العرب وطبول الحرب التي تقرع ضد الصين
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
رغيد الصلح:
أثارت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما في مطلع هذا العام، والتي أعلن فيها عن انتقال التركيز الأمريكي من المنطقة العربية إلى شرقي آسيا، ردود فعل متضاربة في المنطقتين العربية والشرق أوسطية . فالبعض ممن يعول على واشنطن لرعاية مساعي السلام بين العرب و”الإسرائيليين”، باعتبار أنها وحدها القادرة على دفع الطرفين إلى الوصول إلى معاهدة سلام، أعرب عن مخاوفه من “تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، واستطراداً بإيجاد “حل لقضية الصراع العربي-”الإسرائيلي”” .
مقابل هؤلاء أثارت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ارتياحاً لدى الكثيرين من العرب الذين يحمّلون واشنطن مسؤولية تاريخية في استمرار مأساة الفلسطينيين وتنامي العدوانية والتوسعية “الإسرائيلية”، وفي ما تعانيه المنطقة من تأخر وصراعات وحروب . استطراداً فإن تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة، ستكون له فوائد كثيرة لا تقل عن فوائد تراجع الوجود الفرنسي والبريطاني فيها .
ولكن انتقال التركيز إلى شرقي آسيا لا يعني، كما أكد مسؤولون أمريكيون، التقليل من الاهتمام بالشرق الأوسط وبالمنطقة العربية . إن الولايات المتحدة بسبب مصالحها النفطية والتزاماتها التاريخية تجاه “إسرائيل”، لا تملك تخفيض درجة الاهتمام بالمنطقتين العربية والشرق أوسطية . وإذا نقلت الولايات المتحدة القسم الأكبر من قواتها منها إلى شرقي آسيا وبحر الصين الجنوبي، فإن هذا لا يعني أنها غير قادرة على نقل قوات أمريكية وبسرعة إلى المنطقة من أجل تعزيز وجودها ودعم أصدقائها فيها . فالاستراتيجية الأمريكية الجديدة تشدد على تحويل القوات المسلحة الأمريكية إلى جسم أكثر “رشاقة” وقدرة على الحركة السريعة مما هي عليه اليوم . وفي مطلق الحالات فإن ضمان أوضاع عربية ملائمة، بالمعايير الأمريكية، سوف يكون عنصراً أساسياً من عناصر الاستراتيجية الجديدة، وعاملاً مهماً في الصراع الأمريكي-الصيني على الزعامة الدولية . ففي هذا الصراع سوف تعتمد واشنطن بصورة رئيسة على العاملين الآتيين:
أولا، تعزيز وجودها العسكري في شرقي آسيا بنقل قسم من قواتها المتمركزة في الشرق الأوسط إلى جوار الصين . ولقد اختارت مدينة داروين القريبة من بحر جنوب الصين لتمركز القوات البحرية الأمريكية التي سوف تنقل لأول مرة إلى أستراليا، كإشارة ذات طابع رمزي ولوجستي . ففي تلك المنطقة هناك خلافات بين الصين وبعض الدول المجاورة على قضايا حدودية . ومن ثم فإن تمركز البحرية الأمريكية في هذه المنطقة يهدف إلى دعم هذه الدول وتصليب مواقفها في وجه الصين، الأمر الذي يقلل من مكانة الأخيرة الإقليمية ويظهر عدم قدرتها على تحدي الزعامة الأمريكية .
ثانياً، بناء وتطوير سلسلة من التحالفات مع دول المنطقة بهدف تطويق الصين . في هذا السياق تأتي مساعي توطيد التعاون بين اليابان والهند، وكذلك بناء تحالف أمريكي-إندونيسي-فيتنامي . وتسعى واشنطن إلى تتويج هذه التحالفات من خلال “الشراكة العابرة للمحيط الهادئ” التي ستبدأ كمنطقة تجارة حرة بأمل أن تتطور إلى ما يشبه الاتحاد الأوروبي . ولقد أعلن مسؤولون أمريكيون أن الباب مفتوح لانضمام الصين، ولكن ليس في الوقت الحاضر وإنما بعد أن تستكمل الشراكة نموها ومؤسساتها، وعندما يقرر أصحاب الشأن فيها أن الظروف أصبحت ملائمة لانضمام بكين إليها فيدخلها الصينيون عندئذٍ من الباب الجانبي ومن دون أن تكون لهم حتى المكانة الإقليمية التي يستحقونها .
ولكن في الوقت نفسه، سوف تسعى واشنطن، إلى إحكام قبضتها على سائر مصادر الطاقة في ممرات وطرق التجارة الدولية المؤثرة في الاقتصاد الصيني . ويلاحظ والتر ميد في “وول ستريت جورنال”، أنه في هذه الحالة سوف يتحول الاقتصاد الصيني إلى رهينة في يد الولايات المتحدة تستخدمها للضغط على الصين اقتصادياً وسياسياً، وليس إلى قاعدة متينة للدولة الصينية في مواجهة التحديات الخارجية . وتأتي هنا أهمية المنطقتين العربية والشرق أوسطية . فهما مصدر أساسي للنفط الذي يستهلكه الصينيون، ومعبر رئيس للتجارة الصينية . وبمقدار ما تمسك الولايات المتحدة بهذه المعابر والمصادر فإنها سوف تتمكن من ممارسة الضغط على بكين .
ولا تغيب هذه الاحتمالات والأهداف التي يروج لها الجمهوريون الأمريكيون بصورة خاصة، عن الزعماء الصينيين، إذ تسعى بكين إلى تطويق هذه المشاريع الأمريكية العدائية بتنمية العلاقات مع الدول العربية، وفي هذا السياق جاءت جولة رئيس حكومة الصين وين جياباو في دول خليجية، وحرص الزعماء الصينيين على حسن العلاقة مع سائر الدول العربية . وكذلك، درءاً للنزعات العدوانية الأمريكية تسعى الصين إلى الابتعاد عن المنافسة “الاستفزازية” للولايات المتحدة . فهي لا تنافس واشنطن على كسب المواقع في دول المنطقة الصديقة لها والغنية بالموارد الطبيعية، وإنما تسعى إلى تحسين علاقاتها وبناء علاقات تجارية مع دول تقع خارج المدار الأمريكي .
غير أن هذا السلوك الاحترازي لا يحد من عنف الهجمات المعادية للصين في الولايات المتحدة، ومن تحريض العناصر اليمينية المتطرفة في الحزب الجمهوري مثل المنضوين في تجمع “حفلة الشاي”، أو غيرهم من القوميين المتعصبين ضد الصين . إن هؤلاء لا يريدون حرمان الصين من الزعامة الدولية فحسب، وإنما يسعون إلى حرمانها حتى من الزعامة الإقليمية في شرقي آسيا . وفي أذهان هؤلاء فإنهم يريدون أن تنتهي الصين إلى مصير يشبه مصير مصر بعد الحرب الدولية التي شنت ضد محمد علي الكبير، إذ قضي على مكامن النهضة الكبرى التي بناها الحاكم المصري فتم تقليص الجيش الذي حقق انتصارات باهرة خارج مصر، وكذلك إغلاق العديد من المدارس والمصانع وتجميد بناء القناطر الخيرية والعديد من مشاريع الري .
لقد دأب الغرب والولايات المتحدة على أن يختاروا للعرب أصدقاءهم وأعداءهم . ولسوف يتكرر هذا الأمر مع الصين، أي أن الدول الأطلسية سوف تحاول جر العرب إلى الالتحاق بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وإلى استخدام موارد العرب وطاقاتهم للضغط على الصين . هذا المسار يتناقض مع المصالح العربية ومع مبادئ العلاقات الدولية السليمة، والأحرى بالدول العربية أن تمتن علاقاتها مع الصين الصديقة التي دأبت على مساندة الحقوق والمصالح العربية على المستوى الدولي، والتي تربطها بالعرب مصالح كثيفة وتراث تاريخي مشترك في الكفاح ضد التسلط الاستعماري .