بلدان العالم تشهد عودة السائحين الصينيين خلال عطلة العام القمري الجديد وما بعدها
وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا:
“قررت أنا وأسرتي زيارة تنزانيا للاسترخاء ومشاهدة الحيوانات. إنها المرة الأولى التي نأتي فيها إلى هنا، ونستمتع الآن بها حقا”، هكذا قال وانغ شو بنغ (40 عاما)، وهو أب لابنتين توأم من بكين، حيث اختار الذهاب إلى هذا البلد الواقع في شرق إفريقيا في رحلة عائلية بمناسبة العام القمري الجديد.
لقد فُتنت الابنتان اللتان تبلغان من العمر 12 عاما بالثقافة المحلية والحياة المجتمعية ومشاهد الحياة البرية وتحمستا بشكل خاص لرحلة السفاري التي قامتا بتجربتها في سيرفال للحياة البرية، وهي محمية للحياة البرية تقع في منطقة سيها بإقليم كليمنجارو عند سفح جبل كليمنجارو، أعلى جبل في أفريقيا.
من ناحية أخرى شرعت لي مياو مياو، وهي أم لابن يبلغ من العمر 9 سنوات ومقيمة في مدينة لانتشو حاضرة مقاطعة قانسو شمال غربي الصين، في رحلة طال انتظارها إلى تايلاند في نهاية شهر يناير.
كانت هذه أول رحلة دولية تقوم شركة (تشاينا إيسترن إيرلاينز) بتسييرها في قانسو بعد توقف دام ثلاث سنوات، حيث تم استئناف تشغيل أول خط للركاب يصل إلى تايلاند هذا الشتاء بالمطار الكائن في لانتشو.
تعتبر أسرتا وانغ ولي رمزا للاهتمام المتجدد من جانب الصينيين بالسفر إلى الخارج لقضاء عطلة العام القمري الصيني الجديد العزيزة.
تشهد السياحة الخارجية في الصين اتجاها صاعدا قويا، وتجاوزت السياحة الداخلية التوقعات وعادت إلى مستوى ما قبل الجائحة. فقد بلغت حركة الركاب الجوية الدولية في الصين في ديسمبر من العام الماضي مستويات مرتفعة حيث جاءت أعلى بواقع 60 في المائة من مستواها في عام 2019. ففي عام 2023 على سبيل المثال، وصل عدد السائحين الصينيين في سلوفينيا تقريبا إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 2022، حسبما أفاد مكتب الإحصاء في البلاد.
كما ذكر تشانابان كاوكلاتشايوث، نائب رئيس رابطة اتحاد السياحة التايلاندي الصيني، أنه من المتوقع أن يزور ما بين 200 ألف و250 ألف سائح صيني تايلاند خلال عطلة عيد الربيع هذا العام، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المستويات المسجلة في عام 2023.
ويتوقع تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة ((أكسفورد إيكونوميكس)) أن يتضاعف تقريبا عدد الرحلات الخارجية الدولية التي يقوم بها المسافرون الصينيون في عام 2024 مقارنة بعام 2023، ليعود إلى ما يقرب من 80 في المائة من مستوياته عام 2019.
ويتجلى هذا التفاؤل في تقرير ((بارومتر السياحة العالمية))، الذي نشرته منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حيث قال إنه “من المتوقع أن ترتفع السياحة الوافدة إلى الصين والخارجة منها في عام 2024 بفضل تسهيل إجراءات التأشيرة وقيام شركات الطيران بزيادة السعة”.
— رمز وزينة
من محال الملابس الفاخرة إلى المطاعم الشهيرة والمعالم الأيقونة في مختلف أنحاء العالم، تحتضن الأعمال التجارية سحر ثقافة لونغ في عام التنين، ومن ثم تجذب بذلك المسافرين الصينيين الوافدين للزيارة.
في هذا الإطار، تعتزم محال (لويسافياروما) للملابس الفاخرة التي يقع مقرها في فلورنسا ويعود تأسيسها إلى عام 1929، الاحتفال بعام التنين من خلال وضع عدد كبير من التركيبات الخاصة داخل فروعها بالتعاون مع مصممين صينيين.
وسيكون العنصر الأساسي، الذي سيُستخدم في عمل تلك التركيبات الخاصة المراد وضعها داخل المحال، هو الخيزران الذي يعد مادة ترمز للغاية للثقافة الصينية وتمثل الصلابة والأناقة والتناغم.
وفي هذا الإطار قالت ستيفاني يي، كبيرة مديري التسويق والعلاقات العامة لمحال لويسافياروما في آسيا، “كما فهمنا من الثقافة الصينية، فإن عام التنين مهم بشكل خاص، ونحن نكن كل الاحترم للثقافة الصينية”.
أما في قرية جيثورن الهولندية، التي توصف بأنها “فينيسيا الشمال”، تعتزم غابرييلا إيسلبروج، وهي رائدة أعمال في مجال السياحة، إطلاق جولات سياحية بالزوارق والدراجات الهوائية في القرية والحديقة الوطنية، وهي أنشطة يقبل على ممارستها السائحون الصينيون.
في وسط لندن، كشف مطعم هاكاسان الحاصل على نجمة ميشلان عن قائمة عام لونغ حيث تضم عناصر مثل مجسمات للتنين وفوانيس صينية، وكوكتيلات مستوحاة من فن قص الورق الصيني.
من جهتها، قالت لورين دودس، مديرة التسويق في (جوهرة فنون الطهي)، “إنه لأمر رائع أن تكون الحدود مفتوحة وأن يتم رفع القيود، إننا نرحب حقا بعودة جميع العملاء الأوفياء، ولكن أيضا بالعملاء الجدد”.
أما سكة يونغفراو الحديدية، التي تعمل في منطقة يونغفراو بجبال الألب السويسرية، أحد مواقع التراث العالمي، فقد زينت أرصفتها وقطاراتها بعناصر تتعلق بعام لونغ في الفترة من 8 إلى 20 فبراير، حسبما قال أورس كيسلر الرئيس التنفيذي لسكة يونغفراو الحديدية.
كما أقامت هذه السكك الحديدية حانة خاصة للمعكرونة الصينية بها أيضا العديد من الأطعمة الآسيوية الشهية في محطة غريندلالد، وتعمل على تقديم أطباق الأطعمة الصينية في ليونغفرايوخ، قمة أوروبا، لجذب السائحين الصينيين.
وأمام الطلب المتزايد بين السائحين الصينيين، تعمل شركات الطيران على توسيع نطاق عملياتها الدولية.
فقد أطلقت شركة (تشاينا ساوثرن إيرلاينز) رحلة جوية جديدة بين نيروبي ومدينة قوانغتشو الصينية في 21 ديسمبر 2023.
وفي هذا الصدد، قال ليو ون بين، المدير العام لمكتب (تشاينا ساوثرن إيرلاينز) في نيروبي، “كنا من قبل نقوم بتسيير رحلتين أسبوعيتين بين المدينتين، والآن لدينا ثلاث رحلات. من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة حجم التجارة والتفاعلات الثقافية بين البلدين، لذلك فإننا نراقب عن كثب سوق السياحة في أفريقيا”.
وعادت الرحلة “إتش يو 489” التي تقوم شركة (هاينان إيرلاينز) بتسييرها من بكين إلى برلين إلى مستويات ما قبل الجائحة، مع تسيير ثلاث رحلات أسبوعيا خلال موسم الشتاء-الربيع، ومن المقرر زيادة الوتيرة لتصل إلى خمس رحلات أسبوعيا اعتبارا من أبريل 2024، وفقا لما ذكره مكتب الشركة في برلين خلال مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)).
— سفر بدون عوائق
يحرص صناع القرار السياسي من الوجهات السياحية العالمية على جذب السائحين الصينيين، وخاصة من خلال سياسات الإعفاء من التأشيرة.
فقد رحب رئيس الوزراء التايلاندي سريثا ثافيسين، في رسالة بالفيديو الأسبوع الماضي، ترحيبا حارا بالسائحين الصينيين بعد أن أبرمت البلدان اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرة، والتي ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من مارس.
تهدف الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا إلى جذب 8 ملايين سائح من الصين، وهذا يمثل أكثر من ضعف الرقم المسجل في عام 2023 ويشكل 75 في المائة من الذروة في فترة ما قبل الجائحة والتي سُجلت في عام 2019.
شهدت سنغافورة، التي وقعت أيضا اتفاقية إعفاء متبادل من التأشيرة مع الصين الشهر الماضي، انتعاشا في قطاعها السياحي العام الماضي، حيث جاء البر الرئيسي الصيني في المرتبة الأولى بقائمتها للإنفاق السياحي.
ودخلت اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرة مع الصين حيز التنفيذ في ديسمبر من العام الماضي. وتأمل البلاد في جذب ما بين 5 و7 ملايين زائر صيني هذا العام، وهو ما يعادل تقريبا ضعف مستويات ما قبل الجائحة.
من ناحية أخرى قالت شارمين سكوتي، وزيرة الصحة والشؤون الداخلية في ناورو، خلال مقابلة مع ((شينخوا)) “نحن هنا في ناورو. إذا نظرتم إلينا، فسوف تجدونا مكانا صغيرا جدا على الخريطة، ولكن لدينا قلب كبير جدا”، مضيفة “ونحن بالتأكيد نرحب بقدومكم إلى جزيرتنا”.
من جانبه ذكر ديميتريس فراغاكيس الأمين العام لمنظمة السياحة الوطنية اليونانية “نحن بصدد إنشاء منتج سياحي شامل من شأنه أن يلقي قبولا كبيرا بين جميع الزائرين الصينيين”. وقال إن المزيد من الرحلات المباشرة التي تربط أثينا ببكين وشانغهاي ستعمل أيضا على تعزيز السياحة.
تهدف الحكومة الإندونيسية إلى جذب ما يتراوح بين مليون و1.5 مليون سائح من الصين في عام 2024 من خلال إعطاء الأولوية للبرامج التي تجذب المسافرين الصينيين الشباب الذين يتوقون إلى الاستمتاع بتجارب حقيقية.
وقد قال ويسنو سيندوتريسنو، مدير التسويق السياحي الإقليمي بوزارة السياحة والاقتصاد الإبداعي الإندونيسية “في يوجياكرتا، على سبيل المثال، لدينا صناعة الشوكولاتة وأنشطة استحمام الجاموس. نود دعوتهم لتجربة هذه الأنشطة السياحية”.
وأشار كيسلر إلى أن منطقة يونغفراو تتوقع أن يعود عدد الزائرين الصينيين في عام 2024 إلى 60 في المائة من مستوياته في فترة ما قبل الجائحة وأن يعود في عام 2025 إلى مستوياته في فترة ما قبل الجائحة.
وتوقعت إيفانا جيلينيك، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمجلس السياحة الوطني الإيطالي، أن يعود عدد السائحين الصينيين الذين يزورون إيطاليا إلى مستويات ما قبل الجائحة، وأن توافدهم قد يبلغ “ذرى جديدة” هذا العام، بدءا من عطلة عيد الربيع في الصين.
وترى أن السياحة الصينية أمر بالغ الأهمية لمختلف الوجهات السياحية في إيطاليا، مضيفة أن الفوائد يمكن أن تمتد إلى جميع القطاعات الاقتصادية المستفيدة من زيادة التدفقات الواردة، وذلك لا يشمل فقط الضيافة والخدمات المباشرة المقدمة للسائحين وإنما أيضا كامل قطاع “صنع في إيطاليا” وتجارة التجزئة، والسلع الفاخرة، والمواد الغذائية، والنبيذ.
وتعمل الصين أيضاً على تعزيز جاذبيتها للسياح الأجانب من خلال توسيع سياساتها الخاص بالإعفاء من التأشيرة.
وقد أشادت هيئة السياحة التابعة للأمم المتحدة بقيام الصين مؤخرا بتوسيع سياسة الإعفاء من التأشيرة لتمتد إلى سويسرا وأيرلندا، بالإضافة إلى خمس دول في الاتحاد الأوروبي وماليزيا، واصفة ذلك بأنه تقدم هام في انتعاش صناعة السياحة العالمية، مشيرة إلى أن عودة السياحة الصينية إلى الخارج تتيح فرصة لإنعاش صناعتي السياحة والخدمات العالمية في الوقت الذي تعمل فيه على تشجيع التفاعلات الهادفة عبر الحدود ودفع تحقيق المزيد من التفاهم المتبادل.
فقد أشار تقرير صدر مؤخرا عن وكالة ((رويترز)) إلى تحول شهية المسافرين الصينيين من الرحلات السياحية الجماعية القائمة على التسوق الكثيف إلى الرحلات المتخصصة المرنة القائمة على الخبرة، والتي تركز على سبيل المثال على التأمل أو الطهي أو التصوير الفوتوغرافي. وقال إنه مع ارتفاع نوعية الحياة، فإن الجيل الأكثر شبابا بثاني أكبر اقتصاد في العالم يعمل أيضا على رفع مستوى عطلته.
“إن دفع بناء دولة قوية والقضية العظيمة المتمثلة في تحقيق نهضة الأمة من خلال اتباع طريق صيني للتحديث لا يمثل فقط طريقا مشرقا للشعب الصيني للسعي إلى حياة أفضل وأسعد، بل أيضا طريق عادل لتعزيز السلام والتنمية العالميين”، هكذا قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في حفل استقبال أقيم بمناسبة عيد الربيع.
كما صرح الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة زوراب بولوليكاشفيلي لـ((شينخوا)) قبيل انطلاق المعرض الدولي للسياحة بأن “العالم يتطلع إلى مزيد من الانفتاح في الصين، والآن بدأت عودة السائحين الصينيين”. ولفت إلى أن “الجميع يرغب، في الوقت نفسه، في زيارة الصين، فتراثها الثقافي الرائع يستحق الزيارة”.