من سائق إلى مترجم.. 12 عاما من التفاني في العمل ضمن البعثات الطبية الصينية إلى السودان
وكالة أنباء الصين الجديدة – شينخوا:
“من يشرب من مياه النيل يعود إليه مرة أخرى”، بهذه الكلمات وصف فنغ يوي ده البالغ من العمر 73 عاما، وهو موظف متقاعد من المستشفى الثاني التابع لجامعة شيآن جياوتونغ في مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين، تجربته الغنية خلال عمله لست مرات ضمن البعثات الطبية الصينية إلى السودان.
كانت الزيارة الأولى لـ فنغ إلى السودان في عام 1979، وكان عمره 28 عاما وأصغر عضو في الدفعة الـ11 من البعثات الطبية الصينية في هذا البلد. وفي وقت لاحق، عاد فنغ إلى السودان عدة مرات ليقضي مدة إجمالية بلغت 12 عاما.
فمن سائق إلى مترجم، عكف فنغ على مواصلة تحسين مهاراته، مجسدا تفاني البعثات الطبية الصينية لتقديم مساعدات مخلصة لشعب السودان.
اعتبر فنغ اللغة جسرا للتواصل، فعندما وصل إلى السودان لأول مرة، بدأ تعلم اللغة العربية من السكان المحليين. وفي المرة الثانية التي زار فيها السودان، تولى فنغ أعمال الترجمة، بعد أن عاد المترجم الأصلي إلى الوطن بسبب المرض.
وقال فنغ “كان هناك نقص حاد في مترجمي اللغة العربية، وكانت البعثة الطبية في حاجة كبيرة إلى المترجمين، لذلك قررت أن أتعلم اللغة العربية بجد”. وبعد عودة فنغ إلى الصين من السودان في عام 1989، تقدم بطلب إلى المستشفى لبدء دراسة اللغة العربية بدوام كامل في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية.
وأثناء دراسته في الجامعة، انطلاقا من معالجة المشاكل اللغوية التي واجهها أثناء عمله في السودان، وبمساعدة المعلمين، قام فنغ بجمع الكلمات ذات الصلة وأعد “دليل للحوار باللغة العربية”، الذي شمل تعبيرات يومية وأخرى تتعلق بالأمراض والاستشارات الطبية. وبهذا الإنجاز، عاد فنغ إلى السودان ضمن البعثة الطبية مرة أخرى.
وقال وو يي قوان، مدير قسم التصوير بالموجات فوق الصوتية في مستشفى هونغهوي في شيآن، الذي شارك ثلاث مرات في البعثات الطبية الصينية إلى السودان، إن دليل الحوار باللغة العربية بسيط وعملي ومفيد للأعمال الطبية، حيث ساهم بشكل كبير في تجاوز العقبات اللغوية التي واجهوها.
كانت ظروف العمل متواضعة جدا في مستشفى أبو عشر للصداقة الواقع على بعد أكثر من مائة كيلومتر من الخرطوم. قال فنغ “كان الأطباء يواجهون تحديات عديدة مثل الغبار والعواصف الرملية وانقطاع التيار الكهربائي، وكان عليهم التغلب على هذه الصعوبات لإجراء العمليات الجراحية”.
وقال فنغ “على الرغم من الظروف الصعبة، فإن المهارات الطبية الممتازة والإحساس القوي بالمسؤولية لدى الأطباء الصينيين تركت انطباعا جيدا وحظيت بإشادة واسعة من المواطنين المحليين”، وأضاف “بفضل السمعة الجيدة للأطباء الصينيين، كان المرضى يأتون من على بعد مئات الأميال لتلقي العلاج”.
وقالت باي تشون مي، الأستاذة في المستشفى الثاني التابع لجامعة شيآن جياوتونغ والتي شاركت مرتين في البعثات الطبية الصينية إلى السودان “كانت أجنحة المستشفى مكتظة دائما، حيث كان الأطباء يعملون خارج أوقات الدوام بسبب كثرة العمليات الجراحية”.
وبفضل التفاني المستمر لأعضاء البعثات الطبية الصينية، تعززت الصداقة بينهم والمواطنين السودانيين المحليين، الذين كثيرا ما دعوا أعضاء البعثات للمشاركة في المهرجانات المحلية وحفلات الزفاف والمآدب العائلية.
وقال فنغ إن السودانيين يعتبرونهم “أصدقاء وأشقاء”، حيث لا يزال على اتصال ببعض أصدقائه السودانيين بعد عودته إلى الصين.
وتعد شنشي من أوائل المقاطعات الصينية التي نفذت مهام تقديم المساعدات الطبية في الخارج. منذ إرسال البعثة الطبية الأولى إلى السودان في عام 1971، أرسلت مقاطعة شنشي إجمالي 48 دفعة من البعثات الطبية تضم 1298 شخصا إلى السودان ومالاوي. وحتى نهاية يوليو 2024، قامت البعثات الطبية الصينية في السودان ومالاوي بتشخيص وعلاج أكثر من 8.47 مليون من المرضى الخارجيين، وعالجت أكثر من 459 ألفا من المرضى الداخليين، وأجرت أكثر من 253 ألف عملية جراحية.
وقال فنغ “إن السمات المشتركة للأطباء الصينيين الذين عملت معهم سابقا هي المهارات الطبية العالية والعمل الجاد والتفاني المخلص تجاه السكان المحليين. وقد التزمت أجيال من أعضاء البعثات الطبية الصينية بهذا النهج في العمل”.