تعليق: إصلاح العلاقات مع الصين يستلزم إرادة من واشنطن لتبديد التصورات المغلوطة
في الآونة الأخيرة، مضت التفاعلات الصينية-الأمريكية قدما وبالتالي بعض التفاهمات المشتركة، ما يشير إلى تطور إيجابي باتجاه حدوث انفراجة في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.
ومع ذلك، من المهم أن نظل واضحين وندرك جيدا أنه في ضوء التحديات المختلفة في العلاقات الصينية-الأمريكية، لا يمكن لتلك الانفراجة أن تحدث في ليلة وضحاها أو أن تتحقق بسرعة بمجرد توفر الإرادة فقط.
فقد وصلت التبادلات السياسية والاقتصادية وكذلك التبادلات بين الأفراد إلى الحضيض منذ عقود، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التصورات المغلوطة الكبيرة في سياسة أمريكا تجاه الصين وما يترتب عليها من خطوات.
ولتحقيق الاستقرار للعلاقات الصينية-الأمريكية وتحسينها، فإن الشرط الأول والأهم يكمن في توفر الإرادة لدى واشنطن لتغيير تصوراتها عن الصين واعتماد نهج عقلاني إزاء صعود الصين.
إن جوهر مشاكل اليوم يكمن في سوء الحكم على الصين من قبل بعض السياسيين الأمريكيين، ولا سيما التحيز المتعصب ضد الصين من قبل صقور واشنطن. فالصين تسعى إلى تطوير اقتصادها لتمكين جميع الصينيين من العيش حياة أفضل، فهي لا تشكل تهديدا أو تحديا أو تريد أن تستبدل أي دولة أخرى.
وبالتالي تأطير الصين على أنها “تهديد” بناء على خوف لا أساس له من تنافس الصين على الهيمنة فهو أمر لا يعقل على الإطلاق، كما أن تصوير الصين بالعدو الوهمي ليس إلا حالة نموذجية من القلق غير المبرر.
إن واشنطن تفتقر أيضا إلى الفهم الكافي لقدرة الشعب الصيني. فمن الوهم أن تتخيل الولايات المتحدة أنها تستطيع أن تتعامل مع الصين “من موقع قوة”، فالصين لم تقبل أبدا بمنطق “القوة تصنع الحق”، وأي محاولة لقمع الصين لن تؤدي إلا إلى رد أكثر حزما من جانب الشعب الصيني.
ثانيا، لإصلاح الخلافات بين الجانبين يجب تنفيذ الإجماع الذي تم التوصل إليه بين رئيسي البلدين خلال قمة مجموعة العشرين في بالي بشكل حقيقي.
فقد أدى تبادل وجهات النظر بين الرئيسين في إندونيسيا إلى رسم مسار إعادة العلاقات إلى مسار سليم ومستقر.
غير أن الولايات المتحدة على مدار الأشهر القليلة الماضية وقفت ضد الروح التي دعا إليها الإجماع، واتخذت عددا كبيرا من الإجراءات التي تضر بمصالح الصين الأساسية، وألحقت أضرارا بالغة بالأساس السياسي للعلاقات الصينية-الأمريكية، وتلويث بيئة التبادلات الثنائية، وتعطيل أجندة الحوار والتعاون المتفق عليها.
ويستلزم تنفيذ الإجماع الذي تم التوصل إليه في بالي التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين.
وبالنسبة للصين والولايات المتحدة، فإن احترام حقوق التنمية لبعضهما البعض، والتعامل مع أسباب التوترات بشكل صحيح، إلى جانب تبني التعاون بدلا من المواجهة، يمكن أن يضمن التطور المطرد والطويل الأجل لعلاقاتهما.
ثالثا، يجب على كلا الجانبين احترام المصالح الجوهرية والشواغل الرئيسة لبعضهما البعض، والامتناع عن تجاوز الخطوط الحمر لبعضهما البعض، وإدارة الخلافات والقضايا الحساسة بطريقة بناءة وهادئة ومهنية وعقلانية.
وفي هذا الصدد وبشكل خاص تعتبر مسألة تايوان، التي تبرز في صميم المصالح الجوهرية للصين، هي ركيزة الأساس السياسي للعلاقات الصينية-الأمريكية وأول خط أحمر لا يجب تجاوزه في العلاقات بين الجانبين. ففي هذه المسألة، لا مجال للتفريط من جانب الصين.
وفيما يخص الموضوعات الحساسة الأخرى، فقد أوضحت الصين جليا أن الخلافات المحددة بين الجانبين يمكن تصفيتها من خلال الحوار، ولكن فقط بشرط المساواة.
على سبيل المثال، يتبني البلدان مسارين مختلفين في تنميتهما الوطنية: فالولايات المتحدة تمارس الرأسمالية بينما تتبنى الصين الاشتراكية. هذا الاختلاف موجود منذ اليوم الأول من التعاون بين الصين والولايات المتحدة وسوف يستمر في الوجود.
ولتحقيق التأقلم بين الصين والولايات المتحدة، من الضروري الاعتراف بهذه الاختلافات واحترامها، وما تروج له واشنطن من “الديمقراطية مقابل الاستبداد” ليس سوى ضجة مروعة عفا عليها الزمن.
رابعا، يشكل تحسين العلاقة مع الصين مسؤولية يتعين على الولايات المتحدة أن تتحملها تجاه العالم.
فقد أثبت التاريخ أن الصين والولايات المتحدة، عندما تكونان في تناغم، يمكن أن يتحقق الكثير للبلدين والعالم. فقد تعاونت الدولتان في عام 2001 ضد مكافحة الإرهاب، وتعاونتا في عام 2008 لمعالجة تبعات الأزمة المالية العالمية، وفي عام 2016، لعبت الدولتان دورا حاسما في التوصل إلى اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
ومع ذلك، بعد أن طغت تصورات المنافسة المغلوطة على سياسة واشنطن تجاه الصين، فإن محاولاتها لاحتواء الصين، من خلال الحروب على جبهات التجارة والصناعة والتكنولوجيا، لم تؤثر فقط على تنمية الجانبين ولكن أيضا على تنمية العالم أوسع. ويتوقع المجتمع الدولي من كلا الطرفين التعامل مع بعضهما البعض بحس من المسؤولية، وإدارة خلافاتهما بشكل صحيح، وإيجاد الطريق الصحيح للتوافق.
وفي المستقبل، توجد إمكانات كبيرة لتعاونهما في مجموعة من القضايا الثنائية والعالمية إذا تخلت واشنطن عن موقفها الذي يتسم بالمواجهة المتزايدة تجاه الصين.
خامسا، محاولة واشنطن لاحتواء الصين محكوم عليها بالفشل.
لابد أن الصين ستتطور بشكل مطرد بسبب مزاياها المؤسسية الفريدة مثل ديمقراطية الشعب الكاملة العملية، والنظام الموثوق والفعال الذي يتناسب مع واقع الصين. ويأتي تقدمها الذي لا يمكن وقفه أيضا من أكثر من 1.4 مليار شخص مجتهد وذكي.
وفي الوقت نفسه، تندمج الصين بنشاط في اتجاه العصر، وتشارك في الرخاء وتعزز السلام مع الدول الأخرى. هذا هو المنطق التاريخي لتنمية الصين والسبب الجذري لتزايد تأثير الصين. وفي عصر العولمة، تتشابك مصالح البلدان. ولهذا السبب تحجم معظم البلدان عن الانحياز إلى طرف ما، ناهيك عن تقييدها في عربة مواجهة الصين.
إن نهج واشنطن إزاء الصين المدعوم بالمنافسة والمواجهة لن يمنع الصين من التقدم ولن يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، بل يثير الاستياء في جميع أنحاء العالم. والتخلي عنه الآن هو عين العقل.