الصين والأزمة الأوكرانية.. الموقف والتأثير
موقع قناة المنار-
أحمد شعيتو:
إزاء الأزمة والحرب في أوكرانيا اتخذت بكين موقفاً داعماً للحوار والتفاوض بعيداً عن العمل العسكري، متفهمةً في الوقت ذاته للهواجس إزاء أوكرانيا والناتو من قبل روسيا التي حاولت سابقاً التعاطي دبلوماسياً لحلها دون جدوى.
الصين التي رفضت سياسة العقوبات الغربية على روسيا أبدت الاستعداد لدور الوسيط. وساطة لم تظهر معالمها إلى الآن رغم ان احتمالاتها تبقى واردة.
كما تشكل الإتفاقيات الكبرى بين الصين وروسيا التي سبقت الحرب بوقت قصير فرصة روسية كبيرة إزاء إجراءات الحظر الأميركية والأوروبية المتصاعدة، بل يمكن أن تؤسس لمنظومة شرقية إقتصادية على مستوى اقتصاد العالم. هذا مع العلم ان الاقتصاد الروسي بحد ذاته من الاقتصادات الكبيرة التي تعتمد الكثير من الدول على التعاون معها وهي من مصادر الطاقة على مستوى العالم.
الخبير الاستراتيجي والمتخصص بالشأن الصيني الأستاذ محمود ريّا* يشرح أسس الموقف الصيني إزاء الأزمة في أوكرانيا فيشير إلى عدة نقاط:
“أولاً: اتخذت الصين موقفاً مبدئياً واضحاً من الأزمة في شرق أوروبا بعد العملية العسكرية الخاصة التي بداتها روسيا في الأراضي الأوكرانية ، ينطلق من مبادئ السياسة الخارجية الصينية التي تقوم على أساس رفض أي إنقسام لاقليم من دولة دون توافق مع القيادة المركزية في تلك الدولة وكذلك مبدأ ايمان الصين بوحدة وسيادة واستقلال الدول، لذلك لم تعترف الصين بإنفصال إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرق اوكرانيا، وأكدت هذه المواقف في مجلس الامن وفي اتصالاتها مع الدول المختلفة.
ثانياً: الصين زاوجت بين هذا الموقف وبين ابداء إحترام المشاغل الأمنية لمختلف الدول في المنطقة وهذا معناه ان الصين تعترف بالمشاغل الأمنية الخطيرة التي دفعت روسيا إلى تحريك هذا الملف بقوة ثم التحرك عسكريا”.
كيف انعكس الموقف الصيني عملياً:
ظهر الموقف الصيني الداعم لروسيا في عدة أمور: رفض التصويت إلى جانب قرار مجلس الأمن المندد بالعملية الروسية، ورفض أي طرح لإقصاء روسيا عن مجلس الأمن ورفض العقوبات التي فرضت على روسيا، ودعم كل ما يؤدي إلى أن يكون الحل دبلوماسياً من خلال الوصول إلى قواسم مشتركة بعيداً عن العمليات العسكرية.
ويشير ريّا إلى أن “الأبرز في الموقف الصيني تحميل الولايات المتحدة المسؤولية الأولى عن التوتر الذي حصل في شرق أوروبا من خلال السعي لتمديد حلف شمال الأطلسي بإتجاه الشرق، ما أوصله إلى حدود روسيا، وهذا أثار الكثير من الحساسية لدى روسيا وحاولت الوصول إلى حل سلمي ومن خلال المفاوضات، لكن أوكرانيا رفضت بتشجيع وتحريض من الولايات المتحدة”.
العلاقات الروسية مع الصين بمواجهة الحظر الغربي
يلفت الباحث محمود ريا إلى أن “العلاقات الصينية الروسية هي في أفضل حالاتها سياسياً حيث أن التشاور مستمر بين المسؤولين من الطرفين، أما التطور الإقتصادي بينهما فهو سابق للأزمة وإن لم يكن بعيداً عنها، لأن الإتفاقيات الروسية الصينية الكبيرة جداً وقعت في 4 شباط الماضي خلال زيارة الرئيس الروسي لبكين، والتي مثلت خريطة طريق لبناء عالم جديد بعيد عن الأحادية القطبية وتضمنت توقيع إتفاقيات بعشرات مليارات الدولارات للتبادل الاقتصادي ولا سيما في مجال الطاقة، حيث تستورد الصين من روسيا عشرات ملايين براميل النفط والامتار المكعبة من الغاز وهذا يشكل متنفساً كبيراً للاقتصاد الروسي وملجأ له من العقوبات الخطيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا بهدف تحطيم الاقتصاد الروسي، وهذه الاتفاقيات ستمثل هزيمة كبيرة للعقوبات الأميركية والأوروبية”.
منظومة شرقية
أبعد من ذلك يرى الخبير ريا أن “هذه العقوبات تنقلب عكسياً وتضر الاقتصادين الأميركي والأوروبي أكثر بكثير مما يفترض أن تضر الاقتصاد الروسي الذي سيجد بديلاً عن التعامل مع أوروبا وأميركا بالتعامل مع الصين ودول شرق آسيا ، فاذا استمرت الأمور في هذا الاتجاه وبقيت الولايات المتحدة تضغط على روسيا بهذا الشكل، سنشهد بناء منظومة اقتصادية شرقية عمادها روسيا والصين تنضم إليها دول أخرى مثل إيران وباكستان وربما الهند ودول من شرق آسيا، بمواجهة المنظومة الاقتصادية الغربية الأميركية الأوروبية التي ستكون خاسرة، إذ انها بعد ان كانت تهيمن على اقتصاد العالم ستكتفي بجزء قليل منه وسيكون للمنظومة الشرقية دور كبير في الاقتصاد العالمي مستقبلاً”.
*مدير موقع الصين بعيون عربية