أستاذ جامعي يترجم الكلاسيكيات الصينية إلى العربية: الترجمة مفتاح يفتح به العالمُ أبوابَ الثقافة الصينية
مع تطوّرات مُتواصلة للعولمة، باتت ترجمةُ الأعمال الأكاديمية الصينية إلى اللغات الأجنبية، وسيلة مُهمّة يعتمد عليها العالمُ لفهم الصين، وظهر العديد من الخبراء والعلماء البارزين، الذين عملوا جاهدين على ترجمة الكلاسيكيات الصينية، واضطلعوا بمسؤوليات نشر الثقافة الصينية وترويجها في كل أرجاء العالم، ومن بينهم الدكتور وانغ يويونغ، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية.
وقد انهمك الدكتور وانغ في ترجمة الكلاسيكيات الصينية منذ زمن طويل، وأكمل الترجمة العربية للعديد منها، مثل «شيون تسي» و«ليه تسي في أحضان الريح» و«أحاديث عن جذور الحكمة» و«مسامرات بجوار الموقد» و«هانفي تسي»، وغيرها من الكلاسيكيات الصينية، التي تُمثّل إسهامات قيّمة له في نقل الثقافة الصينية التقليدية إلى العالم العربي.
ويتميز أسلوب وانغ يويونغ في الترجمة، بانتقاء المفردات بدقة بالغة، رامية إلى تحقيق التطابق بين النصّ الصيني وترجمته العربية مبنًى ومعنًى، إذ إنه يُثمّن الأفكار الفلسفية الواردة في الكلاسيكيات الصينية عاليا، ويرى بأنها يجب أن يستفيد منها القاصي والداني، وأن يكون لها تأثير دولي أكبر، ويعتقد أن الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية وكذلك فلسفة ما قبل أسرة تشين وأعمال أسرة هان وأسرة تانغ وأسرة مينغ وأسرة تشينغ، تُشكّل معًا جوهر الثقافة الصينية التقليدية، التي لا ينبغي إهمالها، حيث يقول: “أريد تقديم هذه الكلاسيكيات بطريقة تناسبها، متمثّلة أوّلًا في التثبت بعدم وجود أي إشكاليّة في محتويات هذه الكلاسيكيات، وثانيًا في العمل على حلّ مشكلة جودة الترجمة”.
وأشار الدكتور وانغ إلى أن الكلاسيكيات الصينية ستُساعد القرّاء العرب على فهم الأصل التاريخي للفكر الصيني المعاصر. وفي الوقت نفسه، يجب الانتباه أيضًا إلى الترجمة الأجنبية للفكر الصيني المعاصر، لأن الفكر الصيني قد حافظ دائمًا على نفس النهج. وفي السنوات الأخيرة، قام الدكتور وانغ أيضًا بترجمة الكثير من المؤلفات المعاصرة، التي لاقت رواجًا كبيرًا في العالم العربي، ومن بينها «شي جين بينغ يروي القصص» و«كلمات تلمس القلوب: اقتباسات الأمين العام شي جين بينغ من التراث» (جزءيْن) ثم «معجزة بودونغ» وغيرها من الأعمال. كما سينتهي من ترجمة كتابيْن: «الألفة والمودة: قوة كلمات شي جين بينغ»، و«قصص شي جين بينغ عن مساعدة الفقراء». وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام2019، أقيم في مدينة الرباط المغربية، حفلُ تدشين كتاب “كلمات تلمس القلوب: اقتباسات الأمين العام شي جين بينغ من التراث” في نسخته العربية، الذي قام بترجمته الدكتور وانغ، وقد شرح فيه بكل وضوح ما اقتبسه الرئيس شي جين بينغ في خطاباته ومقالاته من الأقوال الصينية القديمة الشهيرة والقصص الكلاسيكية، التي تُظهر فهم الرئيس شي العميق للثقافة الصينية التقليدية، وتعكس حكمة وعمق الأفكار والحِكم التي استمدّها منها، كما أكّد الدكتور وانغ على وجوب تمتع المترجمين برؤية دولية بعيدة المدى، وأن يكون لديهم توجه وطنيّ وإستراتيجية في الاعتبار، وأن يقفوا إلى جانب بلادهم، حتى يترجموا بشكل جيد، يُمكّن الآخرين من فهم الصين.
ومن أجل نشر الثقافة الصينيّة بطريقة أسرع، قام الدكتور وانغ منذ عام2019 بفتح حساب عامّ على منصّة ويتشات تحت عنوان “الترجمة الصينية والعربية لأمهات الكتب” لمشاركة ترجماته للعديد من أمهات الكتب الصينية ومن اقتباسات شي جين بينغ لبعض الحكم من التراث إلى اللغة العربية باستعمال أسلوب بسيط وطبيعي مواكب للأحداث الجارية. وقال: “لم يطلب مني أحد أن أقوم بذلك، بل فعلت ما أحبّه فحسب”.
ويرى الدكتور وانغ أنه بعد امتلاك الرغبة في الترجمة، من الضروري تنمية القدرات الذاتية، الأمر الذي يتطلب تراكمًا للخبرات طويلة الأمد، وهو القاسم المشترك بين جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما أضاف قائلا: أنا لم أجرؤ على ترجمة الكلاسيكيات الصينية إلا بعد اكتساب خبرة لمدة 27 سنة من الدراسة والترجمة، وبالتالي فإن تحمّل هذه المسؤولية يحتاج إلى صبر ومثابرة طويلة الأمد. ”
ويعتقد الدكتور وانغ أن جودة الترجمة تقرر إمكانية ومدى انتشار الثقافة الصينية على الصعيد العالمي، ولكن الترجمة الأجنبية للأعمال الأكاديمية الصينية تواجه في الوقت الحالي صعوبات متعدّدة، مثل نقص المواهب والجودة غير المتكافئة والتوزيع المحدود. ويُؤكّد دائمًا بصفته أستاذًا جامعيًّا على أن تدريب المواهب هو السبيل الوحيد لتوريث جميع الأفكار والمعارف، ويجمع بشكل صحيح بين خبرته في الترجمة والتعليم لتنمية مواهب الترجمة المتنوعة.
لذلك، ومنذ عام2016، عمل الدكتور وانغ ولمدة ثلاث سنوات متتالية كأستاذ لتدريس الترجمة من الصينية إلى العربية ومن العربية إلى الصينية وذلك ضمن “مشروع التدريب الصيني العربي المشترك على الترجمة بالصينية” الذي أقيم برعاية مشتركة بين وزارة الخارجية ووزارة التعليم من الجانب الصيني والأمانة العامّة للجامعة العربية من الجانب العربي، بهدف تدريب المواهب في الدول العربية على الترجمة الصينية الراقية. وفي الوقت نفسه، افتتحت دورات في معهد شانغهاي الدولي للدراسات الشرقية، حيث قاد طلاب الماجستير والدكتوراه لاستكشاف عوالم نظريات الترجمة وممارساتها. وبالإضافة إلى الطلاب الصينيين، يقوم بتأطير طلاب الدكتوراه من مصر والسودان والمغرب وتونس وباكستان ضمن فريق الترجمة الخاص به، مُعتقدًا أن الترجمة ستُعزّز فهم الطلاب الأجانب الوافدين في الصين للغة الصينية، وتزرع في قلوبهم بذورًا للثقافة والأفكار الصينية.
ولمواجهة جائحة كورونا التي تفشّت في العالم منذ عام2020، قام الدكتور وانغ بترجمة كتاب كرتوني للأطفال، يحمل عنوان «وداعًا يا فيروس كورونا المستجدّ»، لنشر العلوم المتعلقة بالوقاية من الجائحة بين الأطفال العرب، وقد حظي بثناء العديد من العرب عليه. وفي هذا الصدد، قال الدكتور وانغ: “لا تكن مُتكبّرًا، بل أخْرِج نفسَك من البرج العاجيّ الذي أنت فيه، لتندمج في المجتمع، وتُقدّم إلى المجتمع مزيدًا من الخدمات والإسهامات، لأن هذا هو ما يترجم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى المترجم من أجل الإسهام بنصيبه الأكبر في محاربة الجائحة والقضاء عليها.”