مقال رأي: إستراتيجية “الفناء الصغير والجدار العالي” التي ينتهجها بايدن ستنتهي بكارثة

وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا:

إن الحظر الذي فرضه الرئيس الأمريكي جو بايدن على التكنولوجيا والاستثمار، وهو أحدث خطوة سياساتية تُتخذ في إطار إستراتيجية “الفناء الصغير والجدار العالي” ضد الصين، قد يؤدي بسهولة إلى نتائج عكسية ويكلف واشنطن غاليا.

إن هذه الإستراتيجية، التي كان رائدها سام ساكس، كبير الباحثين في مؤسسة (أمريكا الجديدة) البحثية، في عام 2018، نجحت بسرعة في كسب قلوب مجموعة من صناع السياسات الأمريكيين الذين يروجون للحصار التكنولوجي ضد الصين باسم الأمن القومي.

تشبه هذه السياسة، التي بدأت من عصر ترامب كما يوحي الاسم، بناء سور ضخم وقطع الروابط بين الصين والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الفائقة.

في الأسبوع الماضي، استخدم كبار مسؤولي الإدارة في البيت الأبيض عبارتي “محدود” و”بصورة محدودة” على الأقل 10 مرات خلال نصف ساعة أثناء إطلاع الصحفيين على الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن ويقيد الاستثمارات الأمريكية في الصين.

وشددوا على أن القواعد الجديدة لن تطبق سوى على ثلاثة “تكنولوجيات حساسة تتعلق بالأمن القومي” — أشباه الموصلات المتقدمة، والحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي.

قد يظن بايدن أن إستراتيجية “الفناء الصغير والجدار العالي” هذه يمكن أن تحافظ على التفوق التكنولوجي لأمريكا من خلال عزل الصين عن رقائق الكمبيوتر المتقدمة. حظا موفقا. ولكن هل تستطيع هذه الإستراتيجية منع الخسائر الاقتصادية من أن تمتد إلى صناعات أخرى؟

في الواقع، لا يوجد ما يسمى بضربة دقيقة على صناعة معينة يمكن أن تترك الصناعات الأخرى سليمة — ذلك أن آلية الإمداد العالمية الحميدة والذكية لا تؤدي سوى إلى ساحة أكبر حجما لا يمكن أن تحدها أية أسوار.

فالأسواق الحرة تتكيف بسرعة حتى تجد أرخص وسيلة لتوريد السلع للمستهلكين. وإن الصين، بما لديها من قوة عاملة هائلة وخدمات لوجستية تتسم بالكفاءة، تظل المورد الذي يورد أنسب المنتجات سعرا بالنسبة للعديد من البلدان.

قد يكون للحظر الجديد الذي تفرضه واشنطن على الاستثمار القدرة على إعادة توجيه تجارتها الخاصة مع الصين، لكنها لا تستطيع تخليص سلسلة الإمداد بأكملها من التأثير الصيني. ومن حيث الجوهر، لا يزال اعتماد أمريكا على المدخلات الصينية بالغة الأهمية كما هو.

ففي الوقت الذي تعيد فيه أمريكا توجيه طلبها من الصين إلى دول أخرى، فإن الإنتاج في تلك الأماكن يزيد من اعتمادها على المدخلات الصينية.

على سبيل المثال، على الرغم من ارتفاع صادرات جنوب شرق آسيا إلى أمريكا، إلا أن وارداتها من المدخلات الوسيطة من الصين ارتفعت إلى حد كبير.

أما المكسيك، التي استفادت أيضا من نهج أمريكا المتمثل في إزالة المخاطر من الصين، فقد زادت وارداتها من الصين.

حتى في قطاعات التصنيع المتقدم، والتي تبدو فيها أمريكا أكثر حرصا على الانسحاب من الصين، فإن البلدان التي لديها أكبر قدر من الدخول إلى السوق الأمريكية هي تلك التي تتمتع بأوثق الروابط الصناعية مع الصين، حسبما أفاد صندوق النقد الدولي.

لقد أصبحت سلاسل الإمداد أكثر تعقيدا، وصارت التجارة أكثر تكلفة، الأمر الذي أدى إلى تزايد العبء الملقى على كاهل الشركات وإبطاء تعافي الاقتصاد العالمي.

إن إدارة بايدن أخطأت على نحو خطير في حساباتها فيما يتصل بالضوابط المقصود منها إلحاق الأذى بالصين وكبح تطور التكنولوجيا الفائقة لديها، وذلك لأن الصناعات الأمريكية سوف تخسر لا محالة. وإن سياسة التخريب الذاتي هذه من شأنها أن تؤدي إلى إغلاق جزء من السوق الصينية المربحة بالنسبة للعديد من الشركات الأمريكية.

وتظهر إحصاءات اتحاد صناعة أشباه الموصلات أن الصين هي أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم، حيث مثلت 180 مليار دولار أمريكي من مشتريات الرقائق في العام الماضي، أو أكثر من ثلث إجمالي العالم. وفي عام 2019، جاء 36 في المائة من جميع مبيعات الرقائق الأمريكية من الصين.

وقد صرح بات غيلسنغر الرئيس التنفيذي لشركة (إنتل) وجنسن هوانغ رئيس شركة (أنفيديا) بأن الوصول إلى السوق الصينية أمر بالغ الأهمية بالنسبة للاستثمارات في أمريكا. ويمكن إعادة استثمار الأرباح المحققة في الصين في الداخل، كما إن تلبية الطلب الصيني يوفر الزخم لبناء قدرات الولايات المتحدة.

وقد ذكر غيلسنغر في منتدى آسبن للأمن الذي عقد في الفترة من 18 إلى 21 يوليو “إذا كان لدي سوق أقل بنسبة تتراوح بين 25 في المائة و30 في المائة، فإنني بحاجة إلى بناء مصانع أقل”.

ونقلت صحيفة ((فاينانشال تايمز)) عن هوانغ قوله في مايو الماضي أنه “إذا كانت صناعة التكنولوجيا الأمريكية بحاجة إلى قدرة أقل بمقدار الثلث (بسبب خسارة السوق الصينية)، فلن يحتاج أحد إلى رقائق أمريكية وسوف نسبح في رقائق”.

علاوة على ذلك، لا يمكن لواشنطن أبدا أن توقف الإرادة الحديدية للصين في تطوير صناعة التكنولوجيا الفائقة لديها. إن بكين عازمة على رفع مستويات معيشة شعبها، وقد أظهرت أدلة وافرة أن تنمية الصين تفوقت على نفسها وجلبت فوائد ملموسة للبلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم.

من المأمول أن تعود إدارة بايدن إلى رشدها وتدرك أن إستراتيجية “الفناء الصغير والجدار العالي” غير عقلانية. فمن المستحيل بالنسبة لأضخم اقتصادين على مستوى العالم، واللذين يتمتعان بقدر كبير من التكامل الاقتصادي، أن ينفصل كل منهما عن الآخر. فالقيام بهذا من شأنه أن يدمر الولايات المتحدة والعالم.