زيارة رئيس الوزراء الصيني للمملكة:متغيرات استراتيجية
صحيفة المدينة السعودية ـ
أ.د. سامي سعيد حبيب:
قام رئيس الوزراء الصيني ( ون جياباو ) بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية يومي 20- 21 صفر 1433 هـ ، التقى فيها كبار المسؤولين في المملكة و على رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد سمو الأمير نايف بن عبد العزيز لبحث ملفات وقضايا التعاون بين البلدين خصوصاً في مجال الطاقة والنفط ، و الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ، و الملف النووي الإيراني ووصولاً إلى أحداث المنطقة الساخنة الأخرى كملف النظام السوري المدعوم من روسيا و الصين ، أتبعها جياباو بزيارات لعدد من دول مجلس التعاون الخليجي هي قطر و الإمارات العربية المتحدة تباحث فيها مع المسؤولين من كلتا الدولتين في القضايا ذاتها.
تكتسب هذه الزيارة التاريخية أهمية استراتيجية كبرى إذا ما ُقرنت بالمعلومات الهامة التي نشرتها الشركة البريطانية للبترول ( بي بي ) في تقرير ٍ لها نشرته بعنوان ( استشراف مستقبل الطاقة ) من أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحقق اكتفاءً ذاتياً في مجال الطاقة ( النفط و الغاز ) بحلول عام 2030 م و لمدة لا تقل عن 100 عام بعد تطوير التقنيات اللازمة لاستخراج إحتياطيها الوطني الهائل من النفط و الغاز الطيني ( المختلط بالصخور الطينية) (Shale Oil and Gas) الموجودة على أعماق غائرة جداً مقارنة بمكامن الغاز و النفط التقليدية ، و سوف تستغني بذلك كلياً عن مصادر الطاقة المستوردة من الشرق الأوسط عموماً. و هذا تطور هام جداً – إن صدقت تنبؤات شركة بي بي – ينذر بتحولات جيوإستراتيجية كبرى توشك أن تُظل المنطقة.
من البدهي أن تفقد المنطقة العربية برمتها أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في حال الاكتفاء الذاتي الأمريكي من مصادر الطاقة ، هذا إن لم تنهرْ الولايات المتحدة ذاتها و تتقسم كما يتوقع العديد من الخبراء إلى ست دول صغرى نتيجة أزماتها الاقتصادية المتتابعة. و فقدان المنطقة لأهميتها بالنسبة لأمريكا يعتبر أخباراً سلبية جداً بالنسبة للدولة اليهودية المزروعة نشازاً في قلب العالم العربي تفصل بين جناحيه ، و يعني من بين ما يعني توقف تدفق أموال دافعي الضرائب الأمريكيين للكيان الغريب الذي كان من بين أهم أسباب زرعه في قلب العالم العربي ضمان «المصالح» الغربية عموماً و الأمريكية منها على وجه الخصوص. و تزداد الصورة سلبية بالنسبة لإسرائيل التي أصبحت تعيش في محيط الربيع العربي غير الصديق.
هذا التحول الاستراتيجي التدريجي القادم في المستقبل المنظور ، مضافاً إليه دخول الاتحاد الأوربي المتوقع في دورة كساد اقتصادي كبرى قد تطول لعقد أو عقدين من الزمان ، كما جاء في تقرير البنك الدولي الصادر يوم الأربعاء الماضي الذي يؤكد على أن الإتحاد الأوربي على شفير أزمة مالية خانقة ستحل به في عام 2012 م ، و يؤكد التقرير على أن على بقية أرجاء العالم الاستعداد لما هو أسوأ ، كل ذلك يدفع دول مجلس التعاون الخليجي أن تؤمم شرقاً نحو الصين و الهند و اليابان و كوريا الجنوبية لتسويق نفطها ، علماً بأن الصين تشكل حالياً الدولة الأولى في استهلاك النفط السعودي إذ تستورد الصين منه خمس استهلاكها اليومي من النفط البالغ خمسة ملايين برميل يومياً.
إن العلاقة النفطية الاستراتيجية السعودية الصينية آخذة في التطور في هذا الاتجاه ، و من دلائل ذلك توقيع الصين مع السعودية إبان زيارة رئيس الوزراء الصيني المشار إليها عقداً للاستثمار بين الشركة الصينية للبترول و الكيمياء و بين ( يسرف ) التابعة لأرامكو السعودية في محطة تكرير البترول بينبع بطاقة 400,000 برميل يومياً للتصدير العالمي.
و ثمة من يتوقع مع مضي العلاقات السعودية الصينية قدماً في التطور الإيجابي و الاستثمار البترولي المشترك و تحول السوق البترولية إلى الشرق الأقصى حيث النمو الاقتصادي المضطرد ، و بحكم الاكتفاء الذاتي الأمريكي باستخراج النفط و الغاز الأمريكي من الصخور الطينية بتكلفة تصل إلى 55 دولارا للبرميل ، و بحكم تدني الطلب الأوربي على البترول فأنه ستأتي اللحظة المناسبة التي تطلب فيها الصين من المملكة التعامل معها باليوان في الصفقات البترولية بدلاً من الدولار المعروف على مدى عقود طويلة بالبترو دولار ليحل محله البترو يوان و ربما أصبح اليوان هو عملة الاحتياطي الاستراتيجي العالمية ؟!