دبلوماسية الصين الربيعية المكثفة تعزز الثقة في النمو والسلام العالميين
في الأسابيع الأخيرة، استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ مجموعة من القادة الأجانب الزائرين.
ومع المصافحات الودية والتوافق الموسع والنتائج المثمرة، أرسلت حملة بكين الدبلوماسية المكثفة في هذا الربيع إلى المجتمع الدولي رسالة واضحة ومشجعة للحوار والسلام والتعاون، وهو أمر بالغ الأهمية لعالم يعاني من تزايد الشكوك والمخاطر.
— تعزيز الشراكات
في الفترة من أواخر مارس إلى أوائل أبريل، سافر قادة من إسبانيا وماليزيا وسنغافورة وفرنسا والاتحاد الأوروبي إلى بكين لتعزيز شراكتهم مع الصين.
ماليزيا وسنغافورة دولتان جارتان للصين وعضوان مهمان في رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان).
من بين دول جنوب شرق آسيا، كانت سنغافورة الأكثر انخراطا في الإصلاح والانفتاح في الصين، ومصالحها الأكثر تكاملا مع الصين.
وكان رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ من بين أوائل رؤساء الحكومات الأجنبية الذين زاروا الصين بعد اختتام “الدورتين” السنويتين في الصين في مارس.
وخلال زيارة لي للصين التي ذهب خلالها إلى قوانغتشو وبوآو وبكين، اتفق الجانبان على رفع العلاقات الثنائية إلى شراكة شاملة عالية الجودة موجهة نحو المستقبل.
زوار يلوحون بأعلام في حفل أُقيم لإحراز تقدم في نفق باكا في باكا بولاية تيرينجانو، ماليزيا يوم 9 أبريل 2021. وشهد خط سكك حديد الساحل الشرقي، مشروع السكك الحديدية الضخم في ماليزيا الذي تم بناؤه بشكل مشترك مع شركة إنشاءات الاتصالات الصينية، أول نفق بولاية تيرينجانو يوم 9 أبريل 2021. (شينخوا)
تتمتع الصين وماليزيا بصداقة طويلة الأمد. ولسنوات، عمل الجانبان بشكل وثيق لدفع التعاون عالي الجودة في مبادرة الحزام والطريق، وبذلا جهودا مشتركة لبناء مجتمع صيني ماليزي ذي مستقبل مشترك.
بعيدا عن آسيا، تولي الصين أيضا أهمية كبيرة لعلاقاتها مع أوروبا، باعتبارهما قوتين رئيسيتين، وسوقين كبيرتين، وحضارتين عظيمتين في العالم.
يوم الخميس، استقبل شي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بكين، وذلك بعد وقت قصير من زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في أواخر مارس. وتظهر هذه الزيارات أن الصين وأوروبا على استعداد تام للحفاظ على الحوارات والعلاقات وتعزيزها.
وجاءت زيارة ماكرون إلى بكين في وقت تستمر فيه مكانة الصين على الساحة العالمية في النمو، حسبما ذكرت إذاعة ((فرانس إنفو)).
وخلال المحادثات الودية والمتعمقة بين شي وماكرون، اتفق الجانبان على أنه يتعين على الصين وفرنسا، باعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي المتحدة ودولتين رئيسيتين تتمتعان بتقاليد الاستقلال، الالتزام بالاتجاه العام لشراكة إستراتيجية شاملة مستقرة ومفيدة للطرفين ومغامرة وديناميكية، وضخ حيوية جديدة في العلاقات الصينية-الأوروبية، وتقديم مساهمات جديدة في التعاون الدولي ضد التحديات العالمية.
وقالت هدير سعيد، أستاذة العلاقات الدولية في معهد البحوث والدراسات العربية ومقره القاهرة، إن العديد من الدول واجهت تحديات تتعلق بجائحة كوفيد-19 والأزمة الأوكرانية، لذلك “تأتي إلى الصين للاستفادة من خبراتها وتجاربها، والتعاون معها لمواجهة هذه التحديات”.
— تحفيز التعاون المربح للجميع
تتكشف أجندة بكين الدبلوماسية المزدحمة في وقت يكافح فيه الاقتصاد العالمي مع توقعات قاتمة وسط استمرار التضخم وتباطؤ توقعات النمو. وحذر البنك الدولي من “عقد ضائع” للاقتصاد العالمي، ما لم يتبن صانعو السياسات مبادرات طموحة.
أناس يزورون معرض الصين الدولي الثالث للمنتجات الاستهلاكية في هايكو، عاصمة مقاطعة هاينان جنوبي الصين يوم 10 أبريل 2023. (شينخوا)
من المؤتمر السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي 2023 الذي اختتم للتو إلى معرض الصين الدولي الثالث للمنتجات الاستهلاكية، فإن سعي الصين لتحقيق تنمية عالية الجودة وانفتاح عالي المستوى لا يبني الثقة فحسب، بل يفرض أيضا قوة استقطاب للمستثمرين العالميين وسط التعافي الاقتصادي العالمي الضعيف والرياح المعاكسة للحمائية.
وحددت الصين النمو الاقتصادي المستهدف لها بنحو 5 في المائة في عام 2023.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جيورجييفا في منتدى تنمية الصين 2023 الذي اختتم أعماله مؤخرا إن التحليل يبين أن زيادة نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين تؤدي إلى زيادة قدرها 0.3 نقطة مئوية في النمو في الاقتصادات الآسيوية الأخرى.
وبينت سعيد أن “الأزمة الاقتصادية لا تزال تعصف بالعديد من دول العالم” بسبب تراجع معدلات النمو العالمية وتباطؤ التجارة الدولية، مشيرة إلى أن “هذه التحديات أثرت أيضا على مناخ الاستثمار في العديد من دول العالم، بينما كانت الصين واحدة من الدول القليلة في العالم التي حافظت على معدلات نمو إيجابية”.
وشهد التكامل الاقتصادي الإقليمي في آسيا تعزيزا متواصلا على مر السنين، حيث بلغ الاعتماد التجاري بين الاقتصادات الإقليمية مستوى مرتفعا نسبيا وظلت (الآسيان) والصين مركزين للتجارة والتصنيع.
قطار شحن يتجه نحو ييوو في الصين مغادرا من مدريد، إسبانيا يوم 9 مارس 2023. (شينخوا)
ومن شأن سعي الصين الدؤوب للانفتاح عالي المستوى والتحديث الصيني أن يجلب فرصا جديدة لتنمية البلدان الأخرى.
وبما أن هذا العام يصادف الذكرى السنوية الـ20 لإقامة شراكة إستراتيجية شاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي، تتطلع الشركات الأوروبية إلى المزيد من الفرص من التعاون العملي الأوسع مع الصين.
وفي عام 2022، ظل التعاون التجاري والاقتصادي بين الصين والاتحاد الأوروبي مرنا وديناميكيا، وحددت الحوارات رفيعة المستوى مسار التعاون التجاري والاقتصادي بين الصين والاتحاد الأوروبي. وبلغت قيمة إجمالي التجارة الثنائية في السلع بين الصين والاتحاد الأوروبي 821.24 مليار دولار أمريكي، بزيادة 5.6 في المائة على أساس سنوي.
وخلال زيارته للصين، رافق ماكرون وفد تجاري قوي، يتضمن أعضاء في شركة إيرباص الأوروبية لصناعة الطائرات، وشركة إل في إم إتش العملاقة للسلع الفاخرة، وأكبر شركة كهرباء في فرنسا إي دي أف، في محاولة لتعزيز العلاقات التجارية.
وقال ماكرون في اجتماع ثلاثي مع شي وفون دير لاين إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي والصين العمل مع بعضهما البعض للابتعاد عن فخ الفصل الاقتصادي وقطع سلاسل التوريد، وتنفيذ تعاون متبادل المنفعة على قدم المساواة، ومعالجة التحديات العالمية الملحة مثل تغير المناخ، ومواصلة تعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين.
موظفو شركة ((إيرباص)) الأوروبية لتصنيع الطائرات وشركة ((جونياو)) الجوية التي تتخذ شانغهاي مقرا لها، الذين يحضرون حفل تسليم أول طائرة مجمعة في الصين “إيه 321 نيو” يقفون لالتقاط صورة جماعية أمام الطائرة في بلدية تيانجين شمالي الصين يوم 24 مارس 2023. (شينخوا)
ووقعت 36 شركة صينية وفرنسية يوم الخميس 18 اتفاقية لتوسيع التعاون في مجالات تشمل التصنيع والتنمية الخضراء والطاقة الجديدة والابتكار في اجتماع لرجال الأعمال الصينيين والفرنسيين.
ووقعت شركة إيرباص وشركاؤها الصينيون اتفاقية لتوسيع قدرة التجميع النهائي لطائراتها من طراز أيه 320 مع خط ثان في موقعها في مدينة تيانجين شمال الصين. وسيساهم خط التجميع الجديد في تحقيق هدف إيرباص المتمثل في إنتاج 75 طائرة من طراز أيه 320 شهريا بحلول عام 2026 من خلال شبكة الإنتاج العالمية.
وقال شي لماكرون “لدينا ثقة كاملة في التنمية المستقبلية للصين. ونرحب بفرنسا لمواصلة المشاركة بنشاط في معرض الصين للاستيراد والتصدير ومعرض الصين الدولي للاستيراد ومعرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات لزيادة توسيع السوق الصينية”.
وذكر كافينس أدهير، وهو باحث في العلاقات الدولية يقيم في كينيا، أن أحد الأسباب المهمة التي تدفع القادة السياسيين للقيام بزيارات مكثفة إلى بكين هو أن “الصين لا تزال عامل تمكين ومرساة مهمة للاستقرار الاقتصادي العالمي”.
وأشار أنغ تيك سين، وهو معلق سياسي في سنغافورة، إلى أن الصين خلقت بيئة تنمية متناغمة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم بأسره، وقامت بتعزيز العولمة والتجارة العالمية، وهما بالضبط ما يحتاجه العالم في الوقت الحاضر.
— صون السلام العالمي
وكأحدث مثال على دورها العالمي كدولة كبرى مسؤولة، نجحت الصين في تسهيل المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإيران لاستئناف العلاقات بعد سنوات من الخصومة – وهو ما يمثل نعمة لأمن واستقرار الشرق الأوسط.
وفي يوم الخميس، بالتوازي مع اجتماع شي وماكرون، التقى عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني تشين قانغ بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بكين، وشهد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران.
وقال خبراء إن المصافحات بين البلدين الشرق أوسطيين في بكين تمثل انتصارا للحوار والسلام، فضلا عن كونها أخبارا جيدة للعالم، وتظهر دور الصين البناء في تعزيز السلام.
وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية الدائرة، تقرر الصين موقفها وسياستها بناء على وقائع المسألة المعنية، وتتمسك بالموضوعية والإنصاف، وتعزز بنشاط محادثات السلام.
وقدمت اقتراحا من 12 نقطة لإنهاء الصراع في أوكرانيا من خلال معالجة كل من أعراض الأزمة وأسبابها الجذرية، وجددت التأكيد على ضرورة إنهاء الصراع من خلال الحوار والتفاوض.
وقال شي في اجتماع غير رسمي مع ماكرون في قوانغتشو، حاضرة مقاطعة قوانغدونغ في جنوب الصين، إن الصين لن تتعامل أبدا مع قضية أوكرانيا بدافع المصالح الأنانية، ولكنها تقف دائما مع الإنصاف والعدالة، مضيفا أنه يتعين على جميع الأطراف المعنية تحمل مسؤولياتها وبذل جهود مشتركة لتهيئة الظروف للتوصل إلى تسوية سياسية.
وأعرب كل من سانشيز وماكرون عن تقديرهما لدور الصين البناء في تعزيز التسوية السياسية للأزمة التي طال أمدها.
أناس يزورون جناح سنغافورة في الدورة الـ18 لمعرض الصين-آسيان في ناننينع، عاصمة منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ جنوبي الصين يوم 11 سبتمبر 2021. (شينخوا)
وذكر رئيس الوزراء السنغافوري أن بلاده تعتقد أنه يتعين على جميع الدول احترام بعضها البعض والتعايش في سلام والسعي لتحقيق التعاون متبادل النفع وتجنب الصراعات والاستجابة بشكل مشترك للمخاطر والتحديات، بما يتوافق مع فكرة نمط جديد من العلاقات الدولية التي تدافع عنها الصين.
وخلال محادثاتهم مع شي، أعرب القادة الزائرون عن معارضتهم لعقلية الحرب الباردة ومواجهة الكتل.
وأفاد الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون أن “فكرة الصين بأن تكون بانية للسلام العالمي ومساهمة في التنمية العالمية ومدافعة عن النظام الدولي ومقدمة للمنافع العامة تتفق مع المثل العليا لميثاق الأمم المتحدة”.
فيما قال هيلموت شولتس، وهو عضو ألماني في البرلمان الأوروبي، “أرحب بالكلمات وأشارك نهج الرئيس شي”.
وأفاد شولتس أنه “يتعين على هؤلاء القادة، الذين لديهم القدرة على القيام بذلك، أن يعملوا الآن بشكل مكثف معا لتحقيق سلام دائم لشعوب القارة الأوراسية، ومن خلال ذلك المساهمة في استقرار عمل نظام متعدد الأطراف منصف وعادل في عالمنا”.