تعليق شينخوا: واشنطن لا يمكنها تحمل الانفصال التكنولوجي عن الصين
وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا:
وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرا تنفيذيا لتشديد حملة إدارته المستمرة لعرقلة تقدم الصين في مجال التكنولوجيا الفائقة من خلال منع الاستثمار الأمريكي في الدولة الآسيوية على الرغم من تعهد البيت الأبيض المتكرر “بعدم فك الارتباط”.
ويأتي القرار في وقت تحاول فيه بكين وواشنطن إعادة علاقاتهما المضطربة إلى مسارها الصحيح. وقد تخاطر هذه الخطوة الحمائية بالتراجع عن التقدم الذي تم إحرازه بشق الأنفس من خلال التبادلات رفيعة المستوى لإذابة الجليد في العلاقات خلال الأسابيع القليلة الماضية.
في حين أن هذا قد يكون ثمنا ترغب واشنطن في دفعه لردع التقدم التكنولوجي للصين، فإن مثل هذا الأمر والحظر التكنولوجي السابق ضد بكين قد يضر بالعلاقات التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بناء على أسباب تتعلق بالأمن القومي لا أساس لها.
لكن واشنطن تريد كلا الأمرين: من خلال فرض قيود تكنولوجية أوسع، تعتزم تجميد التكنولوجيا الصينية وكبح طموحات بكين في مجال أشباه الموصلات. وفي الوقت نفسه، إمكانية استمرار شركاتها في الاستفادة من السوق الصينية.
ومع ذلك، فإن الكبح هو كبح، وقائمة القيود المتزايدة في واشنطن لا تحظى بشعبية كبيرة بين الشركات الأمريكية. وأعربت الشركات التكنولوجية والمالية الأمريكية بالفعل عن شواغلها، مبدية خشيتها من أن تؤدي مثل هذه القيود إلى تأثير سلبي على الاستثمار عبر الحدود في الصين.
وذكرت صحيفة ((بلومبرغ)) أن عمالقة الرقائق الدقيقة كانوا يضغطون للحد من القيود المفروضة على عملياتهم في الصين منذ أشهر، ويحثون الحكومة لممارسة ضبط النفس وتقييم تأثير القيود في اجتماع عقد مؤخرا في البيت الأبيض. وحذر الرؤساء التنفيذيون لثلاث تكتلات رقائق محلية – نفيديا وكوالكوم وإنتل – “من ثقل وطأة ضوابط التصدير الأكثر شمولا في الولايات المتحدة حتى الآن”.
كما أعربت الصين عن معارضتها بعد وقت قصير من إعلان الحظر. وقالت وزارة التجارة الصينية إن الولايات المتحدة قيدت استثمارات شركاتها الموجهة نحو الخارج، ودفعت باتجاه “فك الارتباط” في قطاع الاستثمار تحت ستار “إزالة المخاطر”، وهو انحراف كامل عن مبادئ اقتصاد السوق والمنافسة العادلة التي طالما ادعت الولايات المتحدة بأنها تدافع عنها.
وأضافت أن الأمر أثر على تشغيل الشركات وآلية صنع القرار لديها، وقوض التجارة الدولية، وعطل بشدة أمن سلاسل الصناعة والتوريد العالمية.
ويتعين على إدارة بايدن أن تعلم أن التضييق على الصين لن يساعد أمريكا على “الركض بشكل أسرع”.
ويعمل البيت الأبيض على تنشيط صناعات تصنيع الرقائق الخاصة بأمريكا وتوسيع تفوقها التكنولوجي. ومن المؤسف أن تلك الخطة لا تسير على النحو المنشود.
ويحلم القوميون الصناعيون الأمريكيون بإعادة هيكلة وإعادة بناء قطاع الرقائق المحلي لديهم. حظا سعيدا في ذلك. إذ يبحث العديد من صانعي الرقائق خارج أمريكا عن خيارات. وقد ألمحت “إنتل كابيتال” إلى امتلاك استثمارات في الخارج أكثر من تلك الموجودة على الأراضي الأمريكية، قائلة إن “العالم قد تغير بشكل كبير” و”مركز الابتكار التكنولوجي العالمي لم يعد يقتصر على وادي السيليكون”.
ويقول مطلعون على الأعمال إنه من المحتمل أن تتبع المزيد من الشركات خطى إنتل بعيدا عن أهداف بايدن طويلة الأجل المتمثلة في تشجيع وجود المزيد من تصنيع الرقائق على الأراضي الأمريكية.
وحتى لو تمكن البيت الأبيض من توسيع قدرات أمريكا في مجال تصنيع الرقائق، فإن الحظر الطويل على تصدير الرقائق على الصين من شأنه أن يجعل هذه الجهود بلا معنى.
وتعتبر العديد من شركات صناعة الرقائق الأمريكية الصين أكبر سوق لها. وتشير الإحصاءات إلى أن الصين تستحوذ على نسبة تمثل حوالي 30 بالمائة من المبيعات في “أبلايد ماتيريالز”، والربع في “إنتل”، و20 في المائة في “نفيديا”، و60 في المائة من المبيعات السنوية في “كوالكوم”.
ونقلت ((بلومبرغ)) عن تقارير تفيد بأن الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، بات جيلسينجر، أخبر كبار المسؤولين الأمريكيين أنه “بدون طلبات من العملاء الصينيين، ستكون هناك حاجة أقل بكثير للمضي قدما في مشاريع مثل مجمع مصنع إنتل المخطط له في أوهايو”.
ومن شأن الحظر الأخير أيضا أن يوجه لطمة جديدة لسلاسل الإمداد والتصنيع العالمية ويخاطر بمزيد من التفتيت للاقتصاد العالمي. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن يضر بالاقتصاد الأمريكي نفسه.
في السنوات الأخيرة، توددت الولايات المتحدة إلى حلفائها لكبح التقدم التكنولوجي الصيني ومنع التعاون التكنولوجي الصيني مع الشركاء في الخارج.
لكن استبعاد الصين سيكون أمرا مكلفا. ووفقا لوثيقة داخلية للشركة حصلت عليها خدمة الأخبار الألمانية ((دير شبيغل))، فإن الأمر سيكلف شركة السكك الحديدية المملوكة للدولة “دويتشه بان” ما يصل إلى 400 مليون يورو (440 مليون دولار أمريكي) إذا اضطرت إلى استبدال جميع المكونات التي توفرها شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي عبر شبكتها.
ويقول صندوق النقد الدولي إن التكلفة طويلة الأجل لتجزئة التجارة وحدها قد تتراوح بين 0.2 في المائة من الناتج العالمي ضمن سيناريو محدود، إلى ما يقارب 7 في المائة ضمن سيناريو خشن.
وسبب آخر لفشل حرب واشنطن التكنولوجية ضد الصين هو تصميم الصين الثابت على التفوق في تطوير التكنولوجيا الفائقة.
وذكرت صحيفة ((نيويورك تايمز)) في مقال رأي نشر مؤخرا أنه “من ناحية، تمنع الحكومة الأمريكية تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة. لكن من ناحية أخرى، فإنها تقود الشركات الصينية لتركيز جهودها على الرقائق للمنتجات ذات الاستخدام اليومي”، مضيفة أن “عالما تهيمن فيه الشركات الصينية على إنتاج الرقائق الكاملة — مدفوعة مباشرة بالسياسة الأمريكية — لا يبدو وكأنه نتيجة تمثل انتصارا للولايات المتحدة”.
والواقع أنه في عالم اليوم، الذي يتسم بالاعتماد المتبادل المفرط، من المستحيل بالنسبة لأكبر اقتصادين بالعالم، واللذين يتمتعان بقدر كبير من التكامل الاقتصادي، أن يقوما بفك ارتباطهما عن بعضهما البعض.
وتحتاج الولايات المتحدة والصين إلى بعضهما البعض، حيث ستزدهر كل منهما من هذه العلاقة لعقود قادمة. ولا يوجد طرف فائز جراء الانفصال التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين.