في محددات المواقف الصينية
صحيفة الديار الأردنية:
مروان سوداح:
تقتضي الموضوعية والحكمة، النظر الى الموقف الرسمي الصيني من المسألة السورية، من وجهة النظر الصينية ذاتها، وليس من وجهات نظر أجنبية أو إنطلاقاً من تمنيات وأَحلامٍ منفصلة عن الواقع السياسي المُعاش. فالموقف الصيني ينبثق من مُحددات فكرية وسياسية وإقتصادية محلية صينية وتوجهات صينية دولية، تهتدي بها الصين، لا يمكن تغييرها ولا الإضرار بها صينياً، وإلا انفضّت بكين عن نفسها، وانفصلت عن مكوناتها الأساسية، وابتعدت عن الشعوب والأمم الصديقة والحليفة لها والمتعاطفة معها.
الدرس الليبي يحكم الأن سياسة عدد من الدول وفي مقدمتها الصين وروسيا، كما يحكم هذه السياسة ما يسمى “بالإسلاموية السياسية” المتحالفة علناً مع واشنطن وتل أبيب، إضافة لكل ذلك تلكم التدهور والتراجع الذي آلت اليه “أمور” الدول العربية الأخرى، التي تغنّت شعوبها في ليل بهيم بما سمّاه البعض في أوساطها استنساخاً عشوائياً عن الأبواق الأجنبية “بالربيع العربي”، الذي هو صقيع وشتاء عربي، وربيع غربي بإمتياز!.
“الإسلاموية السياسية” تهدف الى التدخل في شؤون الدولتين الكبيرتين الصين وروسيا، خاصة في الخواصر الضعيفة لديها، وهي المناطق ذات الكثافة السكانية الإسلامية. فالغرب السياسي كان عبر التاريخ وما يزال يستهدف هذه المناطق بالذات من خلال الحركات والتنظيمات الإسلاموية المُمَيزة والمتميزة بتنظيماتها وقياداتها العالمية، وليس بتلك الإقليمية أو المحلية، ومن هنا وجب على هاتين الدولتين الأخذ سريعاً بتنمية عاجلة للمنطقتين المستهدفتين من وراء حدودهما، سيما وأن مشاعر التطرف والعنف تنمو عادة وفي الدرجة الأولى وعلى وجه التحديد، في مناطق الفاقة وجيوب الفقر والتهميش والتخلف الثقافي والإجتماعي.
في الإندفاعة الأمريكية والإسرائيلية نقرأ الكثير عن تراجع التأثير السياسي والإقتصادي للغرب وإسرائيل، من هنا تسعى هذه الدول جاهدة لتذليل الصِعاب الخانقة التي تلتف حول أعناقها، على حساب الشعوب ومصالحها ومستقبلها، تجنباً لمستقبل قاتم ينتظرها. فالرأسمالية الإمبريالية والميغا إمبريالية تنوء تحت ثقل القوانين والشرائع الدولية المُحددِة لسلوكياتها، لذا نراها تعمل للتخلص من هذا الثقل والتحرّر منه، ومن مُحددات العمل والحركة في مجلس الأمن الدولي.
الجديد في السياسة الأمريكية والغربية عموماً الذي تدركه بلا شك بكين وموسكو، هو الأزمة المالية التي تعصف بالإقتصادات الغربية، المؤدية الى تقليص الدّور العسكريّ للدول الغربية، الساعية والعاملة على صياغة إستراتيجيّة كونية جديدة، تستبدل الإنتشار العسكري الواسع، بما يُسمى المفهوم القائم على الـ”قوّات المشتركة الأصغر حجماً والأكثر سرعةً وخفّة، والتي يجب أن تبقى على أهبة الإستعداد للتحرّك والإنتشار السريع، والمتميزة بالقدرة على التّجديد والتفوّق التكنولوجيّ”، والتي تـُلقى في الميدان بعد إندلاع “ثورات الناتو” المحلية من جانب الجماهير المُتعَبَةِ من أنظمتها، أو تلك الجماهير المُضلَلَةِ إعلامياً والمُعبَئةِ سياسياً من جانب منظمات المجتمع المدني المحلية ذات الإرتباطات “الأطلسية”، ويجري التدخل الغربي وفق سيناريو سهل وسريع وغير مُكلف من خلال بؤر هنا وهناك يتم تخليقها في الدول المستهدفة حربياً، لتستخدم فيما بعد كرؤوس جسور للإنقضاض على عواصمها وزعمائها.
لذا، ومن هنا، ولهذا كله، نفهم رفض الصين الحازم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفي الشأن السوري تحديداً، الذي سيكون رأس جسر للإنقضاض على دول أخرى، ومنها كبرى مُعَارِضة للسياسة الغربية، حال نجاحه لا سمح الله، لذا نقرأ في تصريحات مسؤول الخارجية الصينية، عن نهج الصين لتسوية الأزمة الراهنة بصورة “سلمية وسليمة من خلال الحوار السياسي”، والتزام هذا النهج بـ”مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، وتعمل على صيانة إستقلال سوريا وسيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها، وحفظ السلام والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وصون السلم والأمن والأمان في العالم”.
*رئيس التحرير المسؤول لمجلة(JO)الاردنية.