رؤية شي الإقتصادية: معرض الصين الدولي للاستيراد في شانغهاي يربط الحلم الصيني بحلم العالم
داخل كشك عرض تبلغ مساحته حوالي 20 مترا مربعا، توقف الناس لمعاينة البسط والسجاد الأفغاني المصنوع يدويا، مبدين إعجابهم بالتصميم الفريد والنعومة والأصباغ الطبيعية التي جعلت من هذه الحرفة اليدوية من بين الأجود في العالم لعدة قرون.
وقال علي فايز، وهو تاجر يبلغ من العمر 28 عاما يشارك في معرض الصين الدولي للاستيراد للمرة الثالثة، إنه “عادة ما تستغرق سجادة واحدة كبيرة فترة تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر من عائلة لنسجها، وتظهر هذه السجادات الجميلة والمتينة التراث الحرفي الذي توارثته أجيال من العائلات في أفغانستان”.
اعتاد السجاد أن يكون من بين أهم السلع التجارية والتصديرية في أفغانستان. لكن الصناعة تشهد تراجعا بسبب عقود من الصراعات والعقوبات الغربية. عندما جلب فايز السجاد إلى السوق الصينية، جلب معه أيضا آمال الناس في البلد الذي مزقته الحرب.
ومنذ انطلاقه في عام 2018، حمل معرض الصين الدولي للاستيراد آمال الناس، سواء في الصين أو البلدان الأخرى، لدفع الرخاء والتقدم المشترك من خلال التعاون الدولي في مجال التجارة والأعمال.
وقد حول هذا المعرض العالمي حلم فايز بحياة أفضل إلى حقيقة.
— سوق للعالم
من خلال معرض الصين الدولي للاستيراد، تلقى فايز طلبات لشراء أكثر من ألفي سجادة، والتي ذكر أنها وفرت ما يعادل دخل عام لأكثر من ألفي أسرة أفغانية. وعائلة بوستون باراتي، البالغ من العمر 38 عاما، واحدة منهم.
ونشأ باراتي في حي فقير على مشارف العاصمة الأفغانية كابول، وتعلم نسج السجاد عندما كان طفلا، ولم يخطر بباله أبدا أن بوسعه امتلاك ورشته الخاصة قبل بيع سجاده إلى الصين.
أثناء المرور في فناء في كابول مليء بخيوط الصوف، كان العديد من النساجين مشغولين بعقد الخيط حول الإبر وهو ما يشكل أساس السجاد قبل أن يستخدموا الخيط المصبوغ الملفوف في كومات لإنشاء تصميم السجادة. وكان باراتي يجلس بجانبهم، ويرسم أنماط السجاد باستخدام جهاز كمبيوتر.
وقال باراتي إن “حياتي تغيرت بعد أن بدأت تصدير المنتجات إلى الصين”، مضيفا “لقد بنيت هذا المنزل واشتريت سيارة جديدة بفضل أعمالنا الناجحة في الصين”.
لم يكن فايز وباراتي الوحيدين اللذين اغتنما الفرصة لتغيير المستقبل. فمنذ انطلاق أعمال معرض الصين الدولي للاستيراد، تشجع الصين الشركات من البلدان الأقل نموا على الانضمام للمعرض وتساعدها لاغتنام الفرص التي تتيحها التنمية في الصين.
من الحرف اليدوية الأفغانية إلى القهوة الرواندية، ومن الأدوات الطبية المتطورة المصممة في وادي السيليكون إلى معدات التعدين العملاقة في البرازيل، تستكشف الشركات من جميع أنحاء العالم في الدورة الجارية للمعرض الفرص المتاحة في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لتنمية أعمالها الدولية.
وكما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الجمعة خلال كلمته في حفل افتتاح معرض الصين الدولي الخامس للاستيراد عبر الفيديو إن المعرض أصبح واجهة عرض للنمط التنموي الجديد للصين ومنصة للانفتاح عالي المستوى ومنفعة عامة للعالم بأسره.
وأشار خيري تورك، أستاذ الاقتصاد في معهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاغو، إلى أن “أهم شيء في الاقتصاد الصيني هو أنه يمكن التنبؤ به”، مضيفا أنه “يتمتع بنمو مطرد وإيجابي وعملة مستقرة وأساس قوي ماليا. وهذا هو السبب في أن الصين بلد جذاب للغاية للاستثمار فيه”.
— سوق يتقاسمها الجميع
منذ دورته الأولى، أظهر المعرض التزام الصين بالانفتاح رفيع المستوى وتوسيع نطاق الوصول إلى السوق أمام بقية العالم، لتساهم في النمو العالمي من خلال التنمية عالية الجودة في البلاد.
وقال فابريس ميغارابان، رئيس منطقة شمال آسيا في شركة “لوريال” والرئيس التنفيذي لشركة “لوريال الصين”، إن “المعرض يجلب أفضل الابتكارات من العالم إلى الصين، ولكنه يعرض أيضا أفضل الابتكارات في الصين للعالم”.
وبعد مرور خمس سنوات، تمضي الصين قدما نحو النمو المشترك مع جميع الشركاء الذين لديهم نفس الرؤية. ومع النظر إلى السوق الضخمة والأكثر انفتاحا والنظام الصناعي الشامل وبيئة الأعمال المتحسنة باستمرار في الصين، تضاعف العديد من الشركات الممولة من الخارج استثماراتها في البلاد.
وتمارس “زايس”، المؤسسة الرائدة في العالم في مجال تكنولوجيا البصريات والإلكترونيات الضوئية، أنشطتها التجارية في الصين منذ 65 عاما، ولديها مهمة قوية وثابتة للمستقبل في الصين، أكبر سوق منفردة للشركة.
وفي الشهر الماضي، أطلقت مشروعا بقيمة 25 مليون دولار أمريكي في مدينة سوتشو، وهي مركز تصنيع في جنوب شرق الصين، بهدف توفير خدمات البحث والتطوير والتصنيع المحلية لجميع قطاعات الأعمال في زايس. وقالت الشركة إن المشروع الجديد سيمكنها من تقديم حلول وابتكارات أفضل لسوقها العالمية.
وقال ماكسيميليان فورست، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة “زايس غريتر تشاينا” إن الأزمة العالمية والمشاكل التجارية وجائحة كوفيد-19 لم تخفف من أعمال الشركة في الصين.
وأضاف فورست أن السوق الصينية “أصبحت أكبر وأكبر كل عام، مما يعني أن (السوق في) الصين تنمو بشكل أسرع من باقي فروع زايس”.
وتتشاطر العديد من الشركات عبر الوطنية وجهات نظر مماثلة بشأن آفاق التنمية في الصين. ووفقا لوزارة التجارة الصينية، زاد الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني، في الاستخدام الفعلي، بنسبة 18.9 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 155.3 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022.
ومن خلال تعزيز التفاعل بين السوقين المحلية والدولية وبين الموارد الداخلية والخارجية، ستعمل الصين مع جميع البلدان والأطراف لتقاسم الفرص في سوقها الشاسعة في خضم رحلتها نحو تحقيق الحلم الصيني بالنهضة الوطنية.
وقال شي “سنقوم بتسريع بناء السوق المحلية القوية، والدفع بتطوير تجارة السلع وترقيتها، وابتكار آلية لتطوير تجارة الخدمات، وتوسيع استيراد المنتجات العالية الجودة”.
— سوق متاحة أمام الجميع
بالنسبة لشركة “زايس”، أصبحت صناعة مركبات الطاقة الجديدة سريعة النمو في الصين مصدر النمو الجديد للشركة في المستقبل. وقد قامت بإنشاء فرق للتركيز على تقنيات الأشعة السينية لمركبات الطاقة الجديدة، وخاصة البطاريات.
وقال فورست “لماذا نقوم بذلك في الصين؟ لأنني متأكد تماما من أن الصين هي أكبر سوق منفردة لمركبات الطاقة الجديدة”، مبينا أن “المنتجات التي نطورها هنا ستذهب إلى المصانع التي تبنيها الشركات الصينية في أوروبا والولايات المتحدة وبقية العالم”.
على مدى سنوات، سعت الصين جاهدة لخلق بيئة أكثر ملاءمة ووصول أكثر سهولة للشركات الأجنبية للاستفادة من إمكانات السوق الصينية. ونتيجة لذلك، قررت المزيد من الشركات عبر الوطنية مثل “فولكسفاكن” توسيع أعمالها في الصين.
هذا العام، سيشارك ما مجموعه 145 دولة ومنطقة ومنظمة دولية، وشركات من 127 دولة ومنطقة في معرض الصين الدولي للاستيراد الذي يستمر أسبوعا وافتتح يوم السبت.
وقال ميغارابان “أعتقد أنه لا يوجد معرض آخر في العالم قادر على جمع الكثير من الصناعات والعديد من ممثلي البلدان معا وإجراء هذا الحوار الذي يسمح لنا حقا بالتطلع إلى الفرص المتاحة”.
وذكر ميغارابان أنه بعد 25 عاما من التطوير، جعلت شركة “لوريال” الصين ثاني أكبر سوق لها في العالم، و”ما زلنا نرى الكثير من الإمكانات والفرص”، مضيفا أنه “هذا هو معنى استثمارنا”.
ومن بين المشاركين في المعرض، تتوقع الشركات اليابانية زيادة صادراتها إلى الصين بعدما خفضت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي دخلت حيز التنفيذ في أول يناير، الضرائب بشكل كبير.
وفي الوقت نفسه، شجعت أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم المزيد من الشركات من سنغافورة ونيوزيلندا ودول إقليمية أخرى على استكشاف السوق الصينية. كما أن الربط الوثيق، مثل خط السكة الحديدية الصيني اللاوسي، وضع التجارة على المسار السريع.
وفي سبتمبر، وصل أول قطار شحن يحمل حاويات من مدينة كاشغر في شينجيانغ الصينية إلى بلدة حيرتان الحدودية في أفغانستان.
وقال الحاكم المحلي، قدرة الله أبو حمزة، “إنها علامة فارقة وخطوة إيجابية نحو تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين أفغانستان والدول المجاورة”.
وأشار كوستانتينوس بي تي.كوستانتينوس، أستاذ السياسة العامة بجامعة أديس أبابا في إثيوبيا إلى أن “الانفتاح سيفيد الصين كثيرا، وله أهمية أيضا من حيث التعاون بين بلدان الجنوب، حيث يمكن للبلدان الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا الوصول بشكل أكبر إلى الصين”.
وبعد تشغيل خدمة قطار الشحن، لن يضطر فايز إلى شحن سجاده إلى شانغهاي عبر إسطنبول في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن حلمه وأحلام الشعب في أفغانستان ستكون أكثر ارتباطا بتطلعات الشعب الصيني.
وكما قال شي، فإن “الحلم الصيني هو في نهاية المطاف حلم الشعب”. ولا يمكن تحقيقه إلا عندما يرتبط بتوق الشعب إلى حياة أفضل.