مقالة خاصة: الولايات المتحدة تؤجج المواجهة في منطقة آسيا-الباسفيك لتثير مخاوف واسعة النطاق
في مقال رأي نُشر مؤخرا في موقع (نيكاي آسيا) الياباني، دعا السناتور الأمريكي ماركو روبيو، المعروف بانشغاله الكوميدي والخطير برواية “تهديد الصين”، إلى بناء تحالف إقليمي مناهض للصين في منطقة آسيا-الباسفيك.
لم يكن روبيو وحده متحمسا لبناء مواجهة تكتلية ضد الصين. لقد حرصت الإدارة الأمريكية، العالقة في عقلية الحرب الباردة، على إنشاء “تكتلات صغيرة” مناهضة للصين.
ويحذر الخبراء في منطقة آسيا-الباسفيك من أن محاولة الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها من خلال العداء في المعسكرات تُعرض السلام والأمن الإقليميين للخطر.
— الضغط لإنشاء تكتلات صغيرة
في السنوات الأخيرة، كانت واشنطن تروج لما يسمى بـ”استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” و”منافسة القوى العظمى”، وذلك في محاولة لبناء تحالف في منطقة آسيا-الباسفيك بهدف أساسي وهو احتواء الصين.
وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة النطاق، شجعت واشنطن الحكومة اليابانية على تغيير سياسة الأمن القومي الجوهرية في اليابان. ونتيجة لذلك، تأمل اليابان في أن تصبح قوة عسكرية كبرى، ما يُشكل تحديات جديدة للسلام والأمن الإقليميين مع زيادة تحالفها مع القوات الأمريكية.
وبالإضافة إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق، توصلت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى اتفاقيات استراتيجية بشأن “الردع الموسع”، مع نشر واشنطن المزيد من “الأصول الاستراتيجية”، بما في ذلك الغواصات النووية، في شبه الجزيرة الكورية.
كما تعمل واشنطن على دفع كوريا الجنوبية واليابان إلى المصالحة، بهدف تشكيل تحالف عسكري ثلاثي.
وفي أبريل، أجرت الولايات المتحدة والفلبين أكبر أنشطة عسكرية مشتركة منذ عقود. وفي فبراير، سمحت الفلبين للجيش الأمريكي بدخول أربعة مواقع عسكرية إضافية، بجانب المواقع الخمسة المتفق عليها سابقا في جميع أنحاء البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، تحاول واشنطن أيضا تشكيل آليات تعاون ثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين، وكذلك بين الولايات المتحدة والفلبين وأستراليا.
وفي الوقت نفسه، وضع التعاون الثلاثي بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة (أوكوس) بشأن الغواصات النووية، السلام والاستقرار الإقليميين في خطر.
— السعي وراء الهيمنة وتصدير زعزعة الاستقرار
كما أشار المحللون، قامت الولايات المتحدة بتشكيل سلسلة من التكتلات في منطقة آسيا-الباسفيك، وعززت التعاون العسكري مع حلفائها بذريعة “التعامل مع التهديدات معا”، لكن نيتها الحقيقية هي ربط حلفائها بها واستغلال الآخرين لإنقاذ هيمنتها المتراجعة.
وفي هذا السياق، قال كازوتيرو سايونجي، أستاذ زائر بجامعة هيغاشي نيبون الدولية في اليابان، إنه في محاولة للحفاظ على مكانتها الإقليمية المهيمنة، تخلق واشنطن عن عمد خلافات بين بعض الدول والصين، مما يدفعهم للانضمام إلى المُعسكر المناهض للصين.
ومن جانبه، قال كيم دونغ يوب، أستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية، إن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية يقولون إنهم يعززون ردعها لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، لكن في الواقع، إنهم عازمون على احتواء الصين.
لجعل الدول الإقليمية تخدم الهيمنة الأمريكية، تشوه واشنطن سمعة الصين، واصفة إياها بـ”تهديد” للمنطقة وحتى للعالم. وعلى الرغم من ذلك، قال كولين ماكيراس، أستاذ فخري في جامعة جريفيث في أستراليا في مقال بعنوان “الخطر هو الولايات المتحدة”، “لدى الولايات المتحدة مئات من القواعد العسكرية خارج حدودها، وقامت بتنصيب عدد من الحكومات في دول أجنبية، لتحل محل تلك التي لا تتوافق مع أيديولوجيتها التي تسميها ‘الديمقراطية'”.
ومن خلال جذب دول المنطقة إلى تكتلاتها، ستُقوض الولايات المتحدة السلام والاستقرار الإقليميين، حسبما أفاد خبراء. وقال كوون كي سيك، رئيس جمعية الصداقة بين المدن الكورية والصينية، إن الولايات المتحدة منشغلة بتجنيد كوريا الجنوبية في معسكر “الحرب الباردة الجديدة”، والانخراط في مواجهة تكتلية، الأمر الذي لن يؤدي إلى زعزعة السلام في شبه الجزيرة الكورية فحسب، بل أيضا يُشكل تهديدا جديدا للأمن في شمال شرق آسيا.
وبدورها، قالت آنا ماليندوغ-أوي، نائبة رئيس مركز الأبحاث بمعهد الدراسات الاستراتيجية للقرن الآسيوي في الفلبين ومقره مانيلا، إنه من خلال التودد للفلبين، تثير الولايات المتحدة المزيد من التوترات والانقسامات في منطقة آسيا-الباسفيك، ما يهدد السلام والاستقرار الإقليميين.
— معارضة متزايدة وقلق واسع النطاق
ومع كشف العالم النوايا الشريرة والمخاطر الهائلة التي تُشكلها التكتلات الأمريكية في منطقة آسيا-الباسفيك، يتردد صدى المعارضة على المواجهة التكتلية في جميع أنحاء المنطقة.
وفي إشارة إلى جهود الحكومة اليابانية للتخلي عن إستراتيجيتها الدفاعية السلمية لما بعد الحرب لخدمة “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” الأمريكية، قال أتسوشي كوكيتسو، أستاذ فخري بجامعة ياماغوتشي، إنه ينبغي أن تساهم سياسة الأمن اليابانية في السلام العالمي بمجالات كالاقتصاد والرعاية الطبية والثقافة، بدلا من تعزيز قوتها العسكرية، مضيفا أن اليابان اختارت طريقا خطيرا للغاية من خلال الانحياز إلى الولايات المتحدة عسكريا.
وفي الوقت نفسه، أعربت وسائل إعلام بكوريا الجنوبية عن مخاوفها وشكوكها حول انضمام حكومتها إلى المعسكر الأمريكي الياباني. وحذرت صحيفة ((هانكيوريه)) من أنه إذا انخرطت كوريا الجنوبية في “حرب باردة جديدة” حرضت عليها الولايات المتحدة، فإن المخاطر الأمنية في شبه الجزيرة الكورية ستزداد بشكل كبير، وسيصبح الوضع الأمني في كوريا الجنوبية أكثر اضطرابا.
ومن جانبه، كتب لي جونغ سيوك، وزير التوحيد الأسبق في كوريا الجنوبية، في مقال مفاده أنه بذريعة القيم المشتركة، أعلنت الولايات المتحدة أنها بحاجة إلى الانخراط في التعاون العسكري والسياسي مع اليابان وكوريا الجنوبية على مستوى التحالف، ولكن هناك شك فيما ستحققه كوريا الجنوبية من هذا التعاون.
وقال الرئيس الفلبيني فرديناند روموالديز ماركوس مؤخرا إن القواعد العسكرية للبلاد لن تُستخدم لمهاجمة دول أخرى، بما في ذلك الصين. ويعتقد المحللون أن هذا البيان يشير إلى أن الجانب الفلبيني غير راغب في التورط في المواجهة التكتلية التي أثارتها الولايات المتحدة، لكن الإكراه الأمريكي وضعه في معضلة.
إن السياسة الخارجية المستقلة للفلبين تخضع لاختبار قاس، وإن تعميق التعاون الأمني والعسكري بين الفلبين والولايات المتحدة أمر مقلق، بحسب ماليندوغ-أوي.
ومن جهة أخرى، انتقد سياسيون أستراليون علنا اتفاق أوكوس للغواصات النووية. وفي البرلمان الأسترالي، قال السناتور جوردان ستيل جون إنه كان أحد القرارات السياسية الأكثر كارثية التي اتخذتها الحكومة الأسترالية على الإطلاق. وأشار إلى أن الأستراليين سيرون أموالهم تدعم مصنعي الدفاع البريطانيين والأمريكيين، مضيفا أن هذا الاتفاق “يقيدنا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الأبد”.
وأشار المحللون إلى أنه في الوقت الذي يتزايد فيه الترابط بين الدول، فإن الدخول في مواجهة تكتلية مع عقلية الحرب الباردة يتعارض مع اتجاه العصر ويضر بالمصالح المشتركة للبشرية جمعاء.
كما قال كوكيتسو إن القرن الحادي والعشرين قرن السعي لتحقيق الازدهار المشترك وبناء أساس للسلام، وحث الولايات المتحدة على التركيز على السعي نحو التعاون مع الدول الأخرى في تحقيق السلام والازدهار في العالم.