عززت منطقة التبت الذاتية الحكم وراثة التراث الثقافي غير المادي وأعمال ابتكاره في السنوات الأخيرة، ولم يساعد ذلك على توريث الثقافة التقليدية الممتازة فحسب، بل أصبح أيضا محركا جديدا لإحياء الاقتصاد في التبت.
وفي كل موسم سياحي، يكتظ المسرح الواقع على الضفة الجنوبية لنهر لاسا بالمشاهدين. وقد أصبحت مشاهدة الدراما الملحمية “أميرة ون تشنغ” أمرا لا غنى عنه للذين يزورون التبت. وتعتبر هذه المسرحية التي تحكي قصة التعايش المنسجم بين أبناء قوميتي هان والتبت نموذجا ناجحا “للتراث الثقافي غير المادي + العرض الفني”.
وخلال المسرحية، عُرضت العشرات من أعمال التراث الثقافي التبتي غير المادي، مثل الأوبرا التبتية ورقصة “شوان” ورقصة “قوه تشوانغ” وغيرها. وقال باي جي نائب مخرج المسرحية لمراسل وكالة أنباء شينخوا إن المسرحية تتعمق في دلالات الثقافة التبتية، وتستعيد العادات الشعبية التبتية ومشاهد من الحياة، وتساعد الجمهور على فهم الكلاسيكيات الثقافية التبتية من خلال مشاهدة أحداثها.
واستكشفت بلدة نيمو في التبت التي تشتهر بمهاراتها في صناعة البخور والورق التبتيين والنحت، مسارا جديدا لـ”التراث الثقافي غير المادي + السياحة التجريبية”، مما أتاح للسائحين فرصة لتجربة مهارات التراث الثقافي غير المادي خلال رحلتهم. وقد خصصت بلدة تونبا التي تعد مسقط رأس البخور التبتي مكانا خاصا للسائحين لتجربة عملية إنتاج البخور التبتي، حيث يختار السائحون الهيل تحت إشراف الحرفيين، ويصنعون البخور التبتي ويفهمون بشكل عميق عملية إنتاجه.
وأعلنت منطقة التبت رسميا عن الدفعة الأولى من المناظر السياحية للتراث الثقافي غير المادي، مما دمج هذا التراث مع السياحة بعمق، وجعل الثقافة التبتية التقليدية معروضة أمام المزيد من الناس.
وبالإضافة إلى ذلك، يضفي الإبداع الثقافي “عنصر حداثة” على الحرف التقليدية. ويجلب الورق التبتي مع بتلات الزهور المجففة، والبطانيات التبتية المنسوجة يدويا، وزخارف الهواتف المحمولة بعناصر فن ثانغكا وغيرها من موارد التراث الثقافي غير المادي، إلهاما للمنتجات الثقافية الإبداعية.
ووفقا لمسؤول بمكتب إدارة قصر بوتالا، فقد طور القصر أكثر من 400 منتج ثقافي وإبداعي، ومن بينها رسومات ثانغكا والخزف والمنتجات المعدنية الثمينة والبخور التبتي والورق التبتي وغيرها. ومع ازدياد مبيعات المنتجات الثقافية والإبداعية التبتية، دخلت مهارات التراث الثقافي غير المادي إلى الحياة اليومية لمزيد من الناس.
وبصفتها من محبي مهارات نحت الخشب التبتي، تفكر المصممة الشابة ليو جينغ في الجمع بين مهارات نحت الخشب القديمة والمنتجات الثقافية والإبداعية. وقالت للمراسل إن التراث الثقافي غير المادي، يمكنه مواكبة العصر ونيل شعبية وسط الشباب. وبعد أن استضافت بكين بنجاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، صنعت هذه المصصمة الشابة تمائم الألعاب الأولمبية الشتوية “بينغ دون دون” و”شوي رونغ رونغ”، باستخدام تقنيات نحت الخشب التقليدية التبتية، وباعت أكثر من خمسة آلاف تميمة.
ومع تحسين نوعية حياة الناس، يستمر البحث عن المنتجات الثقافية والإبداعية ذات الدلالة الثقافية التقليدية. وفي السنوات الأخيرة، أدت سلسلة من المسابقات، مثل مسابقة قصر بوتالا للتصميم الثقافي والإبداعي التي أُقيمت في التبت، إلى زيادة تحفيز الإلهام الإبداعي وإضفاء حيوية جديدة على التراث الثقافي غير المادي.
وأصبح “التراث الثقافي غير المادي + الصناعة” طريقا جديدا لاستكشاف إنعاش الريف. ويُعد فن ثانغكا المدرج في الدفعة الأولى من قوائم التراث الثقافي الوطني غير المادي سلسلة مهمة وخريطة ثقافية لتراث الثقافة التبتية. وعلى مر السنين، أثناء حماية وتعزيز هذا الفن في التبت، أصبحت قطاع ثانغكا أكبر وأقوى تدريجيا، وحُول من “تراث ثقافي” إلى “مصدر” لزيادة الدخل.
وتشير الإحصائيات إلى أنه يوجد حاليا أكثر من ثلاثة آلاف شخص يعملون في إبداع لوحات ثانغكا في التبت، وأكثر من عشرة آلاف شخص في الصناعات ذات الصلة، حيث تتجاوز قيمة الإنتاج السنوي لفن ثانغكا حاجز 30 مليون دولار أمريكي.
ومع دخول العديد من التقنيات إلى عملية التصنيع، يرسم التراث الثقافي غير المادي صورة جديدة للثراء في التبت ويستكشف مسارات جديدة لإحياء أريافها.