تعليق “شينخوا”: الصين… ستظل دائما عضوا في الجنوب العالمي

منذ ما يقرب من ستة عقود، وقعت 77 دولة نامية إعلانا مشتركا في جنيف وأنجبت مجموعة الـ77 بهدف التحدث باسم العالم النامي.

وعلى مر السنين، واصلت هذه المنظمة الحكومية الدولية، مع تزايد عدد أعضائها، الاضطلاع بدور نشط في البحث عن علاج للعجز التنموي الآخذ في الاتساع، فضلا عن إقامة نظام اقتصادي أكثر توازنا مع الجنوب العالمي بوصفه من أصحاب المصلحة الرئيسيين. وفي تلك العملية، عملت الصين دائما مع المجموعة، رغم أنها ليست عضوا فيها، وقدمت دعما ثابتا.

انعقدت قمة مجموعة الـ77 والصين، التي افتتحت أعمالها في هافانا يوم الجمعة، في لحظة حاسمة، أو على وجه الدقة، لحظة فاصلة بالنسبة للعالم النامي لدفع أجندته التنموية قدما، وفي نهاية المطاف إقامة نظام عالمي أكثر إنصافا وعدلا.

وفي هذا الصدد، علق سارانج شيدور، الباحث في شؤون الجنوب العالمي والأستاذ بجامعة جورج واشنطن، في مجلة ((فورين أفيرز)) قائلا “اليوم، عاد الجنوب العالمي”، وتأثيراته محسوسة في “تحالفات جديدة ومتنامية”.

لقد عُقدت مجموعة من اللقاءات الملهمة التي مهدت لهذه القمة، ولا سيما قمة مجموعة العشرين التي وافقت في خطوة تاريخية على منح الاتحاد الأفريقي عضوية دائمة، وقمة بريكس الـ15 التي أعلنت توسعها لتشمل ست دول أخرى، وحوار قادة الصين وأفريقيا الهام الذي طرح مبادرات وخططا جديدة لمساعدة القارة الأفريقية على تحقيق التكامل الاقتصادي والتحديث.

وتُشير إحدى النقاط البارزة لهذه اللقاءات إلى أنه لم يحدث من قبل قط أن برزت بلدان الجنوب العالمي في المقدمة على هذا النحو، وأن لاقت احتياجاتها آذانا صاغية، وأن صارت أصواتها مسموعة بشكل متكرر مع كون الصين قوة دافعة رئيسية وراء هذه المساعي.

في قمة مجموعة الـ77 والصين لهذا العام، والتي جمعت وفودا من أكثر من 100 دولة، فإن الصين لا تعمل فقط على حشد الموارد وبناء توافق في الآراء من أجل تحقيق النمو الشامل، وإنما تعمل أيضا على حشد القوى اللازمة للتضامن في مواجهة الأزمات المتتالية.

لقد دأبت الصين، كعادتها دائما، على دعم المواقف العادلة لمجموعة الـ77 ومطالبها المشروعة، فضلا عن مناصرة التزام مشترك آخذ في الاتساع بالتعددية والتعاون والتنمية، وهو التزام يتعهد بعدم ترك أي أحد يتخلف عن الركب.

إن الصين التي كانت هي نفسها ذات يوم ضحية للاستعمار، لديها تعاطف أكبر مع دول الجنوب العالمي الأخرى وتقف في تضامن أعمق معها. والواقع أن العديد من بلدان الجنوب العالمي تُركت ولديها ماض لم يندمل ومستقبل مشؤوم يتفاقم بفعل العقوبات الأحادية والقيود الحمائية التي يفرضها الغرب.

إن الصين، التي تتشاطر التطلع إلى الاستقلالية وتحسين الذات، تدرك تمام الإدراك أن بلدان الجنوب العالمي بحاجة إلى أن يكون لديها مساحة أكبر لتدلي برأيها في القضايا الرئيسية بما في ذلك إصلاح الأمم المتحدة ووكالاتها، وتحقيق النزاهة في التعامل مع تغير المناخ، وإقامة نظام دولي أكثر عدلا وإنصافا.

فمن مؤتمر باندونغ الذي عُقد في عام 1955 وصولا إلى المجموعات ذات العضوية الموسعة ومبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية الشهيرتين، ظلت الصين لعقود تُسخر المنصات القائمة لتحقيق نتائج حقيقية، وتدفع بإصلاح المؤسسات التي عفا عليها الزمن، وتبني منصات جديدة للجنوب العالمي.

من جانبه، صرح إدواردو ريجالادو، كبير الباحثين في مركز أبحاث السياسة الدولية بكوبا، لوكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا إن “الصين حافظت على سياسة منهجية ومتسقة تدعم الكتلة متعددة الأطراف (مجموعة الـ77)”.

وقال ريجالادو إن الصين وفرت لدول الجنوب العالمي الوسائل للتعبير عن احتياجاتهم وتعزيز المصلحة الاقتصادية الجماعية وتحسين قدرتهم على التفاوض المشترك.

وقد ذكر لي شي، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والممثل الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ، في القمة، أن الجانب الصيني يعمل على بناء منظومة التعاون التكنولوجي بين الجنوب والجنوب تتسم بالانفتاح والشمول والمنفعة المتبادلة، وسيوسع نطاق التواصل والتعاون الدوليين في مجال الابتكار التكنولوجي بأفكار وخطوات أكثر انفتاحا، بما يعطي فرصا متكافئة لكافة الدول للاستفادة من المكاسب الرقمية.

تؤكد الصين على أن هناك حاجة ملحة إلى الاستفادة من التعاون الرقمي والتكنولوجي لسد فجوات التنمية وحماية العدالة العالمية، لا سيما عندما تحتكر حفنة من البلدان غالبية براءات الاختراع والتكنولوجيات ومراكز البحوث على الصعيد العالمي، وتقوم بتضييق مجال التنمية أمام البلدان الأخرى.

إن الصين، بوصفها دولة نامية وعضوا في الجنوب العالمي، تقف على الدوام في تضامن مع البلدان النامية الأخرى في السراء والضراء، ساعية إلى تحقيق مستقبل مشترك معها، حيث لم تعد مهمشة ولم تعد مطالبها وشواغلها المشروعة تنحدر إلى هوامش الجغرافيا السياسية، أو حتى مرفوضة عن قصد.

إن الصين تتسم بالثبات وسط الديناميات العالمية المتغيرة حيث أن نموها المستقر مدعوم بسجل تنموي من الإصلاح والانفتاح فضلا عن التخفيف من حدة الفقر، وهي تمضي مطمئنة بعزم في تعزيزها للاستهلاك المحلي وسعيها إلى تنمية ذات جودة.

إلى جانب مساهمتها في الاقتصاد العالمي بنموها الخاص، تظل الصين نصيرا قويا للتعددية والسلام والتنمية المشتركة.

أيا كان أداء اقتصادها أو تطور المشهد الدولي، فإن الصين ستظل دائما عضوا في الجنوب العالمي.