مقالة خاصة: الصين تجري استكشافات تنطوي على تحديات كبيرة في أعماق البحار لحطام سفينتين غارقتين من عهد أسرة مينغ
وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا:
على متن السفينة “تان سوه يي هاو” 16 يونيو 2023 (شينخوا) في وقت مبكر، وصلت سفينة البحث العلمي الصينية “تان سوه يي هاو” (ديسكفري وان)، التي تحمل على متنها الغواصة المأهولة “شنهاي يونغشي” (محارب أعماق البحار)، إلى مدينة سانيا الساحلية في مقاطعة هاينان بجنوبي الصين، ما يمثل اختتاماً ناجحاً لمهمة تنقيب أثري فريدة في أعماق البحار.
وعلى مدى أكثر من 20 يوماً، قامت الغواصة التي تُقلُّ أعضاء من فريق أثري مشترك، بانتشال أكثر من 200 قطعة من آثار ثقافية يعود تاريخها إلى حوالي 500 عام من موقع حطام سفينتين قديمتين، غرقتا على عمق نحو 1500 متر تحت الماء في بحر الصين الجنوبي.
وتضمنت الاكتشافات مرساة حديدية يبلغ طولها نحو متر واحد، وصندوقاً بدا أثناء الفحص الأولي بأنه مصنوع من الخشب، وقطعتين من الخشب، ومنتجات خزفية مختلفة مثل جرة من الخزف باللونين الأزرق والأبيض، وطبق بورسلين باللونين الأزرق والأبيض، ووعاء من الخزف المزجج باللون الأبيض.
– مهمة غير مسبوقة
مثّلت مهمة الغوص المرحلة الأولى من تحقيق أثري أوسع تحت الماء ركّز على حطام السفينتين، ويجريه علماء وفنيون صينيون على متن سفينة الأبحاث “تان سوه يي هاو”.
وتم اكتشاف الحطام لأول مرة في أكتوبر 2022 بواسطة الغواصة المأهولة “شنهاي يونغشي” بعد حوالي 500 عملية غوص استكشافي. وتم تحديد الحطام بأنه يعود إلى عهد أسرة مينغ (1368-1644)، وسُمّي لاحقاً بحطام السفينتين رقم 1 ورقم 2 بالقرب من المنحدر القاري الشمالي الغربي لبحر الصين الجنوبي.
ويحتوي الحطام المحفوظ جيداً نسبياً على عدد كبير من الآثار الثقافية ذات القيمة التاريخية والعلمية والفنية الهامة. ولا يعتبر الاكتشاف اختراقاً كبيراً في علم الآثار لأعماق البحار في الصين فحسب، بل اكتشاف أثري مهم أيضاً على المستوى العالمي.
وفي هذا السياق؛ قال يان يا لين، مدير قسم الآثار في الهيئة الوطنية للتراث الثقافي، إن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على الحقائق التاريخية المتمثلة بأن أسلاف الصينيين قاموا بتطوير بحر الصين الجنوبي، واستغلاله والسفر منه وإليه. كما يُساهم هذا الاكتشاف في مجال البحوث حول تاريخ الصين من حيث النشاط البحري، وصناعة السيراميك، والتجارة الخارجية الصينية، وكذلك الدراسة بشأن طريق الحرير البحري.
وللقيام بالتنقيب الأثري، تم تشكيل فريق أثري مشترك يتكون من حوالي 30 شخصاً، بما في ذلك علماء آثار وخبراء في الجيوفيزياء، والجيولوجيا البحرية، والبيولوجيا البحرية، والميكانيكا الكهربائية، وتم إطلاق تحقيق أثري معني على ثلاث مراحل.
وتعد هذه المهمة غير مسبوقة.
وبدأت الصين استكشافاتها الأثرية تحت الماء في الثمانينيات من القرن الماضي، لكن معظم البعثات أجريت في مناطق ساحلية ضحلة على عمق حوالي 40 متراً تحت مستوى سطح البحر. وفي عامي 2018 و 2022، أجرت البلاد مسحين أثريين في أعماق البحار، ما دشن فصلاً جديداً لعلم الآثار في أعماق البحار بالبلاد.
ومع ذلك، فإن هذه المهمة الأخيرة تمثل تحدياً خاصاً.
فمن جهة، تشكل الطبيعة الواسعة للاكتشافات الأثرية في الموقع تحديات معينة. فإلى جانب حطام السفينتين، تم العثور على كميات كبيرة من قطع السيراميك والأدوات الفخارية، بالإضافة إلى قطع من الأخشاب، تنتشر على مساحة تبلغ حوالي 10000 متر مربع، وتستقر في قاع المحيط على عمق حوالي 1500 متر تحت مستوى سطح البحر.
وعلاوة على ذلك، لم يسبق لأحد الحصول على إرشادات حول مثل هذا المشروع. وحول ذلك؛ قال تشن تشوان شيوي، الخبير في التنقيب الجيوفيزيائي ونائب رئيس البعثة: “لا توجد حالة سابقة في جميع أنحاء العالم لإجراء تحقيق أثري على حطام سفن بهذا الحجم على هذا العمق”.
وعلى ضوء ذلك؛ توجّب على أعضاء الفريق أن يتلمسوا طريقهم ويشقوا مساراً خاصاً بهم.
-لا يوجد عمل سهل
بالنظر إلى تعقيد علم آثار أعماق البحار، وضع الفريق خططاً دقيقة لكل جانب من جوانب عملهم تقريباً. ومن تنظيف ونقل الآثار إلى تنسيق مذكرات عمل كل عضو، تمت مناقشة جميع التفاصيل من قبل الأعضاء قبل اتخاذ قرار بشأن أفضل خطة عمل.
وفي هذا السياق؛ قال سونغ جيان تشونغ، رئيس البعثة: “يمكن أن تظهر حالات غير متوقعة في أي لحظة. إنها رحلة صعبة للجميع، وتحديات كبيرة تنتظرنا”.
استغرقت كل عملية غوص حوالي ثماني إلى تسع ساعات، عمل خلالها علماء الآثار بتركيز كبير لمراقبة وتسجيل وتحليل حالة الموقع. وفي الوقت نفسه، قام قائدو الغواصة، وفقاً لتعليمات الخبراء، بإنجاز مهام مثل القياس بالليزر وتسجيل الفيديو متعدد الزوايا، وجمعوا عينات وقطعاً أثرية بالذراع الروبوتية الغاطسة.
وتم تنفيذ العمل باجتهاد وحرص شديدين.
من جانبه؛ قال لي هانغ تشو قائد الغواصة: “في كثير من الحالات، لا توجد فرصة ثانية – يمكن أن يؤدي خطأ واحد إلى عواقب لا يمكن تداركها”، مضيفاً أن جميع قائدي الغواصة التزموا بأعلى المعايير خلال مهمتهم.
كما لعبت التكنولوجيا العالية دوراً مهماً.
فعلى سبيل المثال، استخدم يوي تشاو لونغ، عضو مجموعة تجميع المعلومات التابعة للفريق، تكنولوجيا رقمية ثلاثية الأبعاد لربط الصور من أجل معالجة اللقطات المرئية لكل عملية غوص وإنشاء خريطة بانورامية للموقع، لتحديد أفضل موقع لجمع العينات من المنطقة الشاسعة التي كانت الآثار متناثرة عبرها.
– تحت المياه، ما وراء الأحلام
تكللت المرحلة الأولى من عملية التنقيب بالنجاح.
وبالإضافة إلى الآثار التي تم جمعها، أجرى الفريق أيضاً مسحاً ثلاثي الأبعاد بالليزر، وربط مواد بصرية لمناطق التراكم الأساسية لحطام كلتا السفينتين.
وأجرت البعثة أيضاً عدداً من التجارب واستخدمت تكنولوجيات متقدمة في علم الآثار في أعماق البحار، مثل تحديد المواقع تحت سطح البحر، وأجهزة التقاط روبوتية لينة. وبالإضافة إلى ذلك؛ قام الفريق بتحسين بروتوكولات العمل لعلم الآثار في أعماق البحار من خلال الاحتفاظ بمذكرات عمل مفصلة وتقارير علمية واستمارات تسجيل للقطع الأثرية المستخرجة من المياه.
بدوره؛ قال تشانغ نينغ هاو، نائب آخر لرئيس البعثة، إن نهاية هذه المرحلة من التنقيب تمثل بداية جديدة.
وبالنسبة للفريق، يعد هذا التنقيب تذكيراً قوياً بالكم الكبير من ألغاز الحضارة المخبأة تحت الأمواج.
من جانبه؛ قال عالم الآثار دنغ تشي جيانغ، وهو أيضا نائب رئيس البعثة، بعد انتهاء إحدى عمليات الغوص: “ربما حلمت بذلك مائة مرة، بل ألف مرة، لكن هذا يتجاوز أحلامي بكثير”.