمر إقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً وإجتماعيّاً، ومن أجل خلق مشاكل تضر العالم بمختلف دوله وتضر الصين أيضاً وذلك فقط من أجل تحقيق المصلحة الأميركية كما تراها الولايات المتحدة الأميركية.

يجمع المحلّلون والخبراء على إستحالة إندلاع حرب عسكرية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية ليس لأن الولايات المتحدة بعيدة عنالتفكير في خوض هذه الحرب، ولكن لأنّ أي حرب من هذا النوع هي حرب نهائية وقاضية فعلاً على الكرة الأرضية كلّها وليس فقط على الصين والولايات المتحدة الأميركية. من هنا يصبح الحديث عن حرب من هذا النوع نوعاً من تخيّل نهاية العالم، لذلك تحاول الصين دائماً أن تحل المشاكل عبر الحوار وأن لا تتصعّد الخلافات بينها وبين الولايات المتحدة إلى مكان يصل إلى ما يمكن تسميته بالحرب الباردة، لأنّ الحرب الباردة هي مقدّمة دائمة لحرب عسكريّة ولا يمكن لأحد السيطرة على الأوضاع في حال بدأ حرب باردة ومنعها من الإنزلاق إلى حرب عسكرية. ولكن في أدبيّات الصين الآن هناك تحذير من أنّ هذا الحلف الجديد هو بداية حرب باردة جديدة وهذا يعني الكثير للصين التي تريد أن تكون علاقاتها مع كل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية علاقات صداقة وعلاقات تنافس إيجابي من أجل مصلحة العالم ومن أجل بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية وليس علاقة تنافس حاد وخلافات قوية تضر بالإقتصاد الأميركي و الإقتصاد الصيني أيضاً وتضر بإقتصاد العالم بشكل كامل.

ما زال هناك إمكانية لدى الشعب الأسترالي بالتحديد لمنع الحكومة الأسترالية من الذهاب بعيداً في سياساتها التابعة للولايات المتحدة الأميركية والمؤدية إلى جعل أستراليا كبش فداء في أي نزاع إقتصادي أو حتى سياسي أو حتى عسكري بين الصين والولايات المتحدة الأميركية في منطقة المحيط الهادئ، ولا سيما أن الصين لمّحت في بعض الحديث الصحافي والإعلامي المسرّب إلى أن الغواصات النووية التي تعتزم الولايات المتحدة تزويد أستراليا بها تجعل أستراليا في موقع تلقّي ضربة نووية في حال إندلاع حرب نووية بين الصين والولايات المتحدة وهذا أمر سيّئ جدّاً بالنسبة للأستراليين وبالنسبة لمنطقة المحيط الهادئ والهندي بشكل كامل.

هنا على أستراليا والشعب الأسترالي أن يقرّر أن لا ينزلق أكثر فأكثر في هذه المعمعة التي تريد الولايات المتحدة الأميركية إسقاطه فيها، ويفكّر في العواقب الوخيمة لهذا السقوط وكذلك أن ينظر إلى كيفية تعامل الولايات المتحدة مع حلفائها، فهي تبيع فرنسا وتطعنها بالظهر من أجل صفقة إستراتيجية مع أستراليا، فما الذي يمنع أن تتخلّى الولايات المتحدة في يوم من الأيّام عن أستراليا من أجل مصلحة ما مع الصين أو مع دولة أخرى في المنطقة أو في العالم، وهذا ما يجب أن يلتفت إليه كل حلفاء الولايات المتحدة الأميركيةوهو أنّ هذه الدولة لا حليف دائماً لها.

*مدير موقع الصين بعيون عربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.