“طموح الصين يجتاح الكرة الأرضية من الإبرة إلى الصاروخ”
موقع الصين بعيون عربية-
أحمد حساني*:
الصين لم تعد الدولة النامية الصاعدة نحو القمة، الصين الآن دولة فى القمة.
عملوا فى هدوء وتسللوا إلى كل بيت فى العالم ، لم يتدخلوا فى شؤون الدول، لم يسقطوا فى زحفهم أو يقيموا حكومات، لم يشتركوا فى عمل عسكرى خارج حدودهم.
تُعَدُّ التجربة الصينية من النماذج الدولية المميّزة والفريدة من نوعها، وذلك بفضل المعجزة الإقتصادية التي تم تحقيقها في وقت قصير، حيث نجح الإقتصاد الصيني في التربع علي عرش القمة ، كما تُعَدُّ الصين أسرع إقتصاد نامٍ خلال الثلاثين سنة الماضية.
لا شكّ أن الصين مرّت بالعديد من المراحل الشاقّة لتتمكّن من التحوّل من الإقتصاد المخطط أو المركزي الذي لم ينجح في تحقيق أهداف التنمية المرجوة إلى إقتصاد السوق القائم على المنافسة شبه العادل.
ونحن كشعوب مستهلكة لم يعد يعرف سوقنا المحلي سوى الصناعة الصينية، فقد تم تجفيف كل الصناعات العالمية ولم يعد متربعاً على العرش إلّا السلعة الصينية.
وليكن هذا المرض جرس إنذار، فماذا سيحدث لو توقّفت الصين عن التصدير لأسواق العالم -لأي سبب من الأسباب- تحديداً الدول المستهلكة لكل شيء، ماذا سيحدث لها؟
هو سؤال من مجاميع (التحبيشات) الّتي تضاف لأكلة سيئة الإعداد والتقديم، ومع ذلك هي فكرة لتصور الواقع الّذي سنعيشه لو توقّفت الصين عن إمدادنا بقداحة أو إبرة أو صاروخ لو لزم الأمر.
في بداية القرن الواحد والعشرين ظهرت الصين كقوة إقتصادية كبري عالمياً ، وقد شهدت منذ نهاية السبعينات تجربة تنموية رائدة، من إقتصاد يقوم في الأساس على الزراعة إلي مصنع العالم ، لتنتشل بذلك نحو 700 مليون شخص من الفقر ، وهي حالياً أكبر بلاد العالم سكاناً ، وأكبر مساهم في النمو العالمي ، وأكبر دولة مصدرة في العالم ، وثاني أكبر إقتصاد في العالم ، إن لم تكن الأولى ، وفي نهاية السبعينات من القرن العشرين ، وضعت الصين تحديث إقتصادها في المركز الأول من أولوياتها ، وعملت كل ما بوسعها من أجل تحقيق هذا الهدف ، فتخلّت تدريجياً عن التخطيط المركزي لصالح إقتصاد السوق ، وعبأت مصادرها الضخمة من الأيدي العاملة ، وبذلت جهداً استثمارياً هائلاً من أجل تحديث الصناعة ،وتطوير البنية التحتية ،وجذبت الصين استثمارات أجنبية كثيفة ،خلقت قدرات إنتاجية جديدة في القطاعات التي تستجيب للطلب المحلي والعالمي ، وقد مرت عملية تنمية قطاعات الإقتصاد الصيني خلال الفترة عام 1949 هي المرحلة الأبرز في مسيرة التجربة التنموية الصينية ، وهي الّتي ساهمت في نقل الإقتصاد الصيني من التخلف إلى منافسة القوى الإقتصادية الكبرى في العالم.
وقد أصبحت معدّلات التقدم الإقتصادي والتكنولوجي في الصين سريعة للغاية ، وحقّقت كذلك معدل نمو سنوي ما زال هو الأعلى عالمياً منذ عقود ، وقد أصبحت الصين اليوم هي مصنع العالم ، وذلك من خلال العمالة الرخيصة ذات الأعداد الضخمة ، والتي أتاحت الفرصة للإقتصاد الصيني للإزدهار أكثر من أي بلد أخر ، ومن ناحية أخري ، يعد من الطبيعي أن يكون هناك الكثير من العقبات والمشكلات التي تقابل هذه التجربة الهائلة في التغيير الإقتصادي والإجتماعي..
لقد مرّ الإقتصاد الصيني بمراحل عدة ، وتميزت كل مرحلة بمجموعة من الخصائص التي ساهمت بشكل كبير في تطور الإقتصاد الصيني ونموه لينجح في السيطرة على جزء لا يستهان به من الإقتصاد الدولي والوصول إلى مرحلة متقدمة من المساهمة في رسم التوجهات العالمية.
أعلنت الصين أن الإنفتاح على العالم الخارجي يعد من السياسات الرئيسية التي تتمسك بها، بالإضافة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا المتقدمة، ودراسة التجارب الناجحة في التخطيط والإدارة الاقتصادية في الدول الأجنبية، وتشجيع مؤسسات الدولة للمشاركة في المنافسة بالأسواق العالمية وتعزيز تعميق الإصلاح الداخلي والتنمية الإقتصادية.
وقد شهدت هذه الفترة بداية النهضة الإقتصادية لجمهورية الصين الشعبية وتم تحقيق العديد من الإنجازات، فقد وُضعت استراتيجية تنموية ملائمة لواقع الصين ، وحدد مدة زمنية قدرها 70 سنة لتحقيق أهدافها.
وقال تشوان هنغ نائب رئيس اتحاد شانغهاي للعلوم الإجتماعية. خلال ندوة عقدها المركز الثقافي الصيني بالقاهرة تحت عنوان “70 عاماً من التنمية الإقتصادية في الصين.. التاريخ والإنجازات والتطلعات”، إن “(جمهورية) الصين تحتفل هذا العام بمرور 70 عاماً على تأسيسها، وحقق إقتصادها طفرات كبرى على مدار هذه الفترة”.
وقسّم تشوان، وهو أستاذ الإقتصاد بأكاديمية شنغهاي للعلوم الإجتماعية، المسيرة التاريخية للتنمية الصينية على مدار الـ 70 عاما إلى سبع مراحل زمنية.
وبدأت المرحلة الأولى من 1949، وهو عام تأسيس الصين وحتى عام 1957، وتم خلال هذه المرحلة تدعيم رواسخ الديمقراطية الجديدة الصينية ومرحلة الإصلاح الاشتراكي، وفقاً لتشوان.
بينما بدأت المرحلة الثانية من عام 1958 وحتى 1965، وشهدت الصين خلالها التحول نحو البناء الإقتصادي، حيث ظهر أكبر تناقض في المجتمع الصيني وهو الهوة الساحقة بين تطلعات الشعب الإقتصادية والثقافية وما يمكن للدولة أن تنتجه، لذلك كانت هذه المرحلة بمثابة “إستكشاف أولى لما سيكون عليه شكل الإقتصاد الصيني لاحقا”، حسب الأكاديمي الصيني.
في حين امتدت المرحلة الثالثة من عام 1966 وحتى 1977، وسميت بـ”مرحلة الثورة الثقافية الكبري”، حيث شهدت اضطرابات في التنمية الإقتصادية الصينية وخسائر إقتصادية كبرى انتهت بإجراء إصلاحات في عام 1975.
أما المرحلة الرابعة، وهي الأهم والأكثر تأثيراً في تاريخ التنمية الإقتصادية للصين، فقد بدأت في عام 1978 وامتدت حتى 1992، وتمثل مرحلة مبكرة من الإصلاح والإنفتاح.
وأوضح تشوان، أن هذه المرحلة شهدت أربعة أمور مهمة جداً، هي التركيز بشكل جذري على التحول الإقتصادي والتنمية الإقتصادية، وبدء الإصلاح في إقتصاديات الريف، وبناء بعض المناطق الإقتصادية الخاصة، والوصول إلى نموذج صيني في التنمية يعتمد على تنمية الإقتصاد السلعي المخطط.
فيما امتدت المرحلة الخامسة من 1992 حتى 2001، وتم خلالها الإستفادة من إقتصاد السوق أولاً ثم تحويله لاحقاً لإقتصاد مخطط مبني على إحتياجات السوق الحقيقية وليس النظريات فقط.
بينما امتدت المرحلة السادسة، وهي الأهم في مراحل تطور الإقتصاد الصيني، من عام 2001 وحتى 2012، حيث شهدت إنضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، والتحول الإقتصادي والإنفتاح الشامل.
أما المرحلة السابعة الحالية فتمتد من عام 2012 وحتى الآن، ودخل فيها الإقتصاد الصيني عصراً جديداً، حيث تم التركيز على بناء إقتصاد حقيقي عال الجودة، وتنفيذ استراتيجيات تنمية يحركها الابتكار.
واعتبر الخبير الإقتصادي الصيني، أن بلاده حققت خلال الـ 70 عاماً الماضية إنجازات كبرى.
وتمثلت هذه الإنجازات في “إستمرار توسع حجم الإقتصاد الصيني، وتطور الصين من دولة متأخرة إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم”.
وأوضح تشوان، أن الإقتصاد الصيني منذ عام 1960 كان يمشي متقارباً مع الإقتصاد الهندي حتى عام 1996 تقريباً، ثم شهد طفرة ليصعد لمستوى الإقتصاد الياباني، ثم تخطاه ليقترب من الإقتصاد الأمريكي.
ومن بين الإنجازات أيضاً “سرعة النمو الإقتصادي، وجعل الصين تقود النمو الإقتصادي العالمي، وأن تصبح عامل دفع للتنمية المستدامة على مستوى العالم”.
وشملت الإنجازات كذلك “الإرتقاء بالهيكل الصناعي للإقتصاد الصيني والتوجه نحو التنمية المشتركة”.
وأردف تشوان، أن الصين شهدت خلال الفترة المذكورة نقلة نوعية في تحسين الإقتصاد، وانتقاله من الصناعات الخاصة بالزراعة للصناعات المعتمدة على الماكينات، وهو إنجاز صيني لم تحققه أي دولة أخرى خلال الـ 70 عاما الماضية.
وشدد على أن “الصين أصبحت قوة تجارية كبرى في العالم، تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتصدرها أيضاً”، مشيراً إلى أن الإقتصاد الصيني ساعد على توفير الكثير من فرص العمل في العالم كله، من خلال إنفتاح الصين على العالم اقتصادياً، وضخ رؤوس أموال صينية في الخارج.
وأشار إلى أنه “بالنسبة للإستيراد والتصدير، فقد شهدت الصين طفرة من التأخر النسبي على مستوى العالم إلى المركز الأول عالمياً في التصدير، والثاني في الاستيراد”.
ولفت إلى أن “مستوى معيشة الشعب الصيني شهد تغييرات هائلة بحجم السماوات والأرض، حيث زاد دخل سكان المدن والريف بنسبة كبيرة، وارتفع معدل التحضر، وانخفض معدل الفقر كثيراً.. وبنهاية عام 2020 انتشال دائرة الفقر في الصين”.
وبالتالي معدل التنمية البشرية في الصين ارتفع ليصبح الأعلى عالمياً، كما زاد التقدم التكنولوجي، وارتفع عدد الباحثين والمطورين في الصين ليكون الأعلى على مستوى العالم.
وفي المقابل عززت التنمية الإقتصادية للصين مكانتها الدولية وتأثيرها في الساحة الدولية، حيث يزداد دورها يوماً بعد يوم، كما ازدادت مساهمتها في التنمية العالمية وحماية النظام الدولي.
وبناءاً علي ما توصلت إليه هذه المراحل من نتائج، تشهد الصين منذ أكثر من أربعة عقود تجربة تنموية رائدة ، من إقتصاد يقوم في الأساس على الزارعة إلي مصنع العالم ، لتنتشل بذلك نحو 700 مليون شخص من الفقر ، وهي حالياً أكبر بلاد العالم سكاناً (1,38 مليار نسمة ) ، وأكبر مساهم في النمو العالمي ، وأكبر دولة مصدرة في العالم ، وثاني أكبر إقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة ، وقد مرت عملية تنمية قطاعات الإقتصاد الصيني، بالعديد من المراحل المهمة ، ويعد الإنفتاح والإصلاح الإقتصادي الذي حدث بعد عام 1978 هو المرحلة الأبرز في مسيرة التجربة التنموية الصينية ، وهي التي ساهمت في نقل الإقتصاد الصيني من التخلف إلى منافسة القوى الإقتصادية الكبرى في العالم.
وقد قدمت التجربة الصينية في التنمية الدليل والمرشد لدول العالم الثالث التي ما زالت تتعثر خطط التنمية الإقتصادية بها ، بوصفها نموذج في التنمية استطاع أن ينمو بإستقلالية وبغير إنعزالية ، ومن ناحية أخرى تواجه عملية التنمية في الصين الكثير من العقبات والتحديات التي قد تؤثر على مستقبلها ، ومع ذلك فإن الإقتصاد الصيني مرشح خلال السنوات والعقود القادمة أن يكون الإقتصاد الأكبر في العالم متفوقاً بذلك على الولايات المتحدة الأمريكية .
*المدير التنفيذي لمركز سعود زايد للدراسات البحثية والسياسية والاستراتيجية بالقاهرة.