تعليق ((شينخوا)): تاريخ الولايات المتحدة يفضحها: من سارق إلى كاذب في مجال حقوق الملكية الفكرية
في الأيام الأولى من تأسيس الولايات المتحدة، أبحرت مجموعات من العمال الصناعيين البريطانيين عبر المحيط الأطلسي للوصول إلى العالم الجديد، حاملة معها أسرارا تجارية لا تقدر بثمن اعتمدت عليها بريطانيا بفخر للحفاظ على هيمنتها العالمية.
لقد كانت هذه بمثابة قرصنة فكرية صارخة، وممارسة تبناها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة للتعجيل بسد الفجوة بين البلد الوليد ومن كان يهيمن عليه في السابق.
في تقرير حول الصناعات في عام 1791، شجع وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ألكسندر هاملتون الأجانب على جلب “أوجه تحسين وأسرار ذات قيمة استثنائية” إلى أمريكا، واعدا بتقديم حوافز مثل المكافآت المالية والامتيازات الحصرية.
ومع التسلل الخفي لتكنولوجيات ميكانيكية متقدمة مثل أنوال صناعة المنسوجات القطنية إلى الولايات المتحدة، سرعان ما اكتسبت البلاد ميزة تنافسية في إنتاجية التصنيع وأسست إمبراطوريتها الصناعية.
ولكن كما كتب المؤرخ الأمريكي دورون بن عطار في كتابه (أسرار التجارة)، فإن “الولايات المتحدة برزت كرائدة في مجال الصناعة على مستوى العالم من خلال الاستيلاء بشكل غير مشروع على الابتكارات الميكانيكية والعلمية من أوروبا”.
والمفارقة العجيبة هي أن مثل هذا البلد الذي ازدهر في البداية على سرقة الأسرار التكنولوجية يوجه الآن أصابع الاتهام إلى الصين، متهما الأخيرة بلا أساس بانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
فقد أفادت التقارير بأن ناثانيال فيك، السفير الأمريكي المتجول للفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية، دعا إلى تشكيل “تحالف” لوقف ما يسمى بـ”سرقة الملكية الفكرية” من جانب الصين من أجل التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الرئيسية الأخرى.
وفي الواقع تنعدم في هذا الادعاء جميع الأسس الأخلاقية. فالعقلية المضللة للحكومة الأمريكية ترى أن التطورات التكنولوجية والابتكارية في الصين قد تم تحقيقها عبر وسائل غير مشروعة وغير نزيهة، تماما كما فعل الأسلاف الأمريكيون.
ولم يعترف بأن الصين اعتمدت طريقا مختلفا ومشروعا للتنمية السلمية ينطوي على انفتاح عالي الجودة والتعاون القائم على الكسب المشترك.
وإن الخطاب الرنان في مجال حقوق الملكية الفكرية ليس سوى قناع من أقنعة عديدة تستخدمها الولايات المتحدة لإخفاء نيتها الحقيقية في اتخاذ إجراءات صارمة ضد اقتصادات ناشئة مثل الصين، التي تعتبرها تهديدا محتملا لهيمنتها الاقتصادية.
في الماضي، عندما كانت الصين متخلفة كثيرا عن الولايات المتحدة، لم تضع الحكومة الأمريكية قط مسألة حقوق الملكية الفكرية في الصدارة. بل اعتاد البلدان على الافتخار بأن يربطهما تعاون وتواصل مكثف في مجال التكنولوجيا والابتكار.
ولكن مع تضييق الفجوة بين البلدين، قامت الولايات المتحدة بتسليح حقوق الملكية الفكرية لتشويه الصين ومهاجمتها بشكل متكرر، بهدف الحد من تطور هذا الاقتصاد سريع النمو.
وبلغت هذه المؤامرة ضد الصين ذروتها في عام 2018، بعد ثماني سنوات من صعود الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
فقد فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي ادعى أن الصين قد تعدت على حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية، ضرائب إضافية على قائمة من السلع الصينية المستوردة وطبق قيودا على دخول المنتجات الصينية إلى السوق الأمريكية.
وتسببت هذه السياسة في خسائر فادحة للشركات والأفراد في الولايات المتحدة، الذين هم المالكون الفعليون لحقوق الملكية الفكرية وترتبط أعمالهم التجارية ارتباطا وثيقا بالأعمال التجارية لنظرائهم الصينيين.
والواقع أن الادعاء الأحادي الجانب “بخرق حقوق الملكية الفكرية” دأبت الحكومة الأمريكية على استخدامه في المفاوضات التجارية مع العديد من البلدان إلى جانب الصين.
ولكن بدلا من حماية أصحاب حقوق الملكية الفكرية، تستخدم الولايات المتحدة هذه الحقوق كذريعة لابتزاز الآخرين وإرغامهم على تقديم تنازلات لا يرغبون فيها، وإرغامهم على قبول تسويات غير عادلة ومتحيزة لا تخدم سوى المصالح الأمريكية.
حتى أن بعض حلفاء الولايات المتحدة كانوا على قائمة الضحايا.
في الثمانينيات، شنت الولايات المتحدة حربا تجارية ضد اليابان، التي كانت تعد حينها ثاني أكبر اقتصاد وتسجل فائضا تجاريا متزايدا مع الولايات المتحدة.
اتهمت الحكومة الأمريكية اليابان بعدم اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لحماية وإنفاذ مختلف أشكال حقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك براءات الاختراع وحقوق الطبع والنشر، وهو أمر قيل إنه أعطى اليابان ميزة غير عادلة في السوق العالمية.
وتحت ضغط دبلوماسي واقتصادي من الولايات المتحدة، وقعت الحكومة اليابانية اتفاقات مع الولايات المتحدة أدت إلى انخفاض الصادرات اليابانية وجعل السوق اليابانية في متناول المنتجات الأمريكية.
ونتيجة لذلك، عانت اليابان من انفجار فقاعات اقتصادية ضخمة ومن الانكماش، وتلى ذلك ركود اقتصادها على المدى الطويل.
فالاتهام الذي لا أساس له من الصحة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية يعكس عقلية الحرب الباردة وعقلية اللعبة الصفرية التي عفا عليها الزمن لدى الولايات المتحدة. وفي تشبث يائس بهيمنتها المتلاشية، تنظر الولايات المتحدة إلى الدول الصاعدة الأخرى كأعداء وهميين وتلجأ إلى كل السبل لاحتواء نمو تلك الدول.
إن استخدام الولايات المتحدة لحقوق الملكية الفكرية لسحق بلدان أخرى ليس مجحفا أخلاقيا فحسب، بل إنه يشكل أيضا تهديدا خطيرا للتقدم الابتكاري والتكنولوجي العالمي، لأنه يعوق التعاون والتبادلات التكنولوجية عبر الحدود.
في عالم اليوم شديد الارتباط ببعضه البعض، يُشكل الانفتاح والتعاون السبيل إلى التقدم التكنولوجي والرخاء المشترك. والصين، بوصفها داعما وممارسا قويا لحماية حقوق الملكية الفكرية، تقف على استعداد لبناء نظام عالمي متعدد الأطراف لحوكمة الملكية الفكرية يكون أكثر عدلا وإنصافا، بما يعود بالنفع على رفاه البشرية.