مقالة خاصة: ماذا يعني محور الارتكاز الاقتصادي الجديد في الصين للعالم
وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا:
على أرض مسطحة في منطقة ميمنسنغ بشمال وسط بنغلاديش، وُضعت حوالي 169 ألف من الألواح الشمسية في صفوف، حيث تعمل هذه الألواح إلى تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية.
والآن، تعد محطة توليد الطاقة الكهروضوئية التي تبلغ سعتها 50 ميغاواط صورة مصغرة لعملية تطوير الطاقة الخضراء الآخذ في الازدهار ببنغلاديش، حيث أعلنت الدولة الواقعة في جنوب آسيا عن قرارها بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030.
تحدث محمد ناصر الدين، وهو مواطن قروي محلي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا “الآن يتم توليد الكهرباء من أشعة الشمس”، مضيفا “العديد من أبنائنا وبناتنا وأقاربنا يعملون في محطة الطاقة هذه، وذلك يعود علينا بالفائدة كثيرا”.
يقدم هذا المشروع الأخضر، الذي تم بناؤه باستثمارات صينية ويعد نموذجا مصغرا للتعاون والتنمية المشتركة بين الدول الآسيوية، لمحة عن ثمار التزام الصين طويل الأمد بالتعاون المربح للجميع والتنمية عالية الجودة.
وقد سلط المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي لعام 2024، الذي اختتم لتوه حيث استمر من الثلاثاء إلى الجمعة، الضوء على الخطى المتسارعة للتنمية عالية الجودة في الصين، والتي قوبلت باهتمام شديد وتطلعات كبيرة من جانب آسيا وما وراءها.
— نمو مستدام
صرح كبير المشرعين الصينيين تشاو له جي في كلمة رئيسية ألقاها خلال مراسم افتتاح الحدث السنوي يوم الخميس، بأن الصين تدفع التحديث الصيني النمط على جميع الأصعدة بتنمية عالية الجودة، الأمر الذي سيضخ زخما قويا في الاقتصاد العالمي ويوفر المزيد من الفرص لتنمية جميع الدول، وخاصة الدول المجاورة في آسيا، معبرا عن وجهات نظر ملهمة حول كيف يمكن للتنمية عالية الجودة في الصين تعزيز الرخاء العالمي.
في مواجهة تزايد عدم اليقين والضغوط على الساحة الدولية، تظل الصين محركا اقتصاديا رئيسيا بين الاقتصادات الكبرى حيث حققت نموا نسبته 5.2 في المائة العام الماضي، ما بعث بإشارة واضحة بأن اقتصادها ينتعش ويحمل آفاق مزيد من النمو المطرد في المستقبل.
وقد قال ستيفن آلان بارنيت، وهو ممثل مقيم بارز لصندوق النقد الدولي في الصين، في حلقة نقاشية حول الآفاق الاقتصادية للصين خلال فعاليات المنتدى “في العام الماضي، ساهمت الصين وحدها بحوالي ثلث النمو العالمي”.
وذكر بارنيت “إذا نظرنا إلى التأثير غير المباشر، فإن بحوثنا تُبين أيضا أنه مقابل كل زيادة بواقع نقطة مئوية واحدة في نمو الصين، يرتفع متوسط مستوى إجمالي الناتج المحلي في الاقتصاديات الأخرى على المدى المتوسط بنسبة حوالي 0.3 في المائة”.
وأضاف المسؤول بصندوق النقد الدولي قائلا إن هذا الرقم أكد أن وجود نمو مستدام قوي في الصين أمر مفيد أيضا للاقتصاد العالمي ككل.
ومن جانبه صرح كين فيا، المدير العام لمعهد العلاقات الدولية في كمبوديا، وهو مؤسسة فكرية تابعة للأكاديمية الملكية الكمبودية، لـ((شينخوا)) قبيل المنتدى قائلا “نظرا لكون الصين مركزا للتصنيع العالمي وعامل استقرار لسلاسل القيمة العالمية، فإن نموها الاقتصادي أمر أساسي للمساعدة في تعزيز الاقتصاد العالمي”.
كما أعرب دينو أوترانتو، الرئيس التنفيذي لـ((فورتيسكو ميتالز غروب ليمتد))، وهي شركة عملاقة لخام الحديد في أستراليا، عن تفاؤله إزاء النمو المستدام للصين، مشيرا إلى أن “التنمية الاقتصادية للصين جعلت منها لاعبا رئيسيا في الاقتصاد العالمي، وهو أمر نرى أنه سيستمر في تشكيل ملامح النمو الاقتصادي والابتكار التكنولوجي على الصعيد العالمي في السنوات المقبلة”.
— تكنولوجيا فائقة وجودة عالية
صرح بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة ورئيس منتدى بوآو الآسيوي حاليا لـ((شينخوا)) بأن “هناك العديد من المؤشرات الملحوظة على أن الصين تحول اقتصادها من نمو عالي السرعة إلى نمو عالي الجودة، كما إنها تشجع على تطوير قوى إنتاجية حديثة النوعية لدفع التحول إلى تنمية أكثر توجها نحو الابتكار وأكثر توازنا وشمولا واخضرارا وانفتاحا”.
إن السعي إلى قطع خطوات واسعة في تطوير قوى إنتاجية حديثة النوعية، تتميز بالتكنولوجيا العالية والكفاءة العالية والجودة العالية، يأتي في صدارة جدول أعمال الصين هذا العام. وقد أشاد المراقبون بهذه الإستراتيجية كونها لا تعطي فقط قوة دفع قوية للاقتصاد الصيني، بل تخلق أيضا فرصا أكبر للنمو العالمي وتتيح مزيدا من فرص التعاون في مختلف المجالات.
وفي هذا السياق، قال إيب كواي بنغ نائب رئيس جامعة سيتي في ماكاو “إن هذا من شأنه دفع الاقتصاد الصيني والمنطقة الآسيوية بأكملها نحو اتجاه أكثر كفاءة وذكاء واخضرارا وانفتاحا، بما يسهم في تعزيز التعديلات الهيكلية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي في مختلف الدول، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وعالي الجودة”.
تجدر الإشارة إلى أن الابتكار في الصين آخذ في الارتفاع بالفعل. ومع استمرار تسجيل نمو مزدوج الرقم في الاستثمار بمجال البحث والتطوير، احتل مؤشر الابتكار الوطني في الصين المرتبة العاشرة على مستوى العالم في عام 2023، بزيادة قدرها ثلاث نقاط عن العام السابق.
وهذه البيئة الدينامية تعمل على تسريع ظهور محركات نمو جديدة.
في عام 2023 وحده، على الرغم من الانكماش الاقتصادي العالمي، بلغت صادرات الصين من الثلاثي الأخضر الكثيف التكنولوجيا — بطاريات الليثيوم-أيون والمنتجات الكهروضوئية ومركبات الطاقة الجديدة — 1.06 تريليون يوان (149 مليار دولار أمريكي)، بزيادة كبيرة نسبتها 29.9 في المائة على أساس سنوي. كما أحرزت الصين تقدما كبيرا في مختلف القطاعات مثل الطاقة الجديدة والسكك الحديدية فائقة السرعة والمواد الجديدة والذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى نمو قوي في الصناعات والمنتجات ذات الصلة.
وقال أوترانتو إن “أحد الفرصة الرئيسية التي نراها للصين في هذا المجال تكمن في انتقال الطاقة… فالصين تتصدر العالم في هذا الصدد من خلال النمو الأسي الذي تسجله في استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية”، مشيرا إلى أن أستراليا ترى في ذلك فرصة لتعزيز التعاون مع الصين.
وأضاف “أننا نعمل بالفعل على استكشاف مجموعة من الخيارات لخفض الانبعاثات في سلسلة قيمة الصلب، بما في ذلك من خلال الشراكات مع الموردين والعملاء ومعاهد الأبحاث الصينية”.
— مستقبل أكثر اخضرارا
مع ارتفاع الوعي العالمي بتغير المناخ والعواقب المترتبة عليه في السنوات الأخيرة، أصبح اتخاذ إجراءات فورية على الصعيد العالمي أمرا أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وهي دعوة رددها مفاوضون وعلماء ومؤسسات بمجال المناخ من أنحاء العالم خلال منتدى بواو.
وفي نفس السياق، سلط براكاش كومار شريستا، رئيس قسم البحوث الاقتصادية بالبنك المركزي النيبالي، الضوء على أن الصين رائدة في العديد من التكنولوجيات الخضراء. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يساعد تقدم الصين في التكنولوجيا الخضراء على مواجهة تحديات المناخ، مشيرا إلى أن هناك تزايدا في استخدام السيارات الكهربائية لأن الصين تمكنت من جعلها بأسعار أرخص نسبيا.
أما برناردو إم. فيليغاس، الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة آسيا والمحيط الهادئ، فقد صرح في مقابلة مكتوبة معه قائلا “يجب الثناء على الصين لنجاحها في تقديم منتجات وتكنولوجيات تعالج المشكلة الخطيرة لتغير المناخ”.
وأضاف فيليغاس “فمن خلال تصديرها هذه المنتجات إلى الأسواق الناشئة، ستتوطد مساهمتها في عالم أكثر اخضرارا”.