صعود القوة الصينية وانحدار القوة الأميركية
صحيفة الوطن السورية:
حسن حردان:
بدأت أميركا تسير في المسار الانحداري، وإن بغير رغبتها، وهي لا تزال تعاند الحقائق، والوقائع الاقتصادية العالمية الجديدة، التي تؤكد انتهاء مرحلة تربع الولايات المتحدة على عرش القرار الاقتصادي العالمي، بعد أن أصبحت دولة غير قادرة على تأمين نفقاتها الأساسية إلا عبر الاستدانة، وممن، من الصين التي تعتبرها الخطر الأكبر الذي يهدد بضمور قوتها العالمية، ولا تستطيع وضع حد له بسبب التشابك الاقتصادي بين الدولتين وعدم قدرتها الاستغناء عن العلاقة مع الصين، اقتصادياً، ولا مالياً، رغم أن الميزان التجاري مختل بشكل كبير لمصلحة الصين، التي تعتبر بالمقابل أكبر دولة دائنة لأميركا، ما جعل خبراء الاقتصاد يصفون هذا الواقع بالواقع المعقد، والصعب الذي جعل أميركا تابعة للصين.
وفي هذا الإطار ينقل جوزيف آر ناي الأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «مستقبل القوة» عن خبير صيني لدى سؤاله عن السبب في الثقة الجديدة بالنفس التي تتصرف بها الصين في مجال السياسة الخارجية قوله: «بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم يعتقد الكثير من الصينيين أن بلادهم في حالة صعود، وأن الولايات المتحدة في حالة هبوط».
وبغض النظر عن حقيقة أن الصين لا تزال تحتاج إلى بعض الوقت حتى تبلغ مستوى من التطور يجاري، أو يتجاوز التطور في الولايات المتحدة على جميع المستويات، فقد بات من المؤكد أن الصين تسير في خطا سريعة نحو القمة، وأميركا تسير في مسار انحداري حسبما تؤشر إلى ذلك الأرقام، والمعطيات الاقتصادية والمالية.
فعلى حين أن معدلات نمو الاقتصاد الصيني يبلغ سنوياً بين 13 و10% فإن الاقتصاد الأميركي يشهد حالة ركود متواصلة منذ سنوات، وهو يواجه منافسة اقتصادية قوية على صعيد الأسواق العالمية من الاقتصاد الصيني، وغيره من اقتصاديات الدول النامية، التي تمكنت سلعها الرخيصة الكلفة، والجيدة من اكتساح الأسواق الدولية على حساب السلع الأميركية ذات الكلفة المرتفعة.
وبينما تصدر الصين أكثر مما تستورد، وأصبحت أكبر دولة تجارية في العالم، وميزانها التجاري يحقق فائضاً بما يفوق الـ160 مليار دولار سنوياً، مع أنها تعتبر ثاني أكبر دولة مستوردة في العالم.
فإن الولايات المتحدة، ومنذ عقود، باتت تستورد أكثر مما تصدر، الأمر الذي جعلها أسيرة عجز في ميزانها التجاري، بدأ منذ عام 1971، وأخذ بالتنامي حتى بلغ عام 2005 رقماً قياسياً مقداره 723.616 مليون دولار، وهو رقم أسوأ بنحو 25 في المئة من العجز المسجل في عام 2004، وسجل العجز عام 2006 مبلغاً مقداره 763.600 مليون دولار، أي يزيادة نحو 40 مليار دولار عن عام 2005، واقترب العجز في عام 2011 من سقف الـتريليون دولار، وهكذا ازداد الفارق بين مداخيل أميركا وإنفاقها الذي يتجاوز هذه المداخيل، ما أغرقها في مزيد من الاستدانة لتغطية العجز في الموازنة السنوية، حتى تحولت أميركا إلى أول دولة مدينة في العالم، وبلغت ديونها مع نهاية العام الماضي أكثر من 15 تريليون دولار، وهي مرشحة لتصل إلى نحو 23 تريليون دولار، في السنوات العشر القادمة، ما يوسع الهوة بين حجم ناتجها القومي الكلي البالغ 14.5 تريليون دولار، ونسبة الدين، ويزيد من عبء فوائده المرهقة للاقتصاد، ويجعلها تغرق أكثر في أزمة مديونية غير مسبوقة في التاريخ، ما يؤشر إلى انتهاء وتلاشي عصر القوة الاقتصادية الأميركية المهيمنة على الاقتصاد العالمي، بعد أن أصبح من المستحيل على أميركا أن تخرج من أزمتها مع احتفاظها بالمرتبة الأولى، في ظل تصاعد وتيرة المنافسة الاقتصادية الصينية للاقتصاد الأميركي في الأسواق العالمية، وفي السوق الأميركية على حد سواء، وباتت واشنطن تواجه استحقاق الإقرار بهذا الواقع، والعمل على أساس أن إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية لم تعد تسمح لها بالتصرف باعتبارها الدولة الأقوى في العالم، وبالتالي عليها التسليم بقاعدة العيش بحدود هذه الإمكانات والقدرات.
ولأن مقياس القوة لأي دولة في العالم يبنى على أساس القوة الاقتصادية، فإننا نشهد هذه الأيام تقدماً ملحوظاً في النفوذ السياسي الدولي للصين، في مقابل انحسار، وتراجع نفوذ الولايات المتحدة على المسرح العالمي، وظهر ذلك بوضوح في الآونة الأخيرة، في مجلس الأمن الدولي، من خلال استخدام الصين للفيتو مرتين إلى جانب روسيا، في مواجهة أميركا وحلفائها من دول الغرب، التي عجزت عن استصدار قرار عن مجلس الأمن يسمح لها بالتدخل في سورية لإسقاط نظامها الرافض لمشاريع الهيمنة الغربية، في محاولة لمنع تبدل المعادلة في المنطقة والعالم في غير مصلحتها، الأمر الذي اعتبر مؤشراً قوياً على سقوط وانكسار الهيمنة الأميركية على القرار الدولي.
وعليه يمكن القول، وبكل تأكيد: إن أميركا لم تعد قوة عظمى مهيمنة على العالم، وهي أصبحت في ميزان القوى الدولي الحالي واحدة من عدة دول كبرى، إلى جانب الصين، وروسيا.. إلخ.