الحراك الأدبي في الصين.. زهور بين أشواك
صحيفة التايمز البريطانية:
كتب ميغان وولش:
ترجمة صحيفة القبس الكويتية:
انه احد اكثر الكتّاب شعبية في العالم ولكن هنالك احتمال الا تكون قد سمعت به البتة، انه الكاتب هان هان الذي صرح العام الماضي خلال مقابلة تلفزيونية «اذا كنت تتحدث الصينية تعرف من أنا» فهنالك اكثر من نصف مليار شخص يزورون مدونته، كما تنفد رواياته في المكتبات خلال ايام قليلة من طرحها للبيع، وهو كاتب وسائق سيارات سباق ومطرب ويعتبر شوكة في خاصرة الحكومة وقد بدأ يعيد صياغة الساحة الادبية وقضايا حرية التعبير في الصين، كل ذلك وهو ما زال في الثلاثين من عمره.
لدى هان هان موقع شبابي مرح في شبكة الانترنت وتحتوي الصفحة الرئيسية على صورته وهو يحدق في الافق وموضوع حول فرقة موسيقية شبابية واعلان لسيارة سوبارو يابانية.
وبين انه تحول الى رمز لجيل «الامبراطور الصغير» اي اطفال الثمانينات التواقين لجني الاموال والبعيدين عن امور السياسة.
وعندما تم اعتقال الكاتب ليو زياوبو الحائز على جائزة نوبل لصياغته بيان قضايا حقوق الانسان نشر هان في مدونته علامتي استفهام على الصحفة الخالية تحيط بهما اقواس التنصيص.
عبقري ولمام
ويقول زهاو ووبينغ نائب رئيس دار نشر الترجمة في شنغهاي «انه عبقري فهو لم يحصل على تعليم رسمي ولكنه ذكي لماح ويقول اشياء لا يستطيع الآخرون قولها».
وهذا يعني في الغالب قول ما لا يمكن ذكره بكل جرأة، ففي خطاب ألقاه في جامعة زيامين، قال هان: «لا أستطيع الكتابة حول الشرطة، لا أستطيع الكتابة حول الزعماء، لا أستطيع الكتابة حول سياسات الحكومة، لا أستطيع الكتابة حول القضاء، لا أستطيع الكتابة حول العديد من جوانب التاريخ، لا أستطيع الكتابة حول التيبت، لا أستطيع الكتابة حول التجمعات، لا أستطيع الكتابة حول مسيرة التظاهرات، لا أستطيع الكتابة حول الاباحية، لا أستطيع الكتابة حول الرقابة، لا أستطيع الكتابة حول الفن».
وبالطبع فإن الرقابة تتبادر الى الذهن عند النظر في أمور الكتابة الصينية الحديثة.
وهنالك أسباب وجيهة تستدعي ذلك، فوفقاً لمركز القلم الصيني، الذي يهتم بقضايا الكتّاب والدفاع عن حرية التعبير، هنالك حالياً 136 كاتباً رهين الاعتقال، وتحتل الصين المرتبة 174 في قائمة حرية الصحافة في العالم، وهي تأتي قبل إيران في تلك القائمة، كما تم أخيراً اعتقال ستة أشخاص، واغلاق 16 موقعاً في شبكة الإنترنت، وجرى وقف الجزء الخاص بالتعليقات في مدونتين من المدونات يرتادهما أكثر من ثلاثمائة مليون مستخدم، بعد بروز اشاعات حول وقوع انقلاب في بكين، والعبارة المجازية التي تطلق على الخضوع لتحقيق على يد الشرطة هي ان الشخص «تمت دعوته لحفل شاي».
الغرب والمعارضة
والناشرون والصحف في الغرب يسعون بشدة للوصول الى الكتّاب المعارضين والمنفيين والمهاجرين، ومن بين نسبة الاثنين في المائة من الروايات المترجمة تأتي نسبة ضئيلة من البر الصيني، ولقد حان الوقت لكي نهتم بما يقوله الكتاب في أوطانهم، وبكل تأكيد فإن هان هان لم يبد رغبة كافية للتحول الى شخصية دولية، فقد اعتذر عن عروض بأداء ادوار في افلام اميركية، كما أعلن انه لا يهتم كثيراً بالرواية الغربية، وعند زيارتي الصين قبيل اقامة فعالية التركيز على سوق الصين، ضمن معرض لندن للكتّاب لم أتمكن من لقائه.
ولكن بينما توفر له شعبيته غير العادية في شبكة الانترنت في الصين بعض التسامح من قبل الحكومة، فإن هذه الميزة لا يحظى بها الكتّاب الآخرون، وخلال اسبوع زرته فيه شينغهاي، ونانجينغ وبكين تحدثت الى العديد من الكتاب ممن يتعرضون الى الرقابة.
ولقد نمت صناعة النشر في الصين بوتيرة عالية بلغت 19 في المائة خلال العام الماضي.
وبينما نجد ان كل دور النشر مملوكة للدولة فان هنالك زيادة كبيرة في مجال دور النشر والمجلات الادبية الخاصة.
ويقول او نينغ رئيس تحرير مجلة الجرأة الادبية ذات التأثير الواسع، انه منذ عام 1949 والى 1989 يمكن تلخيص الادب في صيغة: الحياة في المناطق الريفية، الحياة في المناطق الريفية، الحياة في المناطق الريفية، بيد ان التغيير الاقتصادي بات يحرك عملية التغيير الثقافي. وتنوي مجلة الجرأة نشر اعمال تليق باسمها. ويرى اونينغ ان افضل الكتاب والاقل تمثيلا في الساحة الادبية ينتمون الى ما يطلق عليه «جيل تحمل الاعباء».
وهو الجيل الذي ولد المنتمون اليه في اعوام السبعينات من القرن الماضي، وهم لصغر سنهم لا يتذكرون تماما اوجاع الثورة الثقافية ولكن لديهم اشمئزازا موروثا تجاه اكاذيب الدولة، ويشكل فساد الحزب، واستغلال المهجرين والتلوث والتوترات فيما بين الاغنياء والفقراء، وبين المدينة والريف جزءاً اساسياً في كتاباتهم، واعمالهم الروائية دائماً ما تنظر الى العالم بعيون الناس العاديين.
مجتمع صغير أبوي
التقيت النجمة الصاعدة في مجال الادب شينغ كي، البالغة من العمر 39 عاما، وروايتها «الفتاة الشمالية» تعكس حياتها ونشأتها في مجتمع صغير ابوي وقمعي، في قرية في مقاطعة هونان حيث تشيع عمليات التعقيم القسري للفتيات، وتقول بلهجة غاضبة وبثبات ان «العمال يعاملون اليوم مثل الاجانب في وطنهم، فهم يطلب منهم الحصول على اذن اقامة واذا لم يلتزموا بذلك يتم اعتقالهم، ولا توجد رعاية اجتماعية، ويجري ارغام النساء بصورة عامة على ممارسة البغاء، وهنالك الامور القذرة التي تصدر عن الشرطة».
وهي امور يعرفها الكاتب آه يي البالغ من العمر 36 عاماً، وهو شرطي سابق، يقول «انني ارتدي افكار الزي الرسمي، اعتقد انني ارتكبت اموراً سيئة، وارى الآن ان الناس يشعرون بانهم مثل النمل امام جبل ضخم، ويرون انه لا يوجد مخرج امامهم، وان ارتكاب جريمة قد تكون طريقة لاسماع صوتهم»، وقصته القصيرة بعنوان «اللعنة» حكاية ذكية حول استغلال العمال من الشباب المهاجر، وفيها تنتظر الام عودة ابنها من وظيفته في معسكر عمل يدوي مؤقت، ولكن حال وصوله الى البيت يذهب الى السرير ويموت متأثرا بسموم الكيماويات الصناعية التي تعرض لها في المصنع.
الأخوات الثلاث
وربما كان أشهر كاتب أدبي في هذه اللحظة، خارج الصين وداخلها هو بي فييو الذي فاز بجائزة مان الأدبية الآسيوية لعام 2010 عن روايته «الاخوات الثلاث»، وهو يقول «خلال الثلاثين عاماً الماضية اختفت أشياء كثيرة: التقاليد، والاحساس بالكرامة والعزة والعطف والشفقة وكل المشكلات مرتبطة بالنظام، ولكني آمل ان تتحقق حرية التعبير وان تخرج من العالم الافتراضي على ذلك الواقعي اعتقد ان هنالك أملا».
ولقد منحت شبكة الانترنت صوتاً للكتاب الصينيين يفتقدونه في النشر الطباعي وبات النشاط التجاري النظام الأكثر نفوذاً وقوة في الصين، ومن الأمور اللافتة للنظر ان أول ما تقع عليه العين في موقع الكاتب هان هان في شبكة الإنترنت اعلاناً لشركة سوبارو للسيارات، وهو يحتل وضعاً فريداً كونه احد منتقدي النظام، ولكن يحظى في الوقت ذاته برعاية احدى الشركات الكبرى، ويوصف الكتاب الصينيين ممن خضعت اعمالهم للتأثير التجاري بانهم «خرجوا الى البحر»، ويرى منتقدو هان ان اعماله تنتمي الى الأدب السطحي، ويقول الكاتب لي آر ان هان «يمضي معظم وقته في الانترنت محاولاً توضيح ان 1 + 1 =2، وأرى ان كتبه اذا ما نشرت في الخارج ستقود الى خسارة الناشر»، ولكن زميله الكاتب زو زينشين يضيف قائلاً «على الأقل انه لا يقول 1 + 1 = 3».
الازدهار الكبير
وخلال رحلتي تمت دعوتي للقاء في الادارة العامة للصحافة والنشر، وهي الهيئة التي يتولى مسؤولوها سلطة الرقابة على ما يسمح أو يحظر نشره من مواد، وقال لنا نائب الوزير «في تاريخ الصين نجد ان الازدهار الكبير يرتبط بالازدهار الثقافي»، ولكن عند سؤاله حول اعتقال ليو زياوبو وسجنه، وهو الاديب الذي فاز بجائزة نوبل لعام 2010 وظل مقعده شاغراً اثناء تقديم الجائزة، قال «الشؤون الداخلية يتم تسويتها وفق قوانيننا الخاصة.
ونحن لدينا عدد من الكتاب الجيدين، ومن انتجوا اعمالاً ممتازة، وانتم اذا ما منحتم تلك الجائزة الى ليو زياوبو استطيع القول انكم انما تبعثون اشارة واضحة، على ان تلك تعد جائزة سياسية، ولكن الشعب الصيني لن يعترف بها».
رقابة ذاتية
واستقبل بعض الكتاب الاسئلة التي طرحت حول الكتب المحظورة بابتسامة غير مبالية، واعقبتها ردود جماعية متشابهة، تبدو وكأنها تقبل الرقابة الذاتية، ويقول الاستاذ والكاتب زياو باي «اذا كانت هنالك قيود تنتابك الرغبة في كسرها، وعملية الخلق والابتكار والابداع مرتبطة بذلك، ولا يعني ذلك انني اود لعب دور المعارضة»، ويرى سان غانلو مدير اتحاد كتاب شنغهاي انه «لا توجد كتابة حرة تماما، لاننا نواجه القيود التي يفرضها علينا النوع الذي ننتمي اليه، اي إن كنا من الاناث أو الذكور، وكذلك الفترة التي نكتب فيها، والسياسة انما تعد نوعاً واحداً من انواع القيود». وهؤلاء الكتاب ليسو بالضرورة من مؤيدي الحكومة، ولكنهم سئموا من الحديث حول ما لا يسمح لهم الحديث حوله، كما انهم لم يعد يحتملون احتضان الغرب للكتاب ممن يتعرضون لقيود الرقابة، ويقول شين دان يان مؤلفة كتب الاطفال والروايات الوثائقية «اعرف كاتبة كانت قد اقامت حفلة كبرى، عندما علمت انه قد تم حظر نشر كتابهما، وقالت: انني سأصبح ثرية وهنالك شعور بأن دعاوى الغرب حول الحريات وحقوق الانسان والديموقراطية قد اعمته عما يدور في الساحة الادبية في الصين، وهم يقولون اننا لسنا في وضع يمكننا من الكتابة حول الحياة في الصين».
وعند عوتي الى لندن، وفي احد المقاهي قال لي الكاتب الصيني المنفي ما جيان، بأن ذلك قول لا اساس له «ان ذلك سلوك شائع ان نجد ان الكتاب باتوا يقبلون الكتابة ضمن القيود التي تصادق عليها الحكومة وتقبلها، وهذا يدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى الادب، كيف يمكن ان يحرم الكاتب من استخدام الكلمات؟ ربما ان الجيل الاصغر الذي لم يشهد الدبابات تسير فوق الجثث قد يبدي شجاعة اكبر، ويكمن الخطر في اعتقاد بعضهم انهم يعبرون عن انفسهم، ولكننا اذا ما ادركنا وجود القيود والعقبات، ولا يمكننا تخطيها فإن ذلك يقود الى الشلل».