هل تنضم الصين إلى أمريكا ويصبح للعالم شرطيان؟
صحيفة الاقتصادية السعودية:
جوناس باريللو – برسنر وباراغ خان من بروكسل:
أثبت هذا العام نقطة ذروة للنمط الصيني في التعامل مع العالم. وأدى التقاء أزمة ديون أوروبا مع تراجع ميزانية الدفاع الأمريكية إلى إيجاد توقعات متزايدة بأن الصين ستتحمل أعباء أكبر بين الدول العظمى من أجل الاستقرار الدولي. وأنها لم يعد بإمكانها الإبقاء على التحرك البطيء والصوت الخافت في الشؤون الاستراتيجية والاقتصادية العالمية. فهل يمكن أن تنضم إلى أمريكا شرطيا عالميا في فترة أقرب مما كان متوقعاً؟
لقد حدث اندفاع الصين إلى الخارج بصورة أسرع مما كان يمكن لأشد قادتها طموحاً أن يتوقعوه. لكن بينما تزيد من وصولها إلى الاستثمارات المتنوعة، وحماية مصالحها النفطية، وتحريك دوريات لمراقبة الممرات البحرية، ودعم العمال الخارجيين، فإنها تخاطر بالتعرض إلى ردود انتقامية غير متوقعة. فكل قوة عظمى تواجه في النهاية لطمات ارتدادية.
لقد انتهى عقد عسلي من التوسع الاقتصادي العالمي دون احتكاك. والصين منخرطة الآن في نزاعات وخصومات على حدود جديدة. وبعد جريمة أودت بحياة 13 من البحارة الصينيين في نهر الميكونغ في تشرين الأول (أكتوبر)، دفعت الصين بدوريات مسلحة إلى بورما، ولاوس، وتايلاند، وهي بلدان صعبة المراس تشكل مثلثا ذهبيا سيء السمعة. وأصبحت الصين الآن شرطي نهر الميكونغ الفعلي.
وكي نتوقع محصلة هذا، فكروا كيف كانت الاستثمارات الصينية قضية خلافية في الحملة الانتخابية الأخيرة في زامبيا. وحتى في بورما التي تعتبر صديقة للصين، وضع مشروع لإنشاء سد عملاق تتولى تنفيذه إحدى الشركات الصينية على الرف بسبب المعارضة الشعبية المحلية.
ومع زيادة الصين لحضورها التجاري في البلدان الغنية بالموارد، سوف تتجلى هذه المشاهد كثيراً. إن عدد العمال الصينيين في الخارج يزداد يومياً. ففي ليبيا تعين إجلاء أكثر من 35 ألف عامل صيني في آذار (مارس). واجتماع عمليات البحث والإنقاذ مع الاهتمام بالموارد الطبيعية يمكن أن يلقي أعباء كبيرة على بلد ما. وكثيراً ما تأثرت القوى العظمى بالأحداث دون الاستراتيجية العظيمة. فقد أجبرت المغامرات التجارية لشركة الهند الشرقية الدولة البريطانية على التدخل في الصين، الأمر الذي أشعل فتيل حروب الأفيون.
وتمثلت نزعات الصين التقليدية في العمل مباشرة مع الحكومات الأخرى وفي طلب تأكيدات بحماية المصالح الصينية، والاستفادة في الوقت نفسه من الأمن الذي يوفره اللاعبون الغربيون، كما في أفغانستان. لكن غياب حكومة جديرة بالثقة في الصومال، مثلا، أجبر الصين على المساهمة بشكل أكبر في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. وما زالت تمتنع عن التصويت لصالح عمليات التدخل في بلدان مثل سورية، لكن ذلك يمكن أن يتغير. وعدد الصينيين المشاركين في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في سائر أنحاء العالم يفوق عدد المشاركين من أي بلد آخر. ومثلما استخدمت القوى الغربية شرعية الأمم المتحدة غطاء لمصالحها الخاصة، الصين يمكن أن تفعل الشيء نفسه.
ينبغي للغرب أن ينظر إلى هذا باعتباره فرصة وليس تهديدا. ويجب تشجيع الصين على التحول من عدم التدخل إلى الانخراط، كما فعلت بشأن إيران وكوريا الشمالية والسودان. وتكشف حادثة نهر الميكونغ كيف أطلقت الصين عقيدتها الخاصة بـ ”مسؤولية توفير الحماية” على الأقل فيما يتعلق برعاياها وعمالها الموجودين في الخارج.
لقد تسللت الصين إلى مجموعة القوى العظمى عبر قيامها برشاقة ببناء علاقات ودية مع القوى الإقليمية. ومع أنها يمكن أن تحاول تجنب الانحياز إلى طرف دون آخر بين مختلف الفرقاء المتنافسين، إلا أنها لابد أن تعاني من تداعيات ذلك مع تنامي نفوذها. وتماماً كما توقع بعضهم قبل خمسة أعوام أن يجوب الأسطول الصيني خليج عدن، يمكن أن نشهد يوماً ما بكين تطالب باتخاذ إجراء في الأمم المتحدة من أجل التدخل في أزمة في بلد غني بالموارد، مثل أنجولا التي توجد لها فيها مصالح كبيرة.
قد لا يتناسب هذا مع شعار ”صاحب مصلحة مسؤول” الذي انتشر في العواصم الغربية منذ عدة أعوم، لكن يمكن أن يدفع الصين إلى التعاون عبر المصلحة الذاتية. وكما تعلمت الولايات المتحدة وأوروبا في الربيع العربي، بدأت الصين تلاحظ أن التفاوض مع الأنظمة فقط لا يكفي. فمن الممكن أن يصبح ممر لانسانغ ميكونغ الملاحي خليج عدن، أو حزام كاتنجا النحاسي – فعندما تفتح ممرات الموارد، فإنها لا تصبح قنوات للتجارة فحسب، بل أيضاً قنوات لأمراء الحرب والخاطفين. ولضمان الوصول إلى الموارد في المدى الطويل، يتعين على الصين أن تكون صداقات عبر طيف واسع خارج أتباع القذافي وموجابي.
وإذا اتبعت هذه الاستراتيجية النشطة يمكن للصين أن تتجاوز قروناً من العثرات الاستعمارية وأن تتجنب العواقب. ذلك أن الصين حتى الآن لا تُخضع المستعمرات بل تشتريها. قد يبدو هذا ضربا من التفاؤل. لكن بينما يميل كثيرون في الغرب إلى القلق من فكرة تزايد تدخل الصين، من الممكن أن تكون صين جازمة تعمل على حماية مصالحها خبراً جيداً أيضاً.
الكاتبان عضوان كبيران في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.