رؤية شي الإقتصادية: الصين تسعى جاهدة للدفع من أجل السلام والتنمية في الأوقات العصيبة
يمثل الصراع الروسي الأوكراني صدمة كبيرة للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يكافح للوقوف على قدميه مرة أخرى من جائحة كوفيد-19.
فارتفاع أسعار الطاقة يدفع التضخم في العديد من الدول إلى أعلى مستوياته منذ عقود. ويزداد انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط وأفريقيا التي تعتمد بشكل كبير على الواردات من روسيا وأوكرانيا. كما تتباعد الدول التي كان ينبغي أن تقف معا في مثل هذه الأوقات العصيبة، متأثرة بسياسات القوة والأحادية والحمائية.
ونظرا للمخاطر والتحديات، خفض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي توقعاتهما للنمو العالمي لعام 2022 في وقت سابق من هذا الشهر. “بعبارة أبسط: نحن نواجه أزمة فوق أزمة”، هكذا قالت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا.
يتطلب تحقيق نمو مستدام بيئة اقتصادية وسياسية سلمية. لذلك، في ضوء اتساع فجوة التنمية والعجز في السلام، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ سلسلة من المبادرات لمواجهة التحديات العالمية مع العمل في الوقت ذاته على تنشيط التنمية العالمية.
— سلوك متوازن
على مدى العامين الماضيين، حقق الاقتصاد الصيني أداء مثيرا للإعجاب على الرغم من الجائحة، وهو الآن ينمو باطراد.
من خلال تكيفها مع التحديات في الداخل والخارج بشكل أفضل مما كان متوقعا، حققت الصين معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي نسبته 4.8 في المائة في الربع الأول على أساس سنوي، متجاوزة التقديرات البالغة 4.4 في المائة ومتفوقة على معدل الـ4 في المائة المسجل في الربع السابق.
لقد تحقق هذا المعدل بشق الأنفس، حيث تكافح البلاد ارتفاعا في حالات الإصابة بكوفيد-19 وتأثير الصراع الروسي الأوكراني.
تلتزم الصين بسياسة ديناميكية تتمثل في صفر-كوفيد وُضعت خصيصا بما يتماشى مع واقعها الوطني، حيث تعمل على القضاء على العدوى على الفور وإدخال التعديلات اللازمة وفقا للوضع المتطور على الأرض.
إن البشر هم أحد العوامل الأكثر حسما في ضمان إنتاجية قوية. ووراء الجهود الشاقة التي تبذلها الصين لتحقيق التوازن بين السيطرة على الجائحة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، تكمن القيمة المتمثلة في وضع حياة البشر في المقام الأول والتركيز على الصالح العام الأكبر، كما يتضح من “رؤية شي الاقتصادية”، وهي الفلسفة الاقتصادية للرئيس الصيني.
سواء في شانغهاي، المركز المالي للصين، أو في أي مكان آخر بالبلاد، تظل السيطرة الفعالة على الجائحة شرطا مسبقا للنمو الاقتصادي على المدى الطويل وخيارا مثاليا في الوقت الحاضر.
وقد ذكرت مجلة ((نيو ساينتست))، وهي مجلة مقرها لندن تغطي مجال العلوم والتكنولوجيا، إن النهج الديناميكي المتمثل في صفر-كوفيد يعطي نتائج أفضل “على جميع المقاييس، بدءا من معدلات الوفيات وصولا إلى النمو الاقتصادي”.
وأضافت “إذا تم التخلي الآن عن الهدف المتمثل في صفر-كوفيد، فهل هذا يعني أنه كان فاشلا؟ الجواب بسيط وهو: فقط إذا كنت تعتقد أن إنقاذ الأرواح والحفاظ على النمو الاقتصادي يشكل خطوة خاطئة”.
علاوة على ذلك، من أجل الحفاظ على أساسيات سليمة على المدى الطويل، تطبق الصين سياسات لدعم الشركات، وتحقيق الاستقرار في التوظيف، والحفاظ على سياسة نقدية حكيمة، كما تمارس نموذج “التداول المزدوج” الذي يركز على كل من زيادة الصادرات وتوسيع الطلب المحلي.
فقد قال الرئيس شي في الأسبوع الماضي خلال كلمة رئيسية ألقاها عبر دائرة الفيديو في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي 2022 “إن أساسيات الاقتصاد الصيني– مرونته القوية وإمكاناته الهائلة ومساحته الواسعة للمناورة واستدامته على المدى الطويل– لا تزال كما هي دون تغيير”.
وأشار الرئيس شي إلى “أنها ستوفر دينامية كبيرة لاستقرار وتعافي الاقتصاد العالمي وفرص سوق أوسع لجميع الدول”.
— ثقة مستمرة
على الرغم من أن صندوق النقد الدولي خفض توقعات النمو للصين لهذا العام في أحدث تقرير له، إلا أنه أعرب عن ثقته في توقعاته لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
قالت رئيسة الوكالة الأسبوع الماضي “نرى الصين قادرة على دفع الاقتصاد، لأن لديها مساحة سياساتية واسعة”.
وذكرت جورجيفا “لقد رأينا في الأيام الماضية أن بنك الشعب الصيني يتخذ إجراءات لتيسير شروط الحصول على الائتمان”، مضيفة “ولديه أيضا مساحة فيما يتعلق بالسياسات المالية”.
يقول المثل الصيني إن صنع منتجات جيدة يتطلب حديدا جيدا. فقد أصبحت الصين قدوة يحتذى بها في كيفية قيام فلسفة اقتصادية قائمة على العلم بإطلاق العنان لقوة دفع من النمو في الداخل ودفع التنمية الإقليمية والعالمية من خلال آثار إيجابية غير مباشرة.
ووفقا لـ((بلومبرغ))، فإن السياسة الصينية على مدى العامين الماضيين “حالت دون حدوث عدد كبير من الوفيات في الداخل وضمنت استمرار تدفق كل شيء بدءا من منتجات آيفون وتيسلا وصولا إلى الأسمدة وقطع غيار السيارات إلى بقية العالم”.
وقالت ((بلومبرغ)) إن البديل “يمكن أن يؤدي إلى توقف سلاسل التوريد العالمية، وهو ما يفضي بدوره إلى ارتفاع التضخم”.
ففي الربع الأول من هذا العام، توسع إجمالي واردات الصين وصادراتها بنسبة 10.7 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 9.42 تريليون يوان (حوالي 1.47 تريليون دولار أمريكي)، وهو الربع السابع على التوالي من النمو.
وتحتفظ البلاد بجاذبيتها للمستثمرين الإقليميين والعالميين من خلال سلسلة صناعية كاملة التأسيس، ومجموعات صناعية، وسوق استهلاكية ضخمة.
وارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني، في الاستخدام الفعلي، بنسبة 31.7 في المائة على أساس سنوي إلى 59.09 مليار دولار في الربع الأول من العام. وسجلت التدفقات إلى صناعات التكنولوجيا الفائقة في البلاد زيادة سنوية حادة نسبتها 52.9 في المائة، وفقا للبيانات الرسمية.
ووفقا لمسح أجرته غرفة التجارة الأمريكية في شانغهاي العام الماضي، أبلغت 60 في المائة من أكثر من 300 شركة أمريكية تعمل في الصين عن زيادة الاستثمار مقارنة بعام 2020.
كما يمكن إيجاد الثقة المستمرة في الصين في مسح ثقة الأعمال السنوي لعام 2021 الذي نشرته غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين. ومن بين ما يقرب من 600 شركة أوروبية تعمل في الصين، 9 في المائة فقط تخطط لتحويل أي استثمارات حالية أو مخططة خارج الصين، وهي أدنى نسبة مسجلة على الإطلاق.
وشدد خيري تورك، أستاذ الاقتصاد بكلية ستيوارت للأعمال في معهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاغو، على أن “الاقتصاد الصيني لا يزال يتمتع بإمكانات نمو هائلة”، قائلا “أشعر بالتفاؤل الشديد بشأن تحقيق الدولة إمكاناتها”.
وفيما يتعلق بجانب العرض، ذكر تورك أن الصين لديها برنامج لتغيير اقتصادها من مصنع للمنتجات منخفضة المستوى إلى منتج لمنتجات متطورة. “هذا الأمر له مزايا في رفع مستويات معيشة الناس والحماية من الصدمات الخارجية”.
— مبادرات من أجل الصالح العام
في الوقت الذي تدير فيه الصين نموا مطردا وعالي الجودة داخل حدودها، تقف دائما على استعداد للعمل مع الدول الأخرى في تعزيز الرخاء المشترك للعالم بأسره.
فخلال المناقشة العامة للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2021، طرح الرئيس شي مبادرة تنمية عالمية، وهي مبادرة تؤكد على أهمية الانفتاح والتنسيق والتشارك.
جنبا إلى جنب مبادرة الحزام والطريق، تأتي مبادرة التنمية العالمية كمسعى آخر من بكين لتعزيز التنمية الشاملة والمشتركة في جميع أنحاء العالم.
على مدى السنوات القليلة الماضية، فتح خط السكك الحديدية بين الصين ولاوس هذا البلد غير الساحلي وربطه بأسواق بعيدة مثل أوروبا. وتسافر قطارات الشحن بين الصين وأوروبا عبر قارة أوروآسيا وتنقل البضائع وتحافظ على سلاسل التوريد العالمية على الرغم من الاضطرابات الناجمة عن الجائحة والصراع الروسي الأوكراني.
وفي منتدى بواو الأسبوع الماضي، أوضح الرئيس الصيني رؤيته لبناء السلام والتنمية المستدامة، مستشهدا بمقولة لفيلسوف صيني قديم تقول إن “الاستقرار يجلب الرخاء لأي بلد فيما يدفع عدم الاستقرار أي بلد إلى الفقر”.
فالأمن هو الشرط المسبق للتنمية، سواء بالنسبة لبلد ما أو للعالم، وخاصة في عصر العولمة.
ولتحسين الحوكمة العالمية في هذا الصدد، اقترح شي مبادرة أمن عالمي، داعيا إلى بذل جهود مشتركة للحفاظ على السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم. وقال الرئيس شي “نحن البشر نعيش في مجتمع أمني غير قابل للتجزئة”.
وأشار الرئيس شي إلى أن “الصين ستتبع بثبات طريق التنمية السلمية وستكون دائما من بناة السلام العالمي والمساهمين في التنمية العالمية والمدافعين عن النظام الدولي”.
وقد لاقت نداءاته قبولا كبيرا.
وقال سوراكيارت ساثيراثاي، نائب رئيس الوزراء التايلاندي سابقا، إن مبادرة الأمن العالمي تعكس الرؤية العالمية وفلسفة الحوكمة لدى الرئيس شي.
وذكر ساتيراتاي أنه من خلال تشكيل نظام حوكمة أمني عالمي عادل ورشيد، سيكون العالم أكثر استقرارا، ما سيصب في صالح تحقيق مزيد من التنمية والتعاون.
ومن جانبه، قال كافينس أديري، الباحث في العلاقات الدولية والمقيم في كينيا، “بالنظر إلى التاريخ، يمكن القول باطمئنان أن الصين ستتغلب بنجاح على التحديات الحالية لتسجل نموا مستداما”.
وأشار إلى أنه من خلال المبادرات التي اقترحتها الصين، “تعمل الصين على تحفيز الدول المتشابهة في التفكير المماثل على تعزيز أنظمة اقتصادية وسياسية بديلة ومحررة تخدم المصلحة الجماعية لجميع البلدان”.