رأي ضيف: رسالة شي إلى الأمريكيين
بقلم روبرت لورانس كون
لفت الاجتماع الاستثنائي الذي عقده الرئيس شي جين بينغ مع كبار رجال الأعمال والأكاديميين الأمريكيين انتباه وسائل الإعلام العالمية بحق. وهذا ما كان ينبغي أن يحدث. فمن بين الشواغل التي يتوقف عليها السلام والرخاء في العالم، هناك أمران يمثلان أكبر تلك الشواغل ويتلخصان في حالة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وآفاق التنمية الاقتصادية للصين– وقد كانا موضوعين أساسيين لرسالة شي المدروسة بعناية إلى الأمريكيين.
الإعداد في غاية الأهمية. فقد عُقد الاجتماع مباشرة في أعقاب منتدى تنمية الصين السنوي، حيث جاء الرؤساء التنفيذيون للشركات الأجنبية للتواصل مع صناع السياسات في الصين. وإن شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، باجتماعه مع الرؤساء التنفيذيين رفع أهمية الاجتماع إلى مستوى أعلى سلطة. وفي العصر الجديد، حيث يتولى الحزب الشيوعي الصيني المسؤولية بصورة مباشرة عن قيادة جميع قطاعات الصين، فإن قيام شي نفسه بعقد هذا الاجتماع يُعد في حد ذاته الرسالة الهامة الأولى لهذا الاجتماع.
والواقع أن قراءة اجتماع الرئيس شي، كما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية، هي وسيلة رائعة للتعمق في معرفة طريقة التفكير الحالية للقادة الصينيين. فعلى الرغم من أن الرئيس شي جيد الاستعداد دوما لاجتماعاته وخطبه، إلا أنه بدا مستعدا بشكل جيد إلى حد غير عادي لهذا الاجتماع الذي يأتي في توقيت غير عادي. فقد اجتمعت بنية وخصوصية تصريحاته لتشكل أكثر التعبيرات وضوحا وحسما ومباشرة وعمقا لوجهات نظر شي حول العلاقات بين الصين والولايات المتحدة واقتصاد الصين، وذلك من بين التعبيرات التي أتذكر أنها جاءت في اجتماع من هذا القبيل. وعلى هذا، فبوسعنا أن نستنتج موضوعين رئيسيين وهما أن: الصين ملتزمة بالسعي إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والصين عازمة على الإصلاح والانفتاح على نحو أكثر شمولا. ورغم أن هذين الموضوعين ليسا جديدين، إلا أن تصريحات شي هذه المرة بدت مختلفة، وهو ما أشار إلى التزام مكثف.
وفيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الصينية، كانت رسالة شي واضحة. فحقيقة أنه اختار مقابلة الرؤساء التنفيذيين الأمريكيين والخبراء الأمريكيين المتخصصين في الشأن الصيني تعد بمثابة علامة مضيئة على أن الصين تسعى إلى وقف التراجع التعاقبي للعلاقات، ودفع استقرار العلاقات، والعمل بعناية على إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح. وقد ضع شي ثقته في الشعبين بشكل عام وفي التبادلات الشعبية بشكل خاص، وهو أساس طويل الأمد لنهج شي تجاه السياسة الخارجية بوجه عام. ولدى إشارته إلى العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، شدد شي على أن “المستقبل سيخلقه الشعبان بالطبع”، وأعرب عن أمله في أن “يقوم الناس من جميع قطاعات المجتمعات الصينية والأمريكية بالمزيد من التواصل والزيارات المتبادلة”.
ما وجدته لافتا للنظر هو أنه في الوقت الذي دعا فيه شي إلى تعزيز التعاون ونبذ المواجهة وإلى الالتزام بالاحترام المتبادل وتحقيق نتائج مربحة للجانبين، كما يفعل عادة وعموما، فقد أقر بأن “العلاقات لا يمكن أن تعود إلى الأيام الخوالي”، وهو فهم قوي وواقعي أضفى، على عكس الحدس، مصداقية على نصيحته اللاحقة التي قال فيها، ولكنها (العلاقات بين الصين والولايات المتحدة) يمكن أن تحتضن مستقبلا أكثر إشراقا”. والتقييم الصادق للحاضر هو وحده الذي يمكن أن يتيح رؤية مستقبلية مفعمة بالأمل.
وما لم يكن مفاجئا هو أن الرئيس شي التزم التفاؤل بشأن الاقتصاد الصيني — وهو الموضوع الأول الذي يدور في أذهان الجميع — من خلال تذكير مستمعيه بأن معدل النمو في الصين في عام 2023 كان من بين أعلى الاقتصادات الكبرى وشكل أكثر من 30 في المائة من النمو العالمي، كما كان الحال في السنوات السابقة. ما كان مفاجئا هو أن شي روى قصة اقتصاد الصين في سياق “نظريتين” سلبيتين حول اقتصاد الصين: “نظرية انهيار الصين” التي تم الترويج لها في الماضي، والتي لم تحدث بالطبع، و”نظرية ذروة الصين” التي يتم الترويج لها في الحاضر، ويقول شي إنها لن تحدث.
وقال شي إن الصين “ستواصل دفع التنمية عالية الجودة والتحديث الصيني النمط وتمكين الشعب الصيني من عيش حياة أفضل والمساهمة بشكل أكبر في التنمية المستدامة في العالم”. لم تُصغ هذه الكلمات على أنها حديث سلس سيُلقى على زوار أجانب وإنما تمثل السياسة الإستراتيجية الشاملة للقادة الصينيين والمبادئ التوجيهية للعمل اليومي للمسؤولين الصينيين. فالشعار الجديد للنمو الاقتصادي للصين هو “التنمية عالية الجودة” المدفوعة بـ”قوى إنتاجية حديثة النوعية”.
وفيما يتعلق بالإصلاح والانفتاح، كانت كلمات شي مدروسة بحكمة، كما هو الحال دائما. فهناك قلق بين الشركات الأجنبية، وحتى بين بعض رواد الأعمال في الصين، من أن الإصلاح والانفتاح قد يتوقفا. في حين أن شي صرح بأن “الإصلاح والانفتاح يحملان مفتاح مواكبة الصين المعاصرة للعصر بخطوات كبيرة”، وأن “إصلاح الصين لن يتوقف، وانفتاحها لن يتوقف”، وقد قال ذلك مرات عديدة. ولهذا السبب ركزت على ما قاله بعد ذلك وهو أن “الصين تخطط وتنفذ سلسلة من الخطوات الرئيسية لتعميق الإصلاح بشكل شامل، والعمل بشكل مطرد على تنشئة بيئة أعمال موجهة نحو السوق وقائمة على القانون وذات مستوى عالمي”.
وكانت الكلمة المهمة هي “التخطيط”، التي تعني أن هناك هياكل جديدة و/أو لوائح تنظيمية جديدة و/أو إجراءات جديدة تلوح في الأفق، تختلف بما يكفي عن تلك الموجودة حاليا، لتبرير عبارة “خطوات رئيسية لتعميق الإصلاح بشكل شاملة”. ولو كان شي قد ذكر المبادئ العامة فقط، فإن كلماته وحدها ما كانت لتغرس قدرا كبيرا من الثقة. ولكن إطلاع العالم على الأمور، وبناء توقعات واسعة النطاق، يُعطي مصداقية من قمة الهرم بأن الصين جادة بشأن جولة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية. وهذا هو السبب الذي قد يجعلني أتوقع، وهو ما لن يتوقعه أغلب المحللين الأجانب، إصلاحات اقتصادية مهمة، وهي الأكثر أهمية في غضون عقد من الزمان أو نحو ذلك.
والدليل على ذلك، بطبيعة الحال، سوف يتلخص في تفاصيل الخطة، ثم تنفيذها في العالم الحقيقي. على سبيل المثال، واصلت الحكومة في الأيام الأخيرة تقليص القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي، ورفعت القيود المفروضة على وصول الاستثمار الأجنبي إلى الأسواق في مجال التصنيع، فيما فتحت قطاعي الطب والاتصالات. وعلاوة على ذلك، عملت الهيئة التنظيمية لأمن الفضاء السيبراني في الصين على تخفيف القيود المفروضة على تدفق البيانات إلى الخارج حتى تشعر الشركات الأجنبية العاملة في الصين بقدر أعظم من الأمان في إدارة أعمالها العادية. وهناك رصد لوعود بمنح الشركات الأجنبية معاملة وطنية متساوية، بما في ذلك في مجال المشريات الحكومية.
أرى أن أحد العوامل المحفزة الرئيسية لدى الرئيس شي يكمن حقا في تحقيق رؤيته العظيمة للصين — “النهضة العظيمة للأمة الصينية” — يجب أن تصبح الصين مركزا للأعمال على مستوى عالمي، ولكي تصبح كذلك في العالم الحقيقي، يجب أن يكون لدى الصين “بيئة أعمال موجهة نحو السوق وقائمة على القانون وذات مستوى عالمي”.
فمن يمكنه أن ينكر أن العالم سيستفيد من استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين؟ ومن يمكنه أن ينكر أن العالم سيستفيد من النمو الاقتصادي للصين وتنميتها؟ إنما أمران يتصدران الساحة العالمية في هذه السنوات المتوترة من العقد الثالث من القرن الـ21.
ملحوظة المحرر: روبرت لورانس كون هو رئيس مؤسسة (كون). وقد حاز على وسام الصداقة للإصلاح الصيني.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).