الصين وتونس وتقريب الآخر وإدراكه
جريدة الديار الاردنية:
مروان سوداح:
عاد الى تونس بعد مغادرته بكين، وفد الصحفيين التونسي، من وكالة أنباء تونس افريقيا المعروفة في المغرب العربي وافريقيا عموماً، بل وفي المشرق العربي أيضاً، بعد زيارة ناجحة الى القارة الصينية، للتعرّف على واقعها، ولتبادل الرؤى والأفكار وللتباحث والنقاش في البرنامج المستقبلي، القريب، لإجتماعات منتدى التعاون العربي الصيني العتيد، الذي سيعقد بعد فترة في تونس الخضراء، ليُكرّس صلات نافعة ونافذة بين الصين الناهضة وتونس من جهة، وبين الصين والعالم العربي من جهة أخرى، يجتمع فيها العرب والصينيون حول “قواسم صينية وعربية”، تبرزها بكين في الألفية الحالية، جلها العمل السلمي لتنمية السلم وتكريس قيمة العمل وقيمه المضافة لخير الانسان، وهي مهمة لا يمكن أن يتم إنجازها سوى من خلال التبادل النشط للمعرفة والمعلومات عن الآخر، وتوسيع الأفاق العملية عنه، لتجلو عن الصورة الحقيقة والجميلة كما أثق دون رتوش لدى هذا الآخر.
كان جميلاً ان نقرأ في المواد المنشورة في “وات”، عن الشراكة الإستراتيجية بين تونس والصين، وعلاقات البلدين التاريخية، وعراقة العلائق الدبلوماسية بينهما منذ تأسيسها عام1964. والأطيب في حديث المسؤولة الصينية “وانغ جانغ تشيان” مديرة قسم آسيا وأفريقيا في اذاعة الصين الدولية، للوفد التونسي الضيف، إيلاء الصين أهمية خاصة للبث الصيني الإذاعي المباشر في تونس بموجة “اف ام”، ضمن التوجه لعلاقات رحبة بين العاصمتين.
وقد قرأت عدة مقالات نشرتها “تونس أفريقيا للانباء” عن هذه الزيارة، التي خرجت أقلام الزملاء فيها بمادة زاخرة وغنية المضمون، تحدثت عن مشاهداتهم الحية على أرض الصين، ولقاءاتهم فيها مع المسؤولين خاصة الاذاعيين منهم، وفي إذاعة بكين القسم العربي الشهير، الذي اعرفه عن قُرب منذ نيف وأربعين عاماً، والذي لم يال جهداً خلال العشريات المنصرمة، في نشر الثقة بين العرب والصينيين، ليشكّل ذلك جداراً مانعاً لكل محاولات الإضرار بالصور الوطنية والقومية والإنسانية لكلا الطرفين الصديقين، بل والشقيقين.
ففي مقالتها “ملحمة الطبول.. أُسطورة الإنسان الذي لا يقهر”، ابدعت الزميلة التونسية منى الودرني في وصف شيآن والصين الامبرطورية، واستعادت صور طبول الحرب هناك، وهمّة الجنود الذين تعلقوا بالنصر المؤزر، فكانت “روعة المجد” كما تصف منى مُبدعة، وكان إبداعها ايضاً في ربطها هذا المجد الصيني بمجد قرطاج ورغبات الإرتداد إليها(!)، وقائدها حنبعل، ذلك لأن لكل حضارة، بالضبط، سحر مميز ولأنها وجه في رحلة تسبر أغوار الخلود.
وتتحدث الزميلة منى كذلك عن “المدينة المحرمة” التي تقول بأنها كانت حكراً على الاباطرة، وكانت بنيت على امتداد “14” عاماً، متحدية التضاريس الطبيعية، وتستعرض منى عظمة سور الصين الكبير، الذي يحكي قصة هذه الدولة، ومنعتها، وأسباب سيادتها، وهي في ناسها اولاً بلا شك، وتختتم شرحها بالعلاقات التونسية الصينية وضرورة تقدمها، واستشهدت الزميلة منى بما صرّحت به زميلتها في الاذاعة الصينية، “وانغ وايزهو”، في ان حضارتي البلدين تغدو قصة الانسان في التاريخ، فالتعارف الحضاري أضحى واجهة بارزة وفاعلة في دينامية الدورة الإقتصادية المتقدة، وأزيد عليها من جهتي وبقلمي، بل والسياسية في مقدمتها.
التبادلات الصينية التونسية في مناحي الحوار الإعلامي والثقافي والحضاري تحمل مضامين كبرى وحاسمة لجهة تقريب صورة الآخر وإدراكه الحقيقي، وهي صمّام أمان مضمونة لما قد يخبئه المستقبل من تعرّجات نثق بأن تقويمها في حال جنوحها سيكون مهمة سهلة، ضمن التجسير المتواصل للعلائق التونسية الصينية، والصينية العربية الناهضة.
رؤى في الدورة التونسية” للمنتدى..
من الطبيعي والضروري أن يُساهم المنتدى العربي الصيني في دورته التونسية” الأولى قريباً, والخامسة عربياً, آواخر هذا الشهر, في دفع عجلة علاقات التعاون الإعلامية والثقافية وغيرها من أوجه التعاون, بين بكين والعواصم العربية, الى الأمام بخطى أسرع مما سبقها من خطوات, فهو المنتدى الأول الذي يُعقد في تونس وشمال أفريقيا العربية, ومنه سيشع نور العمل الجماعي على العالمين العربي والأفريقي الأسمر, وستكون القيم المُضافة منه أعم وأشمل, نظراً لموقع تونس في أفريقيا, وإرثها الثقافي الكبير تاريخياً, وموقعها في العملية الإعلامية المنفتحة هي الأخرى, وانفتاحيتها على العالم الشرقي بمضامينه المتعددة, وهو ما تحدث عنه إلي وفد تونسي التقيته في بلد شقيق خارج الاردن مؤخراً, وقد أذهلتني شروحات أعضاء الوفد وهم بالمناسبة من أبناء تونس البررة من صفوة المجتمع التونسي المثقف الشقيق ووطنييه وديمقراطييه. في تونس تجد الكثير من القوى السياسية والإجتماعية التي يمكنك الإتفاق على قواسم كبرى معها, لتمكين الفكر الديمقراطي في المجتمع العربي عامة, وفي أقطاره على كثرتها خاصة, كما وتتعرف على واقع هذا المجتمع الذي لايزال يحافظ بعناية على جذوة التقدم في ناسه, ويدافع بصلابة عن القيم والمكاسب التي نالها بجهاده خلال السنوات الطويلة المنصرمة, فأحرز تقدماً مُمّيزاً في حقوق المرأة الإجتماعية والمهنية والأُسرية, وحقّق نصوصاً دستورية تبقى بعض المجتمعات العربية ترفضها نظراً لتخلفها وتمسكها بأهداب الماضوية والقروسطية البغيضة!. من الملاحظ أن العلائق العربية الصينية أحرزت تقدماً واضحاً خلال العشريات الثلاث الأخيرة, أي بعدما انفتحت الصين إقتصادياً على العالم على إتساعه, فغدت مفضّلة في طبقاته التي تنشد استقراراً إقتصادياً وبشرياً وإنسانياً, ومع خلق توازن دولي جديد بفضل التقدم الصيني الإقتصادي المتسارع, ثم التمكّن السياسي لبكين, غدت الصِلات العربية الصينية سهلة التجسير والتعمير, فتركت خلفها هواجس عديدة كانت توظّف من جانب قوى كبرى للتخويف من الصين, واندثر الحذر من الولوج في سُبلها وطرقها التي غدت سالكة بإستقامة, فكانت اللقاءات والندوات ومختلف الفعاليات العربية الصينية, وقد أضحت متلاحقة وأخرها التونسية, إنما تعبيراً عن حالة جديدة تاريخياً في العلاقات الدولية التي لم تشهد في الواقع مثيلاً لها, تمتلك أدوات جديدة لمصالح مشتركة للطرفين, والى جانبها نمت العمائر التشاركية ذات النفع المتبادل. البُعد الجيوسياسي للعالمين العربي والصيني, ولتونس التي اختِيرت لدورة جديدة لمنتدى جديد نسبياً, يَفترض ديمومة العلاقات الثنائية بينهما, لما لموقع العالمين وقدراتهما ومحفزات نموهما في أحشائهما من لزوم للإستفادة الأقصى من مكامن القوة فيهما, لتحفيز العناصر الواعية لتتبوأ قيادة الدفة الى توجهات لا تتأثر بالتقلبات السياسية والإقتصادية الدولية ولا بالضغوطات على اختلافها, فمن شأن الفعاليات المشتركة المحافظة على وتائر العلائق كما هي في طبيعتها ومراميها, إن لم يكن بروز أو استحداث ضرورات بيئوية للإرتقاء بها بصورة لا تضر بالقوى المناصرة لها أولاً, ولتكتسب أبعاداً مُسانِدة في الأوساط الواسعة تحديداً في العالم العربي وتونس, سيما لأن العالم الصيني كان حسم أمره منذ عشريات ماضية, لصالح توجهات إستراتيجية ثابتة مع العالم العربي وأقطاره بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة فيه, لا يمكن أن تشوبها شائبة, ولا يمكن أن تنزع عنها شعاراتها الصينية الراسخة. الآفاق المستقبلية للتعاون العربي الصيني, من خلال دفع فعاليات المنتدى في المناحي المختلفة, وفي التخصيص توعوياً ومادياً, لازمة في عصرنا ضمن التحديات الماثلة, ويقيناً بأن التعاون سيرتدي أهمية أعظم مع تعاظم الوعي العربي العام بالصين وتشكّل رؤى جمعية لديه تجاه الصين وسياساتها, ومن خلال الخطاب الإعلامي بالذات الذي نرجو أن يتسم بالموضوعية والواقعية على إطلاقيته الرسمية المعهودة(!), بما يتصل بالسياسة الصينية الثابتة في شعاراتها وممارساتها, ومن خلال أدائها المتوازن والبرغماتي, الذي يشق طريقه بحذر في وسط التفاعلات الدولية والنزاعات الحادة التي نشهدها وتبشر وللأسف بحروب باردة حادة قد تنمو الى ساخنة.