سفير الصين لـ(السفير): موقفنا والروس من أحداث سوريا لن يتبدل
صحيفة السفير اللبنانية:
مارلين خليفة:
تثبت الصين على موقفها المؤيّد لحلّ سياسي سلمي في سوريا، وتتمسّك برفض أي تدخّل عسكري خارجي في الأزمة السورية، وذلك انطلاقا من «مبادئها الديبلوماسية الراسخة منذ خمسينيات القرن الفائت» كما يقول سفيرها في بيروت وو تسيشيان.
بعد 16 شهرا على اندلاع الأزمة السورية، تتمسك بكين بخطابها الديبلوماسي الداعي بإلحاح الى الحوار والتهدئة. يقول تسيشيان لـ«السفير»: «لا نرى تبدلا في جوهر الأزمة السورية كي نغير موقفنا، المتغير الوحيد حصل في الوقائع لكن الحلّ ثابت في ذهننا، وطبيعته سياسية، وقوامه الحوار وجلوس جميع الأطراف السوريين الى طاولة النقاش الجدي والصريح».
أخذ الصينيون علما بالاقتراح الروسي بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بشأن سوريا. ويقول تسيشيان إن الجانب الصيني يتخذ موقفا ايجابيا تجاه أي إجراء يرمي إلى المساعدة على الحد من تدهور الوضع في سوريا ويدفع مسيرة التسوية السياسية ويجب على الأطراف المعنية ان تركز على تطبيق قرارات مجلس الامن المعنية بسوريا، واقتراحات كوفي انان الملخصة بالنقاط الست من اجل وقف اطلاق النار والعنف، وذلك من اجل تهيئة الظروف المناسبة لاطلاق المسار السياسي في اقرب وقت ممكن في سوريا».
لا ترى بكين أن ساعة الحوار قد تأخرت بين الأطراف المتنازعة، وتحرص الديبلوماسية الصينية على الاجتماع بأطراف الأزمة كافّة من الرئيس بشار الأسد الذي زاره موفد صيني من وزارة الخارجية في شباط الفائت، كذلك تمت دعوة وزير الخارجية وليد المعلم الى بكين، ثم رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون، وكانت الرسالة الصينية موحدة للجميع: «الحل في سوريا سياسي ونحن نعترض على كل محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ونرفض أن يفرض الخارج مطالبه ونشجع الجميع على الحوار».
ولعلّ محاضر الاجتماعات بين الموفد الصيني وفريق المعارضة السورية خير دليل على «الصبر» الصيني الذي لا ينفد، ففي حين كان المعارضون السوريون يكررون صعوبة الحوار مع النظام، كان الموفد الصيني يكرر بلا ملل «أن الحوار السياسي هو الحلّ الوحيد».
في موازاة ذلك، تتابع الصين مشاوراتها العربية والخليجية، وخصوصا مع السعودية، التي زارها مؤخرا نائب وزير الخارجية تشاي جون في اطار جولة شملت الكويت وتونس ولبنان ونقل خلالها رسالة تشجع على الحوار السياسي وتثبيت الاستقرار والأمن في المنطقة.
ويلفت تسيشيان الانتباه الى ان السعودية «عبّرت للموفد الصيني عن صعوبة الوضع السوري، لكننا من جهتنا، أكدنا أنه لا يوجد إلا الحل السياسي وهي نقطتنا القوية». وأشار الى أن الصين «هي ضد تسليح المعارضة لأنها تطلب من جميع الأطراف عدم اللجوء الى العنف».
تنسيق صيني ـ روسي
وعما يتردد من أن الصين قد تبدل موقفها إزاء سوريا في حال تبدل الموقف الروسي ذكّر تسيشيان بأن «روسيا والصين تتشاوران دوما في مختلف الملفات الثنائية والدولية، لكن لكلّ منهما معاييرها الديبلوماسية الخاصة، وهي من الوجهة الصينية صيانة السلام وعدم السماح بالتدخل الخارجي، وأعتقد أن لروسيا الموقف ذاته». ويتساءل تسيشيان: «لا أعرف لماذا يتخيل بعض الناس أن تبدلا ما سيحصل في موقف الصين وروسيا، هذا التبدل غير مطروح ونحن نقف كليا ضد أي تدخل خارجي في الشؤون السورية».
وعما أعقب مجزرة الحولة من طرد لسفراء سوريين من دول غربية قال: «نحن ندين مجزرة الحولة، كما ندين مجزرة القبيرة، ونتمنى إيجاد المرتكبين ونشجع الأمم المتحدة على القيام بتحقيق عاجل لإلقاء القبض على المرتكبين. والموضوع يحتاج الى تحقيق جدّي».
يضحك تسيشيان عند سؤاله عن تلويح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون باللجوء الى «حلف الأطلسي» ويقول: «ألم يدرك العالم أن العنف يقود الى الكوارث كما حدث في العراق وأفغانستان وحتى في سوريا بالذات؟ أما حلف الأطلسي فقد رأينا نتائج تدخله في أفغانستان. ماذا جنى هذا البلد غير الكوارث؟ لا يمكن حلف الأطلسي أن يجد حلا في سوريا».
ويلفت تسيشيان النظر الى أن التشاور في المسألة السورية مستمر مع الولايات المتحدة ايضا «لكن الصين لن تتزحزح عن خمسة مبادئ رئيسية حددها رئيس وزرائها شو إن لاي في العام 1953 أثناء زيارته الهند وتشكل ركيزة السياسة الصينية الخارجية، وهي الآتية: الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية للبلدان، عدم الهجوم على أي بلد، عدم التدخل في الشؤون الخارجية للبلدان الأخرى، المساواة والعمل من اجل التقدم المشترك والتعايش السلمي. إنها اسس سياستنا الخارجية، ونحن لن نبدّلها حتى لو طالت الأزمة السورية».
اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني هو جينتاو أمس الأول، لامس الأزمة السورية مجددا: «نؤيد خطة أنان ونطلب تشجيعها ودعمها وهي بحاجة لذلك، وهذا ما نحرص عليه».
وعن تأكيد موسكو أنها «لا تعتبر بقاء الرئيس السوري في السلطة شرطا مسبقا لتسوية النزاع في سوريا»، يجيب تسيشيان «موقفنا واضح: لا يجب التدخل في الشؤون السورية. اختيار النموذج السياسي السوري هو مهمة الشعب السوري وليس لنا اختيار من يحكم سوريا بل أن نحترم إرادة الشعب».
ويلفت تسيشيان الى التنسيق الدائم بين بكين وموسكو في الملفات الدولية ومنها الأزمة السورية. ويقول «آلية التشاور مستمرة منذ أعوام طويلة وتشهد العاصمتان عدة اجتماعات سنوية على مستويات سياسية رفيعة. وسفاراتنا في العالم هي على تنسيق مستمر. معيارنا المشترك يكمن في احترام استقلال وسيادة كل بلد، واعتماد الحل السياسي الذي نجح بدوره بحل مشكلة الحدود المشتركة بين بلدينا فتم ترسيم الحدود في تسعينيات القرن الماضي بعد مفاوضات قامت بها لجنتان من الخبراء في البلدين».
يضيف: «روسيا شريك تجاري مهم للصين والعكس صحيح. لدى بلدينا حدود مشتركة، لذا فإن تعاوننا محتوم وخصوصا تجاريا. وأعطي مثالا على التعاون المصنع النووي الروسي الموجود داخل الأرض الصينية في ريف تيان سو».
ويتطرق تسيشيان الى حوادث طرابلس والحديث عن «كوريدور» لتمرير السلاح الى المعارضين السوريين. يقول «ان الرئيس اللبناني ميشال سليمان اشار في حديثه الى الموفد الدولي والعربي كوفي أنان الى أن السلطات اللبنانية تقوم بما في وسعها من أجل ضبط الحدود اللبنانية السورية». ويشدد تسيشيان على أهمية الدور الذي يضطلع به الجيش اللبناني قائلا: «يحتاج الجيش اللبناني الى دعم الوسط السياسي، وما يطمئنني هو أن الزعماء السياسيين موحدون على فكرة ضرورة التهدئة وإبعاد انتقال العدوى السورية الى لبنان وينبغي أن يستفيد الجيش من هذا التوافق».
برأي تسيشيان أن لا خوف من امتداد النار السورية الى لبنان وتوسعها ما دام الزعماء السياسيون واعين مخاطر انتقالها الى بلدهم. كما ان معظم الشعب اللبناني لا يرغب بذلك البتة». ويشجع تسيشيان على مشاركة الأطراف اللبنانيين في الحوار الوطني، باعتباره «الطريقة الفضلى لحل المشاكل، وينبغي إيجاد توافق حول المسائل المطروحة. إن لبنان بلد رائع لديه كل مقومات التاريخ والطبيعة والإنسان. ولولا الانقسامات السياسية الموجودة فيه لتمكن من ان يصل في مستوى نموه الى مصاف إمارة موناكو وسويسرا ولوكسمبورغ والدول الإسكندينافية. وبالتالي ينبغي إيجاد توافق بين اللبنانيين».
يحرص تسيشيان على إدانة «عملية خطف الحجاج اللبنانيين الأحد عشر، مهما كان السبب. فالخطف مدان والصين تشجب دوما هذه الأعمال البربرية لأنه ليس هكذا تُحلّ المشاكل».