العيد الوطني الصيني
موقع الصين بعيون عربية – أسامة مختار*
الأول من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، التاريخ الرمز عبرَه يسترجع الصينيون ذكرى مسيرة نضال وكفاح طويل ومراحل استكمال وحدة أراضيهم عندما أعلن الزعيم المؤسس الراحل ماو تسي تونغ في عام 1949 رسميًا عن إنشاء جمهورية الصين الشعبية والحكومة الشعبية المركزية، واقفا على منصة بوابة ميدان تيان آن من، ضغط ماو تسي تونغ على الزر الكهربائي فصعد العلم الأحمر ذو الخمس نجوم رويدا رويدا مُرفرِفا فوق سماء بكين، في الثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم في احتفال كبير حضره قرابة 300 ألف شخص ، شهدت هذه الجموع الهادرة ميلاد الصين الجديدة بعد أن عانوا مرارات العدوان وويلات الاستعمار لكنَّهم خاضوا معارك ضارية عبر أعوام طويلة على طريق الثورة ، حتى كانت لحظة التحرر الخالدة في وجدانهم .
كان السؤال آنذاك هل تستطيع أن تقف الصين على قدميها؟ وتتقدم للأمام بخطى ثابتة؟ وصار العالم كله ينظر باهتمام إلى عملاق الشرق الذي نهض للتو، وتوالت السنوات ليؤكد زعماء الصين أنهم على قدر التحدي يسندهم شعبهم عبر نضال شاق ولكنَّه مفرح، ولم يتخيل الشعب الصيني قبل 73 عامًا كيف ستتغير الصين إلى ماعليه اليوم!.
كان تعداد سكان البلاد عند تأسيس الصين الجديدة 540 مليون نسمة، نحو 400 مليون منهم من الأميين، ولأن القراءة شرط مسبق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، أطلقت الحكومة حملة محو الأمية في أنحاء البلاد لتشمل الرجال والنساء العجائز والأطفال.
إنَّ تأسيس الصين الجديدة بمثابة تغيير اجتماعي كبير غير مسبوق في تاريخ الأمة الصينية، تتمثل الطبيعة الأساسية لهذا التغيير في إنشاء نظام اجتماعي جديد باعتبار الشعب سيدا للدولة، تفعل الصين الجديدة كل شيء من أجل الشعب وبالاعتماد عليه، ويتقاسم الشعب ثمار جهوده كافة.
منذ أول يوم للاستقلال ذهب الجميع باستثناء كبار وصغار السن إلى العمل في أراضيهم الخاصة. وكانوا مفعمين بغاية الحماسة والنشاط، ونجحت الصين في تطوير المجتمع عبر تغيير نمط الحياة باتجاه تحسين حياة الشعب الصيني وصولا إلى بناء مجتمع حيوي يُتيح العيش في بيئة متوازنة وإيجابية تقوم على سعادة الأسرة والمواطن والاستقرار الاجتماعي وصولاً لتحقيق مجتمع يتطور، بل تكاد تستشعر هذه التطورات بدءً من الحي السكني الصغير وصولا إلى المناطق الرئيسية في المدن والمقاطعات الصينية.
تلاحقت موجات التغيير بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978م وفتحت الصين الشابة ذراعيها واحتضنت العالم تملؤها الحيوية و تجمع بين الحقيقة العامة للماركسية والواقع الملموس للبلاد لتنتهج طريقاً خاصاً وتتبني الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.
و خلال العقدين الماضيين، شهدت الصين نهضة وتقدماً دون توقف في مختلف المجالات خاصة في مجال التقدم العمراني الهائل في البنى التحتية والاتصالات ووسائل المواصلات حيث غيرت السكك الحديدية فائقة السرعة مفهوم الناس عن الزمان والمكان إلى حد كبير، ليست فقط بالاتصال مع المدن المزدهرة، ولكن أيضًا بالامتداد والتأثير على القرى النائية، كما تعيش الصين حياة آمنة وإنجازات عظيمة في مجالات الفضاء وأعماق البحار والتقدم التكنولوجي الهائل الذى يعكس حجم النمو الذى تعيشه هذه البلاد، كل هذه شواهد على عظمة هذه التحولات والإنجازات .
ومضت مسيرة التوحيد بعد التحرر بقوة في ديسمبر عام 1981، اتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني قراراً باستعادة هونغ كونغ في 1 يوليو عام 1997. بعد أكثر من 150 عاماً، وبعد أن انطلقت عملية عودة هونغ كونغ، بدأت المفاوضات حول عودة ماكاو أيضاً. في عام 1986، أجرت الحكومتان الصينية والبرتغالية مفاوضات بشأن قضية ماكاو. في 13 أبريل عام 1987، تم توقيع البيان الصيني البرتغالي المشترك رسمياً، معلناً أنّ الحكومة الصينية ستستأنف سيادتها على ماكاو في 20 ديسمبر عام 1999م. في مارس من عام 1993، راجعت الدورة الأولى للمجلس الوطني الثامن لنواب الشعب “القانون الأساسي لمنطقة ماكاو الإدارية الخاصة لجمهورية الصين الشعبية” ووافقت عليه.
وتمر السنوات بعد السنوات وتمضي مسيرة الكفاح الطويلة ويعلن الزعيم شي جين بينغ الرئيس الصيني الحالي في بداية عهده “لنبذل الجهود سعيا لبناء دولة اشتراكية حديثة، قوية، مزدهرة، ديمقراطية، متحضرة، متناغمة وجميلة!” وبهذا يتأكد أن هذه البلاد تسير على الطريق الصحيح.
في عام 2012، عندما بدأت الصين المضي قدماً في بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، خاصةً منذ الإصلاح والانفتاح، شن الحزب الشيوعي الصيني حرباً ضد الفقر، وشرع في ايجاد الطريق ذي الخصائص الصينية للحد من الفقر، تخلص أكثر من 800 مليون فقير من حالة الفقر وأتخذت الدولة مبادرة لاستكمال أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية. تم نقش علامة فارقة في تاريخ الصراع بين البشرية والفقر وتحقق الهدف في موعده رغم معركة الصين مع محاربة الوباء في العام الذي كان محدداً للقضاء على الفقر وبذلك تبددت المخاوف والقلق لمن خرجوا من دائرة الفقر من عدم حصولهم على الطعام واللباس، والتعليم الإلزامي، والرعاية الطبية الأساسية، وضمان الأمن السكني.
اهتم شي جين بينغ بالحضارة الايكلوجية، وفي سبتمبر عام 2013 أشار إلى أنه “يجب بناء وحماية الجبال الخضراء والمياه الصافية بالتزامن مع السعي للحصول على جبال الذهب والفضة، يمكن التخلي عن جبال الذهب والفضة من أجل الجبال الخضراء والمياه الصافية، لأن الجبال الخضراء والمياه الصافية هي جبال الذهب والفضة.”
كما أن أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد متجذرة في الأراضي الصينية، وتتوافق بقوة مع تيار العصر وتجسد إرادة الشعب ومطالبه الفعلية وتعد إنجازات فكرية أساسية وسياسية كبرى حققها الحزب منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني وبعد أيام سينعقد المؤتمر العشرون للحزب من خلال قيادة الشعب لتعزيز الممارسة والنضال العظيمين.
اندمجت الصين في العالم، فتحرك نحوها العالم “عبر( مبادرة الحزام والطريق) و(مبادرة التنمية العالمية) وقد كسبت الصين العالم وكسب العالم الصين أيضاً، وزاد اجتهاد وابداع الشعب الصيني من قوة التنافس لمختلف
الصناعات حيث تعد المنتجات الصينية المصدرة إلى الخارج عالية الجودة ومنخفضة السعر ومتنوعة الأصناف من المستلزمات اليومية إلى المنتجات عالية التكنولوجيا، مما ساعد المستهلكين الأجانب على تحسين جودة معيشتهم وتخفيض تكلفتها.
لم تطور الصين نفسها فحسب بل أتت بمنافع للآخرين أيضاُ، تحول نمط معيشة الصينيين إلى حياة رغيدة على نحو شامل، بعد مرور 73 سنة من الكفاح، وتقف الأمة الصينية اليوم في شرق العالم موقفاً جديداً، وتتقدم إلى الأمام بثبات، تعد الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما أنها أكبر بلد في مجال التصنيع، وأكبر بلد من حيث التجارة في السلع، وأكبر بلد في احتياطيات النقد الأجنبي.
وفي ذكرى العيد الوطني ستبقى التضحيات التي أدهشت العالم والتي قدمها عدد لا يُحصى من أبناء الصين الذين ضحوا بحياتهم لتكون جمهورية الصين الشعبية، وستسجل هذه البطولات والتضحيات بمداد من ذهب في تاريخ الصين الجديدة إلى الأبد.
* خبير بمجموعة الصين للإعلام