جهود الرئيس الصيني شي جين بينغ لدفع كتابة فصل جديد في تاريخ العلاقات الصينية-العربية
يصادف هذا العام الذكرى الـ20 لتأسيس منتدى التعاون الصيني-العربي، فيما سيعقد الاجتماع الوزاري الـ10 للمنتدى في العاصمة الصينية بكين يوم 30 مايو الجاري، حيث سيحضر الرئيس الصيني شي جين بينغ مراسم افتتاح الاجتماع ويلقي خلالها خطابا رئيسيا، الأمر الذي يعد “لحظة فارقة جديدة” في العلاقات الصينية-العربية.
يضرب التواصل الودي بين الصين والدول العربية بجذوره في أعماق التاريخ، حيث تلاقت وتعرفت إلى بعضها البعض عبر طريق الحرير القديم، وتقاسمت السراء والضراء في النضال من أجل التحرر الوطني، وحققت التعاون والكسب المشترك وسط تيار العولمة الاقتصادية، وظلت تتمسك بالحق والعدالة في العالم المتغير والمتقلب، وسردت قصص الصداقة عبر التبادلات الودية والمنافع المتبادلة بين الحضارات المختلفة.
ويولي الرئيس الصيني شي جين بينغ أهمية بالغة لتنمية العلاقات الصينية-العربية. وبفضل رؤيته بعيدة المدى وبصفته زعيم دولة كبيرة مسؤولة، قام شي شخصيا بتعزيز تطوير دبلوماسية رئيس الدولة مع الدول العربية، ووضع مخططا لتنمية العلاقات الصينية-العربية نابعا من عمق التاريخ وذروة العصر، وأوضح اتجاه تطور العلاقات بين الصين والدول العربية والتعاون الجماعي بين الجانبين.
وفي الوقت الحاضر، تشهد العلاقات الصينية-العربية أزهى فتراتها على مر التاريخ. وبتوجيه من دبلوماسية رئيس الدولة، تلتزم الصين والدول العربية بتحقيق حلم الرخاء الوطني ونهضة الأمة، وتعمل معا لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية نحو العصر الجديد، من أجل منفعة الشعبين الصيني والعربي وتعزيز التضامن والتعاون بين الدول النامية والحماية المشتركة لقضية السلام والتنمية العالميين.
–رسم مخطط لتنمية العلاقات المستقبلية
طرح الرئيس شي جين بينغ سلسلة من المبادرات والترتيبات والتدابير المهمة حول تنمية العلاقات الصينية-العربية، من أجل توضيح اتجاه تطوير التعاون الصيني-العربي في مختلف المجالات وبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية.
وفي يونيو 2014، حضر الرئيس شي جين بينغ مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني-العربي، حيث اقترح البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية وتشكيل نموذج التعاون “1+2+3″ بشأن تعميق التعاون الصيني-العربي، كما اقترح لأول مرة بناء مجتمع المصالح المشتركة ومجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية.
وفي يناير 2016، زار الرئيس شي جين بينغ مقر جامعة الدول العربية وألقى كلمة مهمة، شرح فيه بشكل شامل ومنهجي سياسة الصين تجاه منطقة الشرق الأوسط في العصر الجديد، ورسم مخططا لتنمية العلاقات المستقبلية بين الصين والدول العربية، وطرح أربعة تدابير رئيسية للبناء المشترك لـ”الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية، مما عزز بشكل فعال مستوى التعاون الجماعي بين الجانبين.
وفي يوليو 2018، أعلن الرئيس شي جين بينغ خلال خطاب رئيسي ألقاه في مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-العربي في بكين، عن إقامة شراكة إستراتيجية صينية-عربية قائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة وموجهة نحو المستقبل.
وفي ديسمبر 2022، حضر الرئيس شي جين بينغ القمة الصينية-العربية الأولى في المملكة العربية السعودية، والتي كانت أكبر وأرفع عمل دبلوماسي للصين تجاه العالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. وألقى شي كلمة مهمة في القمة، رسم فيه مخططا لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية، ووضع تصميما رفيع المستوى لتنمية العلاقات الصينية-العربية في العصر الجديد، ولخص وصقل لأول مرة روح الصداقة الصينية-العربية المتمثلة في “التضامن والتآزر والمساواة والمنفعة المتبادلة والشمول والاستفادة المتبادلة”. واتفق قادة الجانبين بالإجماع على بذل كل جهد ممكن لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية نحو العصر الجديد، ودفع العلاقات الصينية-العربية نحو عصر جديد يتسم بالتنمية الشاملة والعميقة. وطرح شي “الأعمال الثمانية المشتركة” لتعزيز التعاون العملي بين الصين والدول العربية، والتي أثرت ووطدت ركائز التعاون العملي بين الجانبين ورسمت مخططا جديدا للتعاون العملي الصيني-العربي.
وفي تصريح لوكالة أنباء شينخوا، قال لي تشن، سفير شؤون منتدى التعاون الصيني-العربي بوزارة الخارجية الصينية، إن المبادرات التي طرحها الرئيس شي جين بينغ تتوافق مع الرغبات والاحتياجات المشتركة للصين والدول العربية، حيث تربط بشكل وثيق بين مستقبل ومصير كل من الصين والدول العربية من خلال الأفكار المشتركة والمصالح المشتركة والمسؤوليات المشتركة، ومن ثم تلقى ترحيبا حارا وتفاعلا إيجابيا من جانب الدول العربية.
وأقامت الصين شراكات إستراتيجية شاملة أو شراكات إستراتيجية مع 14 دولة عربية وكذلك جامعة الدول العربية حتى الآن. وباعتبارها المنظمة الإقليمية الوحيدة الممثلة لجميع البلدان العربية، استجابت جامعة الدول العربية بنشاط للأفكار والمبادرات الرئيسية التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، وكانت أول منظمة إقليمية وقعت على وثيقة تعاون بشأن “الحزام والطريق” وأصدرت وثيقة بشأن التضامن لمكافحة جائحة كوفيد-19 وأطلقت مبادرة التعاون بشأن أمن البيانات، بينما تعمل على تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية مع الصين بشكل مشترك.
وقال عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إن الرئيس شي جين بينغ كان قد أكد على أن القضية العظيمة تبدأ بالحلم وتُنجز بالعمل الملموس، مضيفا أنه في الوقت الراهن أصبح الحلم أفكارا ومشروعات هندسية ملموسة بفضل الجهود المشتركة، حيث حقق التعاون العربي-الصيني تقدما كبيرا في إطار البناء المشترك لـ”الحزام والطريق”.
وأضاف لي تشن “نعتقد أنه في ظل الاهتمام المشترك والتوجيه الإستراتيجي من جانب قادة الصين والدول العربية، سيتم تعزيز الثقة الإستراتيجية المتبادلة بين الجانبين، ودفع التعاون في مختلف المجالات بشكل شامل، وستمضي أعمال بناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية بخطوات أكثر صلابة”.
–نتائج مثمرة للتعاون العملي
يقول المثل العربي “الأفعال أبلغ من الأقوال”. وفي السنوات الأخيرة، نفذت الصين والدول العربية بنشاط التوافق الذي توصل إليه قادة الجانبين، وحقق التعاون العملي الثنائي نتائج باهرة في مختلف المجالات.
بعد أن اقترح الرئيس شي جين بينغ في عام 2014 البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية، استجابت الدول العربية بنشاط وقامت بمواءمة إستراتيجياتها التنموية الوطنية مع مبادرة “الحزام والطريق”. وحتى الآن، وقعت الصين وثائق تعاون بشأن البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” مع جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية.
وقالت نجلاء الزرعوني، باحثة من مركز تريندز للبحوث والاستشارات بدولة الإمارات، إن مبادرة “الحزام والطريق” تعد إحدى أهم المبادرات بالنسبة للعالم العربي في عصرنا الحالي، وتشكل أبرز جوانب التعاون العربي-الصيني، وتعكس السعي المشترك للجانبين على مر السنين، وتتوافق مع مصالحهما المشتركة، وستساعد الدول العربية على تحقيق التنمية المستدامة، بما يعود بمنافع ملموسة على شعبي الجانبين.
وقد نفذ الجانبان أكثر من 200 مشروع تعاوني كبير في إطار البناء المشترك لـ”الحزام والطريق”، بما في ذلك دفعة من المشاريع الرئيسية والمعلمية الوطنية ومشاريع سبل العيش، والتي استفاد منها نحو ملياري شخص من شعبي الجانبين.
ويعد مشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر أكبر مشروع تقوم ببنائه الشركات الصينية في مصر. وقبل عامين، بدأ محمد إدريس، وهو شاب مصري، المشاركة في أعمال بناء مشروع البرج الأيقوني في منطقة الأعمال المركزية.
وفي معرض حديثه عن عمله، قال محمد إنه فخور بأنه من بناة هذا المشروع الرئيسي للتعاون المصري-الصيني، مضيفا “كلما تحدثت مع عائلتي عن عملي، يشعرون بالفخر الشديد. ستكون لمصر حقا منطقة أعمال مركزية عالمية المستوى، وهذا لا يقتصر على بناء المباني الشاهقة فحسب، بل يحقق أيضا أحلام الشعب المصري”.
وقد عزز المشروع التعاون الوثيق بين شركات المقاولات الصينية وأكثر من 300 شركة محلية في مصر، وساعد في توظيف أكثر من 30 ألف عامل محلي، وتدريب عدد كبير من الموظفين الفنيين للجانب المصري، مما قدم مساهمات مهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
ويظل التعاون الاقتصادي والتجاري “حجر الصابورة” للتعاون الصيني-العربي، حيث تعد الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة متتالية، إذ ارتفع حجم التجارة بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة حوالي 11 ضعفا. وقد امتد التعاون التقليدي في صناعة النفط والغاز بين الجانبين إلى السلسلة الصناعية بأكملها، وتعمق التعاون بين الجانبين باطراد في المجالات الناشئة مثل اتصالات الجيل الخامس والأقمار الاصطناعية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة وغيرها.
وجدير بالذكر أن شركة أرامكو السعودية تعمل على زيادة استثماراتها في الصين. وقال أمين حسن الناصر، الرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين للشركة، إن التزام الصين بهدف التنمية عالية الجودة الذي طرحه الرئيس شي جين بينغ يوفر فرصة هائلة لتوسيع التعاون الثنائي، مؤكدا أن العمل مع الصين لتعزيز التنمية عالية الجودة هو جزء أساسي من إستراتيجية أرامكو السعودية للاستثمار العالمي.
كما تلعب التكنولوجيا الصينية دورا متزايد الأهمية في خدمة التنمية بالدول العربية، حيث تم إنشاء المركز الصيني-العربي لنقل التكنولوجيا ومركز التميز الصيني-العربي لنظام بيدو ومركز التدريب الصيني-العربي للطاقة النظيفة والمركز الصيني-العربي للأبحاث الدولية لمكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي وغيرها، وأسهمت تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات ونظام بيدو للملاحة ومراكز البيانات الضخمة في بناء المدن الذكية في الدول العربية، ومكن انتشار الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية عبر الحدود مزيدا من المواطنين الصينيين والعرب من التمتع بالمنتجات المتميزة وعالية الجودة لدى الجانب الآخر.
وبدوره، قال وانغ قوانغ دا، الأمين العام لمجلس إدارة مركز الدراسات الصيني-العربي للإصلاح والتنمية، إن التعاون الصيني-العربي قد تعزز في مختلف المجالات بشكل شامل مع نمو الاستثمار ثنائي الاتجاه، مضيفا أن هذا العام يصادف بدء العقد الثاني من البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية، وأن البناء المشترك عالي الجودة لـ”الحزام والطريق” سيعود بمنافع أكبر على شعبي الجانبين.
–تعمق التبادلات الشعبية والثقافية بشكل متزايد
يمكن للثقافة أن تؤلف بين القلوب، وبوسع الفن أن يربط بين العالم. ومن طريق الحرير القديم إلى البناء المشترك لـ”الحزام والطريق”، امتدت التبادلات بين الحضارتين الصينية والعربية عبر آلاف السنين بتقدير متبادل، مما ساهم في كتابة إرث تاريخي من التعلم والاستفادة المتبادلين.
وفي بداية عام 2016، أعلن الرئيس شي جين بينغ عن تنفيذ مشروع “المائة والألف والعشرة آلاف” بين الصين والدول العربية، والذي يشمل تبادل ترجمة 100 كتاب وعمل أدبي صيني وعربي وتبادل الزيارات بين 100 خبير وباحث لتعزيز الالتقاء بين المؤسسات الفكرية وتقديم 1000 فرصة تدريب للقادة الشباب العرب، بالإضافة إلى تنفيذ زيارات متبادلة بين 10 آلاف فنان صيني وعربي، من أجل ضخ حيوية في التبادلات والتنمية الثقافية بين الصين والدول العربية.
وفي مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-العربي في عام 2018، وجه الرئيس شي جين بينغ دعوة جديدة للدول العربية، قائلا إنه من أجل دفع التواصل بين شعبي الجانبين، قررت الصين توجيه الدعوة لـ100 مبتكر شاب و200 عالم شاب و300 تقني من الدول العربية لزيارة الصين، علاوة على دعوة 100 شخصية دينية و600 مسؤول حزبي لزيارة الصين، وتوفير 10 آلاف فرصة تدريب لمواطنين من الدول العربية في مختلف التخصصات، بالإضافة إلى إرسال 500 عضو من الفرق الطبية إلى الدول العربية.
وفي القمة الصينية-العربية الأولى التي عقدت في عام 2022، طرح الرئيس شي جين بينغ مشروع “الحوار بين الحضارات” في إطار “الأعمال الثمانية المشتركة”، والذي ينطوي على تحفيز التعاون بين 500 شركة ثقافية وسياحية من الجانبين، وتدريب 1000 متخصص في مجال الثقافة والسياحة للدول العربية، وتنفيذ مشروع الترجمة المتبادلة لـ100 كتاب كلاسيكي و50 برنامجا سمعيا ومرئيا مع الجانب العربي، بالإضافة إلى تعزيز دور مركز الدراسات الصيني-العربي للإصلاح والتنمية في تعميق الحوار بين الحضارتين وتبادل الخبرات في مجال الحوكمة.
وقد ساهمت هذه الإجراءات والتدابير في تعزيز التبادلات الشعبية والثقافية فضلا عن التكامل الثقافي والترابط الشعبي بين الجانبين الصيني والعربي.
وحاليا، ثمة آليات متعددة للتبادل الثقافي بين الصين والدول العربية تشمل الحوار بين الحضارتين والمهرجانات الفنية والتبادلات الشعبية وخدمات الإذاعة والتلفزيون والتعاون النسوي وغيرها من المجالات، مما أرسى أساسا متينا للترابط الشعبي بين الجانبين. وفي ديسمبر عام 2023، وقعت وزارة الثقافة والسياحة الصينية وأمانة جامعة الدول العربية على بيان مشترك حول تطبيق مبادرة الحضارة العالمية، لتصبح مثالا جديدا قويا على تعزيز التبادلات والاستفادة المتبادلة والتنمية المشتركة بين الجانبين.
وبفضل تعمق التعاون الصيني-العربي في كافة المجالات، يتنامى “شغف تعلم اللغة الصينية” في الدول العربية، حيث تم إدراج اللغة الصينية ضمن برنامج التعليم الوطني في عدة دول عربية.
وقالت الطالبة السودانية مريم محسن، التي بدأت تعلم اللغة الصينية قبل عشرة أعوام وتواصل دراستها حاليا في بكين للحصول على درجة الدكتوراه، “يستفيد المزيد من الشباب العرب من البرامج والمنح الدراسية المقدمة من الجانب الصيني لزيارة الصين وتعلم الخبرات الصينية والتعرف على الثقافة الصينية”، معربة عن أملها في أن تصبح مترجمة بعد التخرج، لكي تساهم في ترجمة المزيد من المؤلفات الكلاسيكية الصينية والعربية وتقديمها إلى القراء من الجانبين، وأن تغدو جسرا للتبادلات الثقافية والشعبية بين الجانبين.
وفي عام 2023، رد الرئيس شي جين بينغ على رسالة من ممثلين عن فنانين عرب مشهورين شاركوا في “ملتقى فناني طريق الحرير” في الصين، وشجعهم على إبداع المزيد من الأعمال الفنية التي تبرز الصداقة الصينية-العربية، وتقديم إسهامات جديدة لتعزيز الصداقة بين الشعبين الصيني والعربي.
وقد أقام وليد علي، وهو فنان سوري يعيش في الصين منذ خمس سنوات، معارض فنية في نانجينغ وتشينغداو وغيرهما من المدن الصينية، مما فتح بابا يتيح للجمهور الصيني التعرف على سوريا. وقال وليد إن “الأعمال ذات الخصائص السورية تجذب عددا كبيرا من الجمهور الصيني وتمنحهم إلهاما فنيا وفرصا لتعميق معرفتهم بالثقافة السورية”، معربا عن رغبته في عرض سحر سوريا للجمهور الصيني من خلال الأشكال الفنية.
ويرى وليد أن التبادلات الثقافية بين الدول العربية والصين تزداد عمقا في السنوات الأخيرة، حيث يلعب الشباب دورا متزايد الأهمية في تلك التبادلات، الأمر الذي يعكس تماما اعتراف وتقدير شعبي الجانبين لثقافة الآخر، ويضخ زخما فكريا غنيا لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية.
–الاضطلاع بالمسؤولية كدولة كبيرة لحماية السلام
دخل العالم مرحلة جديدة من الاضطرابات والتغيرات، كما تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات جديدة وعميقة، ومن ثم أصبحت رغبة الشعب العربي في التنمية والسلام أكثر إلحاحا من ذي قبل، وأصبح سعيه لتحقيق العدالة والإنصاف أقوى. أما الصين، فباعتبارها دولة كبيرة ومسؤولة وصديقا حميما وشريكا جيدا لدول المنطقة، تعمل دائما على لعب دورها بشكل إيجابي.
وقد تعمقت جذور مبادرة الأمن العالمي، التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، وترسخت في الشرق الأوسط، الأمر الذي ساهم في حل بعض المشاكل الأمنية في المنطقة، وأحرز سلسلة من التقدمات الإيجابية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في مارس عام 2023، توصلت السعودية وإيران إلى “مصالحة تاريخية” بوساطة صينية، حيث تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، ما مثل ممارسة حية لمبادرة الأمن العالمي. وفي مايو عام 2023، استعادت سوريا عضويتها في جامعة الدول العربية. لقد ضخت الحكمة الصينية ودور الصين الفريد حيوية جديدة في تعزيز الثقة المتبادلة وتحسين البيئة السلمية في الشرق الأوسط.
وقال وو سي كه، المبعوث الخاص الأسبق للحكومة الصينية لقضايا الشرق الأوسط، إن الصين تنفذ مبادرة الأمن العالمي على نحو شامل، وتتمسك بمسار أمني جديد قائم على الحوار والشراكة والكسب المشترك بدلا من المواجهة والتحيز ولعبة المحصلة الصفرية، وتحفز بنشاط التسوية السياسية للقضايا الإقليمية الساخنة. وبفضل جهود الصين الإيجابية، استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، مما شكل نموذجا للدول في منطقة الشرق الأوسط لحل النزاعات والخلافات وتعزيز روابط حسن الجوار.
وبينما لا تزال القضية الفلسطينية جوهر قضايا الشرق الأوسط وجرحا نازفا في عالم اليوم، وترتبط بالأمن والعدالة الدوليين، وتعد القضية الأهم بالنسبة للعالم العربي، فقد أولى الرئيس شي جين بينغ اهتماما بالغا للقضية الفلسطينية، حيث بعث برسائل تهنئة لاجتماع الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني لـ11 عاما متتالية، وأوضح في غير مرة موقف الصين ورؤيتها، مما يظهر دور الصين كدولة كبيرة ومسؤولة.
ومنذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في أكتوبر الماضي وحتى الآن، تجري الصين مشاورات مكثفة مع الأطراف المعنية، وتدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار ومنع اتساع رقعة الصراع والعودة إلى السلام.
وفي نوفمبر عام 2023، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمة في قمة بريكس الافتراضية الاستثنائية بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث طرح مبادرة صينية لإنهاء هذه الجولة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتحقيق السلام والأمن الدائمين في المنطقة، الأمر الذي حظي بإشادة واسعة من المجتمع الدولي.
وأثناء زيارته لفرنسا في مطلع مايو الجاري، دعا الرئيس شي جين بينغ مرة أخرى إلى الوقف الفوري والشامل والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة، وأعرب عن الدعم الصيني لتصبح فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، واستئناف “حل الدولتين” من أجل تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط.
وقال وانغ قوانغ دا إن الرئيس شي جين بينغ يدعو إلى عالم متعدد الأقطاب متساو ومنظم وعولمة اقتصادية شاملة تعود بالنفع على الجميع، وعلى هذا الأساس ستعمل الصين مع الدول العربية على تعميق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، لإعلاء صوت “الجنوب العالمي” من خلال مجموعة العشرين ومنظمة شانغهاي للتعاون ومنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ومجموعة دول البريكس وغيرها من المنصات الدولية.
وفي 16 مايو الجاري، بعث الرئيس شي جين بينغ برسالة تهنئة إلى العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الرئيس المناوب لمجلس جامعة الدول العربية، بمناسبة انعقاد الدورة الـ33 لقمة جامعة الدول العربية في المنامة بالبحرين. وأظهرت رسالة التهنئة مرة أخرى الرغبة الصادقة للصين في مواصلة المضي قدما بروح الصداقة الصينية-العربية والعمل مع الدول العربية من أجل التنمية المشتركة، وأعربت الأوساط المختلفة لدى الدول العربية عن تطلعاتها لأن يساهم الاجتماع الوزاري الـ10 لمنتدى التعاون الصيني-العربي في مواصلة تعميق التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات وتحقيق منفعة أكبر لشعبي الجانبين.
وقال لي تشن إنه على مر التاريخ وفي خضم التغيرات التي يشهدها عالمنا المعاصر، يترابط مصير الصين والدول العربية بشكل وثيق غير مسبوق، مؤكدا أن منتدى التعاون الصيني-العربي سيستشرف، بلا شك، فرصا جديدة سانحة وسيحمل على عاتقه مسؤوليات جديدة.
وأعرب لي عن تطلعاته بأن يؤدي المنتدى دورا أكبر ويدفع التعاون الثنائي نحو نطاق أوسع ويتخذ إجراءات أكثر فاعلية، لكي يضع دعائم راسخة للثقة السياسية المتبادلة بين الجانبين، ويؤدي دوره كمنصة لتعزيز التعاون الصيني-العربي بشكل فعال، ويرسي أساسا شعبيا لتوطيد أواصر الصداقة الصينية-العربية التقليدية، حتى يخدم بشكل أفضل بناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية، ويحمي المصالح المشتركة للدول النامية على نحو أكبر، ويساهم بقوة في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.